كريتر نت – العين الإخبارية
ذات مساء، أكمل عبدالكريم سالم، صلاة المغرب مع صديقه في مسجد قرب مطار عدن، ثم خرجا للشارع لتبادل الحديث قبل أن يضرب المكان انفجار ضخم.
سقط سالم على الفور ولم يعرف مصير صديقه، لكنه عند إفاقته في المستشفى الجمهوري شاهد جواره عديد الجثث، منها المتفحم، فيما ملأ الأنين أطراف المشفى، ثم عرف لاحقا أن سيارة مفخخة انفجرت على بعد بضعة أمتار من بوابة المطار الرئيسية وخلفت مجزرة مروعة.
ووقع الانفجار بـ30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كواحد من 4 تفجيرات إرهابية وهجمات صاروخية حوثية هي الأكثر دموية وبشاعة، ضربت مطار ومدينة عدن خلال أقل من عام واستهدفت اغتيال كبار مسؤولي الحكومة اليمنية وصحفيين مناهضين للمليشيات وكثير من المواطنين.
وهذه الجرائم هي، هجوم مطار عدن الدولي في ديسمبر/ كانون الأول 2020، و3 تفجيرات استهدفت موكب محافظ عدن وبوابة المطار والصحفي محمود العتمي وزوجته رشا الحرازي بين أكتوبر/ تشرين الأول، ونوفمبر/ تشرين الثاني 2021، والتي سلط عليها تقرير حقوقي حديث الضوء كجرائم نفذها الحوثيون على خطى داعش، وحاول الإخوان إلصاقها بخصومهم السياسيين.
التقرير الصادر عن منظمة “حق” للحقوق والحريات، غير حكومية ومقرها عدن، وتلقته “العين الإخبارية”، حمل عنوان “جرائم التفجيرات الإرهابية في عدن – تخادم الإرهاب الحوثي الإخواني الداعشي”، وأظهر حصيلة إجمالية لضحايا العمليات الإرهابية الأربعة للمرة الأولى وقدرها بـ 171 ضحية، منهم 29 قتيلا و142 جريحا.
وعرض التقرير شهادات لضحايا ناجين ونتائج تحقيقات الأجهزة الأمنية والقضائية وجميعها أثبتت تورط مليشيات الحوثي ووقوفها خلف التفجيرات والهجمات التي ضربت العاصمة المؤقتة عدن، فيما فند في فصل آخر أكاذيب أحد تقارير المنظمات الحقوقية الإخوانية، كجزء من مقصلة عدنية لفضح تحالف الحوثي والإخوان.
شهادات عن ذكريات فظيعة
تكشف شهادات الجرحى وذوي القتلى التي أوردها التقرير حجما كبيرا من الأضرار الجسدية والمادية التي خلفتها التفجيرات الإرهابية لمليشيات الحوثي والتي نفذتها على خطى تنظيم داعش الإرهابي عبر السيارات الملغومة.
ولا زالت آثار الشظايا باقية على أجساد من نجوا من هذه التفجيرات الحوثية، والتي خلفت آلاما نفسية عميقة لدى الضحايا وأسرهم والمجتمع العدني واليمني ككل.
في شهادة مرئية طالعتها “العين الإخبارية”، يصف ناج من تفجير بوابة مطار عدن يدعى “صالح محمد” وكان يعمل في متجر مجاور في المكان بأنه “يوم أسود”، قائلا: “ذهبت لصلاة المغرب، وعدت إلى مقر العمل لفتح المحل كالعادة، لكن فجأة اسودت الدنيا، وسقطت على الفور في حالة إغماء، أحسست أنني أصبحت تحت الركام، وكل ما حولي ظلام وسواد ونيران تشتعل”.
ويتابع وهو يشير إلى بقايا الجراح في جسده: “كنت أصرخ ماذا حدث، لكن لم يجيبني أحد، أفقت في المستشفى، وشرح لي الأطباء ما حدث، وأن انفجارا مهولا وقع وأزهق الكثير من الأرواح، وأنني كنت واحدا ممن كتبت لهم النجاة”.
لم توذ أو تصب هذه العمليات الغادرة المارة من المدنيين أو ملاك المحال التجارية والعاملين فيها، فحسب، بل حتى الأسر الآمنة في المنازل وصلت إليها الشظايا، فعائلة “الحاج بانافع” تضرر منزلها ونجت بأعجوبة.
يقول محمد أحمد الحاج بانافع إنه “كان مع أسرته في المنزل آمنين قبل أن يهز الانفجار المكان ويدمر أجزاء واسعة ويتسبب بسقوط 3 طوابق من مبنى تسكنه عدة أسر، لا سيما الجهة المقابلة مباشرة للانفجار”.
وأضاف في شهادة وثقتها منظمة “حق” وطالعتها “العين الإخبارية”، إن التفجير البشع تسبب له بالإصابة بشظايا صغيرة فيما اخترقت عدة شظايا أجزاء من جسد الجدة خديجة بانافع وأصيب قريب آخر بجسمه وعظمة يده.
تشير هذه الشهادات إلى أن جرائم دواعش الحوثي تخطت عمليات التنظيمات الإرهابية والتي تضع جميعها عاصمة اليمن المؤقتة عدن على رأس القوائم المستهدفة من التفجيرات بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة.
الإخوان وغسل جرائم الحوثي
ووفقا للتقرير الذي تنشر “العين الإخبارية”، أجزاء منه ووثائق قضائية للمرة الأولى، فإن جميع الأدلة والاستدلالات للجناة المتورطين في العمليات الغادرة بعدن أثبتت تنفيذها من قبل مليشيات الحوثي بدعم إيراني فضح التحالف غير المعلن مع الإخوان.
