كريتر نت / الصحة النفسية
الحشيش من أكثر المخدرات انتشارا في العالم، وهو من المواد المهلوسة عند تعاطيه بجرعات كبيرة، وتعاطي الحشيش عن طريق التدخين هو أكثر الطرق انتشارا، وهي كذلك أسرعها تأثيرا علي الجهاز العصبي المركزي، نظرا لسرعة وصول المادة الفعالة من الرئة إلى الدم، ومنه إلى أنحاء المخ.
والشائع جدا، حتى بين الكثير من المتخصصين، أن الحشيش حيادي تجاه المخ ولا يؤذيه، وأنه لا يسبب الإدمان، وأن تأثيراته السلبية -إن وجدت- هي تأثيرات مؤقتة تزول بمجرد التوقف.
فما مدى صحة هذه التصورات الشائعة، والتي تستخدم في الترويج له؟
ماذا تقول الدراسات بشأن الحشيش وتأثيراته على الوظائف الإدراكية؟
يحدث التباس لدى الكثيرين عند التعامل مع الأبحاث والدراسات العلمية، حتى أن البعض قد يرى أن هناك تضارب بين نتائج الدراسات، وهناك أمور عدة متعلقة ببيئة الدراسة، قد تؤدي إلى ذلك، بداية من كيفية تكوين العينة المدروسة، وهل هي معبرة حقا ومختارة بعناية؟ ومرورا بالدراسة نفسها.. ظروفها وعناصرها وإحكامها، وما الذي نقيسه وندرسه بالضبط؟ وبأي وسائل نفعل ذلك؟ وحجم تلك العينة؟ وأشياء أخرى كثيرة.
بالإضافة إلى أن هناك أمور قد تكون معدلات حدوثها منخفضة إلى حد ما، وتستدعي إجراء البحث على عينة كبيرة نسبيا لإثبات النتيجة، وهو ما قد لا يكون متاحا أو متيسرا.
وفيما يتعلق بالحشيش، ورغم الكثير من الشائعات، فإن أغلب الدراسات المحكمة، وهو الرأي الذي يرجحه معظم المجتمع العلمي، أن الحشيش Cannabis يرتبط بتدهور للوظائف الإدراكية، ويسبب الفصام، على الرغم من أن هناك بعض الدراسات المتناثرة والقليلة التي قد تنفي ذلك.
الحشيش، وخاصة مع الاستخدام لفترات طويلة، يسبب تدهورا دائما للوظائف الإدراكية، ويزيد من الزمن اللازم للاستجابة لدى المتعاطي، ويزيد من الزمن اللازم لإدراك الكلمات، ويسبب قصورا في حركة استجابة العين الأساسية، ويضعف الذاكرة، بالإضافة إلى ارتباطه الأكيد بالأمراض الذهانية، وهو أمر ثابت إلى حد كبير.
لماذا التركيز على الحشيش؟
الانتشار الواسع لإدمان الحشيش cannabis addiction، مع الكثير من المعتقدات الخاطئة والراسخة، ومع تأثيراته الصحية السلبية تجعلنا نركز عليه، وهذه بعض العوامل الهامة:
– تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 3 ٪ من الناضجين يتعاطون الحشيش بانتظام (مدمنين للحشيش)، بالإضافة إلى عدد أكبر يتعاطاه لكن ربما دون نفس الانتظام.
– تعاطي الحشيش يبدأ من سن صغيرة، وعلى الأغلب مع المراهقة بين 12 و16 عاما.
– ما ثبت بشكل كبير هو أن الحشيش يسبب تأثيرات واسعة على الصحة سواء بشكل حاد أو على المدى الزمني الطويل.
– ما ثبت أيضا أن الحشيش يسبب إدمانا جسديا، ونفسيا، ويسبب أعراضا انسحابية.
– هناك اعتقاد واسع خاطئ بأن الحشيش حيادي تجاه المخ ولا يؤذيه، وهو الأمر المؤكد خطؤه، إلا أن أغلبية العامة تتجاهله وتنفيه بلا دليل.
– هناك اعتقاد واسع بأن الحشيش لا يسبب الإدمان، وهو الأمر الذي تنفيه الدراسات، ويرجع جزء من ذلك الاعتقاد إلى أن الأعراض الانسحابية للحشيش ليست بعنف المخدرات الأخرى، وهو الأمر الصحيح نسبيا، إلا أن ذلك يرجع إلى أن تخلص الجسم التام من الحشيش يحتاج لوقت طويل، وهو ما يحافظ على منسوبه داخل الجسم لوقت طويل نسبيا، مما يقلل من آثار الانسحاب.
