كريتر نت – العرب
توقعت مصادر دبلوماسية مطلعة أن تحرز جهود المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، الذي وصل إلى صنعاء الاثنين، انفراجة في مسار تثبيت الهدنة والمضي قدما في إجراءات بناء الثقة التي تضمنتها مبادرته القائمة على تشغيل مطار صنعاء والسماح بدخول المشتقات النفطية عبر موانئ الحديدة، إضافة إلى الترتيبات الإنسانية والإغاثية التي تتضمن وقفا للحرب الاقتصادية بين الحكومة اليمنية والحوثيين.
وقالت المصادر لـ”العرب” إن التقدم الإيجابي في تحركات المبعوث الأممي جاء انعكاسا للتفاهمات الأولية التي خرجت من اجتماعات مسقط، والتي شاركت فيها الحكومة العمانية من خلال تقديم ضمانات للجماعة الحوثية، وهو ما ألمحت إليه وزارة الخارجية في حسابها الرسمي على تويتر حين أشارت إلى وصول غروندبرغ إلى صنعاء في أول زيارة له منذ تعيينه في منصبه في شهر أغسطس الماضي، قادما من مسقط. وأشارت هذه المصادر إلى أن هذه الانفراجة جاءت بناء على اللقاءات والمناقشات التي أجراها غروندبرغ مع وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي وعدد من المسؤولين في سلطنة عمان ومحمد عبدالسلام رئيس وفد صنعاء التفاوضي وتمحورت حول “إجراءات تثبيت الهدنة ومتطلبات التسوية الشاملة في اليمن”.
وكانت “العرب” قد كشفت في عدد الجمعة عن مشاورات موازية غير معلنة تجري في العاصمة العمانية مسقط بإشراف المبعوثين الأممي والأميركي إلى اليمن وبمشاركة الحوثيين والتحالف العربي، وذلك بهدف التوصل إلى صيغة لوقف دائم لإطلاق النار والانخراط في حوار سياسي لترتيبات المرحلة الانتقالية.
ويؤكد محللون سياسيون أن التحركات الأممية الأخيرة حول الملف اليمني تكتسب زخمها نتيجة التحولات التي شهدها معسكر المناوئين للحوثي ونتائج مشاورات الرياض التي رعاها مجلس التعاون الخليجي وتمخضت عن تشكيل مجلس قيادة رئاسي جديد يضم كل القوى والمكونات اليمنية الفاعلة على الأرض في جبهة الشرعية، إلى جانب التوجه الإقليمي والدولي المتصاعد نحو وقف الحرب اليمنية والشروع في تسوية سياسية تفضي إلى التوافق على ملامح مرحلة انتقالية جديدة.
وبالرغم من التصريحات المتشنجة التي لا تزال تصدر عن القيادات الحوثية والتي تقلل من أهمية الجهود الأممية لوقف الحرب وتشكك في نوايا التحالف العربي إزاء قيادة الشرعية، إلا أن ذلك لم يمنع خروج مواقف مغايرة من داخل الجماعة تتحدث عن قرب التوصل إلى تسوية سياسية، وهو ما عبر عنه سلطان السامعي عضو المجلس السياسي الأعلى للحوثيين الذي توقع في تصريحات صحافية أن يشهد عام 2022 نهاية الحرب في اليمن.
وفي لقاء ضم المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات أنور قرقاش ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن ديفيد غريسلي والمبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ الثلاثاء، بحضور وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي، جددت أبوظبي دعمها لكافة جهود التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في اليمن.
ونقلت وسائل إعلامية عن قرقاش تأكيده على “دعم بلاده لكافة الجهود الرامية إلى التوصل لتسوية سياسية شاملة تضم كافة الأطراف اليمنية لضمان ترسيخ الاستقرار والسلام وبما ينعكس على ازدهار وتنمية اليمن”.
وتؤكد مصادر سياسية مطلعة أن الإمارات لعبت دورا فاعلا في تقريب وجهات النظر بين المكونات اليمنية في مشاورات الرياض والتوافق على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الذي يضم عددا من القوى الفاعلة على الأرض التي دعمت الإمارات تأسيسها، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات العمالقة الجنوبية وقوات المقاومة الوطنية.
