كريتر نت – العرب
لا يخفي المسؤولون الأوروبيون قلقهم من تحول منطقة الخليج إلى ملاذ آمن للثروات الروسية، وأثر ذلك على العقوبات المشددة التي فرضت على موسكو جراء العملية العسكرية التي تشنها منذ الرابع والعشرين من الشهر الماضي في أوكرانيا.
وقال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، في ختام جولة خليجية قادته منذ السبت إلى كل من الإمارات وقطر لبحث إمدادات الطاقة على المدى الطويل، إنه يتعين على دول المنطقة عدم السعي للتربح من العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب الأوكرانية.
وأوضح هابيك للصحافيين في أبوظبي بعد زيارته لقطر “لا أطالبها بالانضمام للعقوبات، لكنني أطلب منها عدم التربح من العقوبات الأوروبية والأميركية”.
وأضاف أنه لم ير أي دلائل تشير إلى تدفقات للثروة الروسية على الإمارات، المركز التجاري للمنطقة، لكنه أشار إلى دور محتمل لقطر.
وقال الوزير إنه تحدث مع مسؤولين قطريين عن تدفق الثروة الروسية إلى الدولة الخليجية الثرية. فيما التزمت السلطات القطرية الصمت ولم ترد على تصريحات هابيك.
ويرى مراقبون أن تلميحات الوزير هابيك بشأن تحول قطر إلى ملاذ آمن للثروات الروسية، لا يمكن أن يأتي من فراغ، خصوصا لحساسية هذا الموضوع، والأكيد أن المسؤول الألماني سعى من خلال حديثه للصحافيين لإحراج موقف الدوحة، التي يبدو أن مسؤوليها ناوروا خلال لقائه بهم في الإجابة صراحة عن التوجسات الأوروبية.
وفرضت الدول الغربية عقوبات غير مسبوقة على روسيا تضمنت تجميد أصول لكبار المسؤولين ورجال الأعمال الروس القريبين من الكرملين، وتحدثت تقارير غربية عن رصد تحركات لعدد من رجال الأعمال الروس، لنقل أموالهم وأملاكهم لبعض البلدان ومنها دول خليجية بحثا عن بيئة آمنة ماليا.
وتتبنى معظم دول الخليج موقفا محايدا إلى حد كبير إزاء الصراع الروسي – الغربي المتفجر جراء الحرب الأوكرانية، لكن مع بعض التفاوتات، فقطر على سبيل المثال وفي غمرة حرصها على عدم استفزاز روسيا والإبقاء على علاقات جيدة معها، لا تتوانى عن التعبير عن استعدادها الدائم إلى تقديم يد المساعدة السياسية والاقتصادية للشركاء الغربيين.
ويقول المراقبون إن قطر أبعد من أن تقوم بأي خطوة قد تغضب الولايات المتحدة، مشيرين إلى أن الأخيرة تسمح لها بمساحة من التصرف مع الروس، لترك الباب مواربا أمام إمكانية أن تلعب الدوحة أدوارا معينة لصالحها.
ويوضح المراقبون أن الولايات المتحدة مستعدة في هذا السياق إلى التغافل عن بعض الأنشطة القطرية بما يشمل ذلك مسألة تحولها إلى أحد ملاذات الثروات الروسية إذا كان ذلك يخدم الخطط التي تعول واشنطن على الدوحة في تنفيذها، ومنها مسألة الوساطة في بعض القضايا على غرار ما حصل مؤخرا بالنسبة إلى إقناع موسكو بالتراجع عن شروطها المستجدة في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني.
والتقى وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الأسبوع الماضي بنظيره الروسي سيرجي لافروف. وقال مصدر مطلع على محادثات إيران إن المحادثات ركزت على رفع الحواجز أمام استكمال الاتفاق النووي الإيراني.
وقال المصدر “كان هناك تنسيق مع واشنطن قبل زيارة وزير الخارجية القطري إلى موسكو، لاسيما في ما يتعلق بمناقشة خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)”.
وقبل يوم من زيارته إلى موسكو، تحدث الشيخ محمد مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. والتقى أيضا بنظيريه في ألمانيا وفرنسا، وهما طرفان في محادثات إيران إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وروسيا.
وبعد الاجتماع، تراجع لافروف عن مطالب بلاده السابقة التي أوقفت مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني في اللحظات الأخيرة.
وقال مهران كامرافا الأستاذ في جامعة جورج تاون في الدوحة “يبدو أن قطر لعبت دورا في المناقشات على هامش المحادثات الإيرانية. ويبقى السؤال: إلى أي مدى كان هذا الدور مباشرا وما مدى تأثيره؟”.
وخلال زيارته للدوحة الأحد، قال وزير الاقتصاد الألماني إنه تم التوصل إلى شراكة طويلة الأمد في مجال الطاقة في حين قالت قطر إن البلدين سيعودان للمشاركة في المناقشات بشأن إمدادات الغاز الطبيعي المسال وإحراز تقدم فيها.
وفي أبوظبي التي كانت المحطة الثانية والأخيرة في جولته أشرف الوزير الألماني على توقيع مجموعة من شركات بلاده اتفاقيات مع شركات إماراتية لبناء سلسلة قيمة شاملة للهيدروجين بين البلدين.
وقد حرص الوزير خلال لقائه بمسؤولين في شركة بترول أبوظبي الوطنية أدنوك، على حث الإمارات على زيادة إنتاج النفط، لكن لم يحصل على أي تعهدات بهذا الخصوص في ظل التزام الدولة الخليجية باتفاق أوبك بلاس.
وقال هابيك للصحافيين بعد اجتماع مع الشركة “لم نتحدث عن النفط باستثناء أوبك. وفي هذا الصدد كانت الدعوة إلى زيادة حجم الإنتاج بطريقة تمكن شعوب العالم من دفع ثمن هذا النفط ما دمنا في حاجة إليه”.
وتتمسك كل من الإمارات والمملكة العربية السعودية بالاتفاق الموقع مع روسيا ضمن ما يسمى تكتل أوبك+ الذي يقوم على زيادة مقدرة في النفط، وتعتبر الدولتان الخليجيتان أن الاتفاق الحالي يخدم مصالحهما، مشددتين على أن الزيادة الحالية في الأسعار ليس التكتل مسؤولا عنها، بل هي ناجمة عن صراع لا تريدان أن تكونا جزءا منه.