– الثابت أن للحشيش تأثيرات ضارة واسعة، إلا أنها تتعاظم بخاصة مع المراهقين، وتكون مصحوبة بآثار دائمة تصحبهم مدى الحياة.
هل ترتبط جرعات الحشيش ومدة تعاطيه مع آثاره؟
تشير أغلب الدراسات إلى أنه مع ازدياد الجرعات، وتعاطي الحشيش لفترات أطول فإن ذلك يرتبط بتأثيرات أكبر على المخ ووظائفه، كما أن هناك دراسات تشير إلى علاقة خطية ربما تربط جرعات الحشيش بتلك التأثيرات.
الأمر الذي كان خلافيا كان بخصوص ما إذا كانت تلك الآثار الجانبية مرتبطة بتأثيرات دائمة وخلل لا يزول، حيث أشارت إحدى الدراسات على سبيل المثال إلى أن الامتناع عن تعاطي الحشيش لأربعة أسابيع يكون مصحوبا بزوال لكل آثاره السيئة التي سببها، إلا أن دراسة موسعة قد أجريت وحللت معظم الدراسات التجريبية وخلصت إلى أن ذلك غير صحيح، وأن هناك خللا دائما وعطبا للمخ قد لا يمكن تجاوزه والتخلص منه.
هل للحشيش تأثير على الأجنة؟
لا يبدو تأثير الحشيش على الأجنة (Embryo) واضحا، غير أن هناك دراسات تشير إلى ارتباطات بين المخ المتشكل والمتكون في تلك المرحلة المبكرة والحشيش، حيث تشير إلى أنه يؤثر في تشكل تلك الأجزاء من المخ المرتبطة بالحالة المزاجية وبؤر المكافأة والثواب، مما يعني أن تعرض الأجنة عن طريق الأم الحامل خلال تلك المراحل المبكرة محفوف بالمخاطر، وأن تأثر المخ النامي به ثابت، وعلى الأغلب فالآليات التي قد يبذلها الجسد النامي لمعادلة تلك الآثار السلبية قد لا تكون كافية، وهو ما يعني ضررا عصبيا وسلوكيا لذلك الجنين، طفل ومراهق وشاب المستقبل.
الحشيش والأمراض الذهانية؟
لعل من الثابت تاريخيا ارتباط تعاطي الحشيش بالذهان، وهو الأمر الذي أكدته الدراسات مؤخرا، بل ورجحت كذلك العلاقة بين الحشيش وأمراض نفسية أخرى، بل أثبتت مؤخرا علاقة وثيقة -لا تدع مجالا للشك- بين تعاطي الحشيش والإصابة بالفصام (Schizophrenia).
ومن الواضح أن هناك اختلافا بين الذهان psychosis الذي يسببه الحشيش، وبين ارتباطه بالفصام المصحوب بأعراض ذهانية.
ما هي الآليات التي يسبب بها الحشيش تلك التأثيرات على الوظائف الإدراكية للمخ cognitive mental functions والذهان والفصام؟
هذه الآليات غير واضحة تماما حتى الآن، ولكن هناك العديد من النظريات التي تحاول تفسير ذلك، وهناك ما هو مع، وما هو ضد كل نظرية منها، وهناك من يرجح وجود علاقة بين تأثيرات الوسط المحيط والبيئة والجينات وقراءتها.
يبدو أن المتعاطين ليسوا مجموعة متجانسة، وتأثير الحشيش متباين فيما بينهم، فبعضهم أكثر عرضة من البعض الآخر، وهو الأمر غير المضمون، ففي النهاية لا أحد من المؤكد أنه آمن.
وقد يبدو من المنطقي أن الحشيش الذي قد يكون سببا في إصابة البعض بالفصام سيسبب تدهورا لدى أولئك المصابين بالفصام بالفعل، إلا أن الغريب هو أن بعض الدراسات الحديثة قد أشارت إلى أن مرضى الفصام من متعاطي الحشيش قد يبدون بعض التحسن مع تعاطيهم للحشيش، إلا أن هناك كثيرا من الانتقادات موجهة لهذه الدراسات من ناحية عدد العينة، وتنوعها والظروف الحاكمة للتجارب.
وأخيرا نؤكد على الدليل العلمي الذي يربط بين تعاطي الحشيش والتدهور في الوظائف الإدراكية للمتعاطي وبخاصة فئة المراهقين، وكذلك الذي يربط بين الحشيش والذهان والفصام.
المصدر / موقع صحتك