كريتر نت – العرب
يتعامل الغرب مع السعودية بازدواجية غير مفهومة؛ فهو من ناحية يريد منها أن تضخ ما يكفي من شحنات النفط في الأسواق لخفض الأسعار، ومن ناحية أخرى يستمر في إعطائها دروسا في موضوع حقوق الإنسان ولعب دور الأستاذ الذي يرفضه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ويلوّح بشراكات جديدة ما لم يغير الغرب طريقة تعامله مع المملكة.
وقالت أوساط سياسية خليجية إن القيادة السعودية تستفيد من الأزمة الحادة التي يعيشها الغرب في العلاقة بروسيا لتؤكد لأوروبا والولايات المتحدة أن الرياض لن تقدم خدمات مجانية لأحد، وأنها صارت تفكر في نفسها ومصالحها وأجيالها القادمة، ولْيشبع الغرب بدروسه وضغوطه في ملف حقوق الإنسان.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن السعودية عملت إصلاحات مهمة في المجال الاجتماعي وغيرت الكثير من القوانين، وهي تحتاج إلى الوقت من أجل الاستمرار في هذا المسار المعقد، لافتة إلى أن الأمر ليس سهلا ولا يحتاج إلى قرار أو فتوى لوجود قوى جذب إلى الوراء، لكن الغرب يقابل هذه الخطوات بالإهمال، وحين يريد الضغط على الرياض يعيد سحب ملف حقوق الإنسان والتهديد به وكأن المملكة تلميذ صغير يحتاج إلى الدروس من هذه الدولة أو تلك.
ويعرف السعوديون أن ورقة حقوق الإنسان يتم سحبها هذه الأيام ليس بسبب إعدام أنصار التيارات المتشددة (داعش والقاعدة والحوثيين) السبت، وإنما كرد على مقابلة الأمير محمد بن سلمان مع مجلة “ذي أتلانتيك” الأميركية، حيث لم تستوعب دوائر غربية -وخاصة في الولايات المتحدة- كيف أنه يريد التعامل بندية مع إدارة الرئيس جو بايدن، فضلا عن انحياز بلاده إلى جانب روسيا في موضوع النفط، وهو ما يعتبر تحديا لواشنطن.
ويرى متابعون للشأن الخليجي أن الإعلام الغربي عاد ليصفي حسابه مع ولي العهد السعودي بعد ظهوره الإعلامي الأخير بالرغم من أن تصريحاته حملت الكثير من العناصر التي تظهر رغبته في التغيير ومواجهة المتشددين، وأنه يتحرر من ميراث محمد بن عبدالوهاب.
ويعتبر المتابعون أن الهجوم على محمد بن سلمان هو استهداف مباشر للرجل الذي يريد أن يغير بلاده نحو الأفضل، ويريدها أن تتهيأ لمرحلة ما بعد النفط من خلال مشاريع عملاقة ستعود بفوائد عديدة على السعودية في العقود القادمة، أي أنهم يحاربون لمنع المملكة من الاعتماد على الذات وعدم الارتهان لجهة بعينها.
وظل ولي العهد السعودي يتجنب الظهور في وسائل الإعلام الغربية لأكثر من عامين، على أمل أن تنحسر العاصفة التي أثيرت من حوله بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية عام 2018.
وعندما نشرت مجلة “ذي أتلانتيك” في السّابع من مارس مقالا طويلا عن المملكة العربية السعودية وتضمن مقابلة مع الأمير محمد بن سلمان أجراها غرايم وود، مثّل ذلك فرصة جيّدة لمعرفة ما الذي تغير لدى ولي العهد، لكن الإعلام الغربي لم ينظر إلى الجانب الإيجابي من الحوار، بل جدد حملاته على الرجل مستعيدا قصة خاشقجي ومحاولة تحميله مسؤولية ذلك بالرغم من نفيه المستمر لأي علاقة له بالقصة.
وعندما سُئل عما إذا كان قد أمر بقتل خاشقجي، أجاب ولي العهد السعودي بأن “من الواضح” أنه لم يأمر بارتكاب الجريمة.