ويرى مراقبون يمنيون أن إنهاء الحرب والانخراط في مسار مشاورات سياسية حتى في ظل استمرار الخروقات الحوثية بات الخيار الاستراتيجي للتحالف والشرعية على حد السواء، بالتوازي مع تحضير الشرعية بطابعها الجديد وبمختلف مكوناتها لمواجهة التعنت الحوثي وتغيير معادلة القوة على الأرض لصالحها بعد أن خسرت الكثير من مكاسبها في السنوات الأخيرة نتيجةَ فشل قياداتها السابقة في التعاطي مع التحديات السياسية والعسكرية التي فرضتها الحرب.
ويشير الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر في تصريح لـ”العرب” إلى أن المبعوث الأممي إلى اليمن قد يستطيع في الفترة القادمة جمع ممثلي الشرعية مع الحوثي على طاولة واحدة، لافتا إلى أن الحوثي قد يوافق على ذلك في حال لاحظ أن هناك حالة اصطفاف حقيقية في معسكر المناوئين له، وإذا استشعر أن لغة الحسم العسكري صارت هي المسيطرة على المشهد.
وتابع “تم تنفيذ كل شروط الحوثي حتى الآن، مثل فتح مطار صنعاء وتخفيف القيود على موانئ الحديدة، وإزاحة عبدربه منصور هادي وعلي محسن الأحمر من المشهد، بل تم تجاوز الحديث عن القرار 2216، وأصبحت الأرضية مناسبة لإجراء حوار سياسي”.
وشهد الخطاب الإعلامي التابع للتحالف العربي والحكومة الشرعية المعترف بها دوليا تحولا لافتا على صعيد التأكيد على أولوية خيار السلام كحل للأزمة اليمنية، حيث تضمنت مخرجات المشاورات اليمنية في الرياض العديد من الإشارات المباشرة حول مهام مجلس القيادة السياسي التي يأتي في طليعتها البدء بإجراء حوار سياسي مع الحوثيين، كما رحبت الرياض وأبوظبي بالمخرجات وبتشكيل مجلس القيادة الرئاسي على اعتبار أنه تحوّل محوري في مسار الأزمة اليمنية نحو السلام وانتهاء الحرب.
ويؤكد الباحث السياسي اليمني رماح الجبري أن الميليشيا الحوثية لا تستطيع مواجهة اليمنيين إذا توحدوا ضدها، لافتا إلى أن إنشاء مجلس قيادة رئاسي وحّد جميع المكونات والقوى العسكرية وأن تلك التحولات “أشعرت الحوثيين بالقلق مع تصاعد حالة الاحتقان والرفض الشعبي لهم في الداخل، الأمر الذي دفعهم إلى التعاطي مع المبعوث الأممي الجديد بعد رفضٍ للقائه استمر نحو عام”.
وتابع “يعيش اليمنيون حالة من التفاؤل والأمل في استعادة صنعاء قريبا بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي وفيه شخصيات ذات ثقل ميداني كبير، بمن فيهم العميد طارق صالح وعيدروس الزبيدي وسلطان العرادة وعبدالرحمن المحرمي قائد ألوية العمالقة، ولذلك تسعى الميليشيا لتبديد هذه الحالة وقد تنخرط في عملية مفاوضات قادمة تثبت من خلالها الهدنة وتحقق مكاسب سياسية واقتصادية على أمل أن يختلف أعضاء مجلس القيادة الرئاسي في ما بينهم ثم تستأنف عملياتها العسكرية في ظل الاختلاف بين القوى المناهضة لها”.
ويشير الجبري إلى أن رهانات الحوثيين باتت تتمحور حول خلافات خصومها وأجنداتهم المختلفة، كما يراهنون على نجاح أدوات الضغط الدولية على الشرعية والتحالف، وتستخدم في ذلك الأمم المتحدة كطوق نجاة، وما حدث في الحديدة عبر اتفاق ستوكهولم نموذج لذلك.
وأضاف “الجماعة الحوثية في موقعها اليوم ليست مجهزة أو مستعدة لتحقيق السلام، والخيار الأفضل أن يتم دعم مجلس القيادة الرئاسي لتجاوز اتفاق ستوكهولم وتحرير الحديدة والوصول إلى مشارف صنعاء، حينها ستكون الجماعة الحوثية مستعدة للانخراط في الشراكة وتحقيق السلام”.