كريتر نت – عربي21
تساءل الباحث في جامعة برنستون، أشر أوركابي تساءل فيه عن أهمية المجلس الرئاسي الانتقالي لمرحلة ما بعد الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.
وقال أوركابي في مقال نشره موقع “ناشونال انترسيت”:: هل الاستقالة من حكومة عاجزة يعد استقالة؟ فهذا هو السؤال الذي طرحه معظم اليمنيين بعد استقالة عبد ربه منصور هادي الأخيرة وغير المتوقعة، وهو منصب احتله لمدة عقد من الزمان.
وقضى نصف فترته في الحكم بالمنفى حيث خسر هو وحكومته ثقة السكان المحليين الذين عانوا من جور الجماعات المسلحة والقصف الجوي والمعاناة الإنسانية وعلى قاعدة ملحمية.
ويعتقد أشر أن تشكيل المجلس الرئاسي الانتقالي لمرحلة ما بعد هادي لا يخلو من سابقة تاريخية وربما كان نذيرا لتقارب سياسي بين أطراف النزاع. فقبل تقديمه استقالته، التي كانت بناء على طلب من رعاته السعوديين، أجبر على عزل نائبه علي محسن الأحمر، والذي كان تعيينه عام 2016 بمثابة بوليصة تأمين لرئاسة هادي الضعيفة. وكانت علاقة الأحمر مع حزب الإصلاح الذي يتبنى أجندة إسلامية تأكيدا لاستمرارية حكم هادي. ففي الوقت الذي كان فيه الأحمر بديلا على الأقل، فإنه كان مطمئنا من عدم اغتياله أو إجباره على الاستقالة من السعوديين أو داعميه الدوليين. وبخروج الأحمر من الصورة الانتقالية بدت استقالة هادي وتشكيل المجلس الرئاسي أمرا حتميا.
وتزامنت استقالة هادي مع وقف إطلاق النار بين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية والذي اشتمل على فتح جزئي لمطار صنعاء الذي أسهم إغلاقه في نقص المواد على البلاد. وإلى جانب وقف إطلاق النار، أعلنت السعودية عن تخصيص 3 مليارات دولار للمساعدات الاقتصادية المباشرة إضافة إلى 300 مليون دولار للأغراض الإنسانية التي تعتبر المملكة من أكبر المشاركين فيها.
ويقول أشر إن وقف إطلاق النار وإمكانية فتح حوار بين السعودية وممثلي الحوثيين جاء نتاجا للجهود العمانية التي حاولت الوصول إلى طيف واسع من الجماعات السياسية اليمنية وقدمت منطقة محايدة لممثلي الحركة الحوثية. وفي الحقيقة كانت الوفود العمانية من القلة التي تم الترحيب بها علنا في صنعاء عام 2021 وحافظ العمانيون على حوار مع الحوثيين منذ 2015 كجزء من جهود منع انتشار الحرب إلى الحدود وبناء الدور العماني كوسيط إقليمي.
ولكن إجبار السعوديين هادي على الاستقالة ليس نابعا من منطق النفعية السياسية بل واليأس السياسي. فقد واجه السعوديون وهادي عام 2019 منظورا سياسيا متراجعا في مدينة عدن الجنوبية التي تم تصورها كعاصمة لعودة الحكومة المنفية. وواجه هادي عدوانا مسلحا في عدن من المحليين الذين عبروا عن سخطهم من القرارات السياسية التي اتخذها وتحالفه مع السعوديين.
وواجه عدوانا من الحركات الانفصالية في الجنوب التي لم تكن ترغب في أن تحكم مرة ثانية بناء على سياسات الشمال. وظهر المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو حركة سياسية وعسكرية تدعمها الإمارات كمنافس جدي لتوفير الدعم السياسي لسكان الجنوب.
واعترافا منها بهذا الواقع أشرفت السعودية على توقيع اتفاق الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 والذي اشتمل على تشارك في السلطة بين هادي والمجلس الجنوبي الانتقالي. وفي الوقت الذي خفف فيه اتفاق الرياض من التوتر بين هادي والمجلس الانتقالي إلا أنه فشل في خلق حكومة قابلة للحياة بين الطرفين.
وفي الوقت الذي غرق فيه هادي بمعركة سياسية حادة بعدن، كان على السعوديين والإماراتيين التعامل مع قوة مزعزعة للاستقرار، أي الحركة الحوثية التي تدعمها إيران. وتزايد الدعم الإيراني للحوثيين فيما بعد 2015 وتطور لصواريخ وطائرات مسيرة بدأت تضرب كلا البلدين الخليجيين. واحتلت الصور لضرب محطة نفط في مدينة جديدة قبل انطلاق سباق فورميلا وان في آذار/مارس 2022 العناوين الأولى للأخبار في العالم. مما حول مناسبة رياضية كبيرة لإحراج العائلة الحاكمة في السعودية.