وقال “يؤلمني الأمر كثيرا. يؤلمني ويؤذي المملكة العربية السعودية، من منظور المشاعر”.
وعندما نُشر مقال “ذي أتلانتيك” في نسخته الإنجليزية والعربية قوبل على الفور بوابل من الانتقادات؛ إذ كتب مارك لينش، الأستاذ في جامعة جورج واشنطن، أن المقال “لا يمكن أن يكون أكثر تعاطفا مما كان يمكن أن يكتبه الفريق الصحافي الخاص بـ(الأمير محمد) بن سلمان”، في إشارة إلى أن المقابلة هدفت إلى تلميع صورة ولي العهد السعودي.
وغردت إليزابيث سبايرز، أستاذة الصحافة في جامعة نيويورك، “هذه إهانة لصحافي حقيقي تعرض للتعذيب والتقطيع بسبب عمله”.
كما نقل عن غرايم وود قوله “أخبرني مصدران سعوديان بأن دخولي إلى المملكة انتهى بعد نشر القصة، وأن ولي العهد لن يراني أبدا مرة أخرى”.
ويشير المتابعون إلى أن الحملة ضد الأمير محمد بن سلمان خلال الأسبوع الماضي تريد إسكاته ومنعه من الظهور في وسائل إعلام غربية والحؤول دون ظهور شخصية سعودية غير معهودة، لافتين إلى أنه لو كان الأمر انتصارا لحقوق الإنسان واحتجاجا على إعدام واحد وثمانين مدانا في قضايا الإرهاب لما كان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يستعد للذهاب إلى المملكة طالبا دعمها في موضوع النفط ومرتبا لعلاقات أمتن مع بلاده التي تحتاج إلى الاستثمارات السعودية في مغامرة ما بعد بريكست.
وحتى الآن تجاهلت السعودية والإمارات نداءات أميركية وأوروبية لاستخدام القدرة الإنتاجية الاحتياطية لديهما في تهدئة أسعار النفط المرتفعة التي تهدد بكساد عالمي بعد التدخل الروسي في أوكرانيا.
وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الاثنين إن بريطانيا تعتزم التحدث إلى السعودية بشأن مجموعة من القضايا وليس فقط بشأن إمدادات الطاقة، وإنها ستثير مخاوفها بشأن قضايا حقوق الإنسان بما في ذلك عمليات الإعدام الأخيرة.
لكن الحقيقة كشف عنها وزير الصحة البريطاني ساجد جاويد حين قال “من المهم أن نعترف -سواء شئنا أم لم نشأ- بأن السعودية أحد أكبر منتجي النفط في العالم”.
وأضاف جاويد لراديو التايمز “في هذا الظرف الذي يشهد أزمة عالمية كبرى في الطاقة نتجت عن هذه الحرب في أوروبا من الصواب أن يتواصل رئيس الوزراء وزعماء عالميون آخرون مع السعودية ويحاولوا العمل معا على (تحقيق) ما هو منطقي”.
ويعتقد مراقبون أن التصريحات التي صدرت عن بعض الدول الغربية بشأن إعدام مجموعة من أنصار التيارات المتشددة في السعودية هي مجرد تسجيل موقف في مواجهة لوبي إعلامي ودبلوماسي كبير معاد للمملكة في أوروبا والولايات المتحدة، وأن الأمر لن يلغي حاجة هذه الدول إلى السعودية -سواء تعلق الأمر بموضوع النفط أو بمسألة الصفقات الاقتصادية والعسكرية- وإلى المال السعودي الذي توسع ليشمل مجالات جديدة مثل ميدان الرياضة.
وأدانت وزارة الخارجية الألمانية إعدام أكثر من 80 شخصا خلال مطلع هذا الأسبوع في المملكة العربية السعودية.
وقال متحدث باسم الوزارة الاثنين في برلين إن الحكومة الألمانية ترفض عقوبة الإعدام في جميع الظروف، وأضاف “إنها عقوبة قاسية وغير إنسانية ومهينة.
ومن هذا المنطلق، فإن مثل هذه التقارير بالطبع صادمة إلى أقصى درجة”.