كريتر نت – متابعات
تتجه بوصلة العلاقات المصرية – القطرية نحو المشروعات الاستثمارية دون أن يكون هناك اهتمام كاف بالشق السياسي والإعلامي، حيث توقف الأول عند عودة السفراء واللقاءات الدبلوماسية، فيما تواصل الجزيرة انتقاداتها للقاهرة حتى الآن، في إشارة واضحة إلى أنها لن تتغير.
وركزت لقاءات عديدة عقدها مسؤولون في البلدين على التوافق حول مشروعات اقتصادية قطرية من المزمع أن يتم تدشينها في مصر، مع إعلان الدوحة ضخ استثمارات بقيمة خمسة مليارات دولار في السوق المصرية نهاية الشهر الماضي.
وأوضح وزير النقل المصري الفريق كامل الوزير خلال زيارته إلى الدوحة قبل أيام أن الشركات القطرية تبحث الفرص الاستثمارية عبر مشروع استكمال وتطوير ميناء السخنة على ساحل البحر الأحمر في مصر، وأن هناك خططا كبيرة بين البلدين في مجال الموانئ والنقل البحري والكهربائي.
محمود منصور: الثقة المصرية في التزام الدوحة بأسس المصالحة مهزوزة
وقالت مصادر عربية إن الدوحة تريد ضخ أموال كبيرة في مشروعات نقل عملاقة بغرض مساعدة القاهرة على تجاوز البعض من أزماتها الاقتصادية، ولتؤكد قوتها أيضا بسيطرتها على عدد من المرافق الحيوية في البلاد. لكن الأمر يظل مرهونا بمدى صدقية هذه الوعود.
وأضافت المصادر لـ”العرب” أن قطر تريد التركيز على مجال الموانئ للاستثمار بما يوحي بأهميتها لدى القيادة المصرية وقدرتها على المنافسة الإقليمية.
وعقب الكشف عن استثمارات قطرية جديدة جرى الإعلان عن استحواذ شركة قطر للطاقة على 40 في المئة من حصة المقاول بموافقة الحكومة المصرية في منطقة شمال مراقيا البحرية على البحر المتوسط للتنقيب عن الغاز الطبيعي، في تطور لافت لها في أحد الملفات التي تشكل أهمية كبيرة للأمن القومي المصري.
وبدت معادلة تصعيد الملفات الاستثمارية مقابل أفول الجوانب السياسية صيغة مريحة لقطر التي لم تتخذ بعد قرارات حاسمة بشأن عناصر تنظيم الإخوان المتواجدين على أراضيها ولم تسلّم إلى القضاء المصري مطلوبين ومتهمين في قضايا جنائية وإرهابية.
وبعثت الدوحة بإشارات واضحة عقب الإعلان عن قرار المصالحة معها في يناير من العام الماضي أفادت بعزمها على منح أولوية للتعاون الاقتصادي، ودشنت بعد أيام من التوقيع على بيان قمة العلا في السعودية استئناف مشروع “سيتي جيت” العقاري المملوك لشركة الديار القطرية بعد توقفه لمدة خمس سنوات، ثم افتتح وزير المالية القطري علي شريف العمادي فندق “سانت ريجينس” المملوك للديار على نيل القاهرة.
وما زالت الحكومة المصرية تستكشف المواقف السياسية وهي تفتح باب التعاون الاقتصادي على مصراعيه، في وقت يصوّر فيه الإعلام المحسوب على تنظيم الإخوان الاستثمارات القطرية على أنها منقذ الاقتصاد المصري من التدهور.
ويصب الاتجاه نحو الانخراط في تدشين الاستثمارات والدفع بأكثر من 200 شركة للعمل في السوق المصرية في صالح قطر، حيث تدرك أن استثماراتها الغربية ستشهد انخفاضاً بسبب التوترات الناجمة عن التدخل الروسي في أوكرانيا، وتبحث عن بدائل مفيدة تضمن تحقيق عوائد اقتصادية ونفوذ سياسي.
وما يدعم السير في هذا الاتجاه دون تحفظات مصرية حتى الآن اقتناع دوائر رسمية بأن العلاقات الاقتصادية قادرة على تذليل الصعوبات في ملفات أخرى، وسوف تشق طريقها نحو التطور تدريجيا، وهو ما يعني أن المصالح المشتركة ستنمّي العلاقات السياسية.
ويشكك متابعون في هذه الرؤية لأن الدوحة ليست جادة أصلا في تغيير مواقفها من التعامل مع تنظيمات الإسلام السياسي، وهي توفر لهذه التنظيمات الحاضنة المطلوبة لشن حملات تشويه ضد الدولة المصرية، لكن بصيغة أقل حدة مما كانت عليه قبل المصالحة، ولذلك فإن استمرار السير على هذا المنوال يخدم مصالح الدوحة أكثر من القاهرة.
وأكد مؤسس جهاز المخابرات القطرية اللواء محمود منصور أن الثقة المصرية في التزام الدوحة بأسس المصالحة مهزوزة، لكن من المهم العمل على استقطابها نحو محيطها العربي وبناء جسور تقوض تطوير علاقاتها مع إيران والإخوان والمتطرفين.
جمال بيومي: الدوحة لم تحقق نفس درجات الالتزام المصري في الجوانب السياسية والإعلامية
وذكر لـ”العرب” أن “تجاهل قطر المطالب السياسية لا يقلق القاهرة كثيرا، فهناك إدراك بأن الدولة المصرية تسير في الطريق الصحيح عبر تطوير الروابط الاقتصادية ارتكاناً إلى أوضاع عالمية أفرزها تصاعد التوترات بين روسيا والدول الغربية”.
ولدى دوائر مصرية عديدة اقتناع بأن ورقة الإخوان فقدت تأثيراتها السياسية والأمنية وتراجع دورها في الوقت الراهن، ولم تعد لدى الجماعة ومن يدعمونها قدرة على تحريك الأحداث في مصر أو المنطقة.
وتجاوزت العلاقة بين مصر وقطر العديد من معالم التلاسن ويسود الهدوء الخطاب الرسمي في الدوحة، وهو أمر ترى فيه دوائر سياسية نجاحا مهمّا بعد سنوات من المعارك الكلامية، وتبقى العقدة في قناة الجزيرة.
وتتعامل القاهرة مع ملف الجزيرة بصورة منفردة ردا على الطريقة القطرية، ولذلك منعت عودة القناة إلى العمل من القاهرة بعد أن راجت معلومات تفيد بقرب فتح مكتبها.
وأكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير جمال بيومي أن الدوحة لم تحقق نفس درجات الالتزام المصري في الجوانب السياسية والإعلامية بعد أن توقفت وسائل الإعلام في القاهرة بشكل كامل عن هجومها، بينما تقوم الجزيرة ببث محتوى يشير من وقت لآخر إلى أنها ما زالت معادية للنظام المصري.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى وجود “تحفظات مصرية على حالة البطء التي تسيطر على الملفات المرتبطة بتنظيم الإخوان وتسليم المطلوبين، لكن القاهرة تحرص على الفصل بين الاقتصادي والسياسي والإعلامي أملا في أن تعود الدوحة إلى صوابها”.
ولم تغلق القاهرة أبوابها الاقتصادية أمام قوى إقليمية دخلت معها في مشكلات سياسية وأمنية، في مقدمتها تركيا؛ حيث تدرك أن تدهور العلاقات والعودة مجدداً إلى القطعية لن يتماشيَا مع تطورات تسير حاليا في طريق مخالف لتوجهات سابقة.