وبالإضافة لوقف إطلاق النار، فقد كان تغيير وجه الحكومة المعترف بها دوليا أمرا ضروريا لإظهار الطريق إلى الأمام في مرحلة ما بعد هادي. ومع أن المجلس يقوده رشاد محمد العليمي النصير لحكومة هادي إلا أن هناك أربعة أعضاء بشكل يجعله نقطة تحول في التمثيل السياسي اليمني. ومنهم سلطان العرادة، محافظ مأرب والذي حصل في الفترة السابقة على اعتراف كبير بسبب دفاعه عن المحافظة ضد الحوثيين، كما أن إضافة عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي والمنافس الرئيسي لهادي في الجنوب يدمج وبشكل فاعل الحكومة اليمنية بالمجلس الانتقالي، وهو انتصار لاتفاق الرياض الفاشل.
وتمت إضافة طارق صالح، ابن أخ الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بسبب اسم عائلته ونجاحه العسكري، حيث يقود قوة عسكرية مكونة من بقايا الحرس الجمهوري. أما الرابع فهو فراج سالمين البحسني، حاكم حضرموت الذي تم شمله للتأكد من عدم شرذمة النزاعات المستقلة الحضرمية. كل هذا يعني أن نسبة 50% من المجلس الرئاسي الذي انضم لحكومة المنفى لا يجذب فقط الدعم الشعبي بين اليمنيين ولكن الشرعية التي افتقدتها حكومة هادي.
ولا يعني الإعلان عن مجلس رئاسي وهو تجمع من قيادة معادية للحوثيين ظهور حكومة وطنية وممثلة.
ذلك أن كل عنصر في المجلس يجلب معه أجندته الخاصة والتي تتصادم في كل الأحيان مع أجندة الآخرين.
ويرى الكاتب أن هناك سابقة تاريخية لنجاح المجالس الرئاسية في اليمن وبخاصة بعد نهاية الحروب الأهلية المستعصية. فبعد خمسة أعوام من الحرب الأهلية في شمال اليمن عام 1967، تمت الإطاحة برئيس البلاد عبد الله السلال واستبدل بمجلس رئاسي مثل كل الأصوات المتنازعة وقاده القاضي عبد الرحمن الأرياني، الذي كان يحظى باحترام الجميع.
ويقارن الكاتب بين الحرب الأهلية التي شهدها شمال اليمن في الستينات من القرن الماضي بين أتباع الإمام المخلوع والحكومة الجمهورية في صنعاء، والنزاع الحالي وإن جاء هذا بعد جيلين. واستطاع الأرياني وأعضاء مجلسه التوصل لاتفاق عام 1970 بين الرموز الدينية والنخبة المدنية في صنعاء مما أدى لتشكيل نواة دولة اليمن التي ظلت قائمة حتى عام 2014.
ورغم الإطاحة بالأرياني عام 1974 وعودة الحكم العسكري إلا أن رئاسته تظل النموذج المدني الوحيد في تاريخ اليمن الحديث وظلت المقياس التي تقارن فيه بقية الرئاسات. وشكل رؤساء من أرضية عسكرية بمن فيهم علي عبد الله صالح مجالسهم الرئاسية التي عينوا فيها الموالين وظلت فاقدة للدور الفعال.
وبنفس السياق شكلت جمهورية اليمن الشعبية في الجنوب، وهي أول حكومة ماركسية عربية من خلال مجلس رئاسي قصد منه التغلب على الخلافات الأيديولوجية والجهوية والسياسية.
وكان آخر مجلس رئاسي، ذلك الذي شكل بعد الوحدة وتضمن تمثيلا متساويا للشمال والجنوب. وانهار المجلس الذي لعب دورا في توحيد اليمن عام 1993 بعد التوتر الذي أعقب الانتخابات.
ولعبت المجالس الرئاسية دورا سياسيا مهما في المراحل الانتقالية، سواء بعد انقلاب أو بعد تجربة وحدة وخلق دولة جديدة. وتنطبق الصفات الحالية على المجلس الحالي، سواء كجسد يوحد الفصائل المتنازعة في البلد أم خلق هيئة حكم يمكن أن تمثل المصالح الوطنية اليمنية في المفاوضات المستقبلية مع الحوثيين.
ورغم التمثيل السياسي والجغرافي المتعدد إلا أن المجلس الحالي يفتقد قيادة بوزن القاضي الأرياني، وعليه فنجاح أو فشل الكيان السياسي لمرحلة ما بعد هادي يعتمد في النهاية على قدرته على تعيين رئيس يتمتع باحترام كل الفصائل السياسية بمن فيها الحركة الحوثية.