واتهم التقرير، منظمة إخوانية ومقرها جنيف وممولة من قبل إخوان اليمن بتوفير غطاء حقوقي متعمد لخلايا مليشيات الحوثي الإرهابية وخلايا التنظيمات الإرهابية في عدن ضمن ما وصفه “التخادم الحوثي الإخواني الداعشي”.
ودحض التقرير التهم الملفقة التي ألصقتها المنظمة الإخوانية “سام” في أحد تقاريرها بالقوات الجنوبية، بزعم اعتقال مواطنين من شمال اليمن عاملين في عدن، وذلك في تقرير لها صادر في يوليو/ تموز العام الماضي وزعم تسجيل 40 حالة انتهاك في العاصمة المؤقتة خلال شهر.
ورأت منظمة “حق” للحقوق والحريات أن تقارير المنظمة الإخوانية غلفت بالسياسة وافتقرت للدقة والأدلة، إذ لم تجر أي عملية تقص للحقائق من الواقع واعتمدت على معلومات ومصادر غير مباشرة، ما يصنف ضمن الكيد السياسي الممنهج لاستهداف القوات الجنوبية، ولا يمت للعمل الحقوقي بصلة.
ففي إحدى الوقائع، زعمت المنظمة الإخوانية اعتقال 8 مدنيين كانوا يسكنون شقة في مدينة إنماء السكنية في البريقة شمال عدن، وتبين عقب دفع منظمة “حق” بفريق ميداني لجمع شهادات موثقة من سكان المنطقة وأخذ نسخ من القضية المقيدة لدى السلطات القضائية والأمنية وإخضاعها للمطابقة أنها مجرد افتراءات.
وكشف التقرير عن أن كل الأدلة بما فيه قرار الاتهام التي أعدته النيابة الجزائية في عدن أثبتت أن من تم اعتقالهم كانوا بالفعل جزءا من خلايا مسلحة للحوثيين، وتم ضبطهم في حالة تلبس وفي حيازتهم أسلحة ومبالغ مالية وتديرهم عناصر مدربة من قبل المليشيات المدعومة إيرانيا.
وطبقا لقرار الاتهام لدى السلطات القضائية، التي نشر التقرير نسخة منه، وتحققت منها “العين الإخبارية”، فإن عدد من تم ضبطهم بلغوا 36 شخصا، بينهم 15 عنصرا اشتركوا في تشكيل عصابة مسلحة مرتبطة بمليشيات الحوثي فيما صنف 13 عنصرا كفارّين من وجه العدالة، بنيهم مدربون عسكريون حوثيون فيما عوقب ما تبقى من المتهمين.
واعترفت العناصر المقبوض عليها بتنفيذ تفجيرات إرهابية في عدن أزهقت حياة عشرات الأبرياء، فضلا عن تنفيذ عمليات اغتيالات في محافظتي لحج وعدن لجنود وضباط وأئمة مساجد مناهضين للحوثي، ما استدعى إحالتهم للمحاكمة القضائية إحقاقا لمبدأ العدالة.
وتشير هذه الأدلة إلى الدور المشبوه التي تمارسه الأذرع الإخوانية الناعمة والتي تندرج في إطار الانتقائية والتسييس وتجريد العمل الحقوقي من غايته النبيلة لخدمة أجندات حزبية وسياسية محلية وخارجية هدفها النيل من الجنوب وقضيته واليمن ودول التحالف العربي، وفقا للتقرير.
جرائم حرب وإرهاب دولي
أجمع قانونيون يمنيون أن الهجوم الصاروخي الحوثي على مطار عدن والتفجيرات الإرهابية التي استهدفت كبار المسؤولين والصحفيين المدنيين في عدن العام الماضي تصنف قانونيا من “جرائم الإرهاب الدولية” وجرائم حرب مستوفية كل الشروط لإنزال أقسى العقوبات بالمتورطين والمنفذين والممولين والداعمين لها.
وقال محاميان وقاض لـ”العين الإخبارية”، إن الهجمات والتفجيرات الحوثية في عدن تعد “أعمالا إرهابية” كبيرة لأنها توظف الرعب والفزع الشديد لدى عامة السكان لتحقيق مكاسب سياسية وهي مجرمة حسب اتفاقية جنيف لمنع ومقاومة الأعمال الإرهابية 1937 واتفاقية مونتريال الخاصة بقمع الاعمال غير المشروعة والموجهة ضد سلامة الطيران المدني 1971.
كما تصنف التفجيرات والهجمات التي استهدف بشكل رئيس مطار عدن بـ”جريمة الحرب” المستوفية للشروط والأركان وفقا للنظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية كون المنشأة المستهدفة من الأعيان المدنية المعلومة وذات أهمية بالغة للمدنيين والتي يحظر القانون الدولي الإنساني الاتفاقي والعرفي استهدافها، طبقا للخبراء القانونيين.
وكان التقرير الحقوقي لمنظمة “حق” عرض عدة توصيات، منها دعوة الرئاسة اليمنية والحكومة المعترف بها دوليا إلى تحرير الأجهزة والمؤسستين الأمنية والمدنية من هيمنة تنظيم الإخوان بعيد الأدلة التي أثبتت تخادمهم مع مليشيات الحوثي المصنفة جماعة إرهابية.
وشدد على أهمية دعم المؤسسات الأمنية في عدن للاستمرار في مكافحة الإرهاب وتأمين عمل الأجهزة القضائية وتوفير متطلباتها، كما طالب القضاء بسرعة البت في قضايا الإرهاب للانتصار للعدالة.