كريتر نت – العرب
أثبتت المواسم الثلاثة من مسلسل “الاختيار” أن الدولة المصرية تحرص بما لا يدع مجالا للشك على تقديم رؤية رسمية موثقة لبعض الأحداث السياسية، وخاصة تلك التي تتعلق بصراع المؤسسة العسكرية ضدّ تنظيم الإخوان المسلمين والثورة الشعبية في الثلاثين من يونيو 2013.
واعتادت الدراما المصرية تقديم أعمال حول فترات سياسية، لكن المعالجة الفنية تأتي متأخرة وبعد رحيل الشخصيات الحقيقية أو خروجها من مناصبها، لكن الاختيار في جزئه الثالث يأتي لمحاكاة الواقع قبل أن يدخل طي النسيان، ويقدم هذه المرة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بطلا دراميا وواقعيا في مواجهة الإخوان وألاعيبهم. ويستعرض العمل الدرامي دوره عندما كان وزيرا للدفاع في حكومة الرئيس الإسلامي محمد مرسي الذي أقيل في الثالث من يوليو 2013.
جنرال يعطّل الدستور، ويقيل رئيسا إسلاميا، تظاهرات ومجموعات متطرفة في سيناء، كلها وقائع من المسلسل الرمضاني الذي يهدف إلى “تثقيف” الجمهور، وفق ما يقول المعنيون.
وأشادت الكاتبة في صحيفة “الجمهورية” الحكومية سحر صلاح الدين بالمسلسل وغيره من “المسلسلات الوطنية”، معتبرة أنها تؤكد “نجاح الدولة في إعادة تشكيل وعي المواطن”، ومشيرة إلى “رسالة” يتحوّل من خلالها النجوم إلى “جنود في أرض معركة، الفن فيها هو أقوى سلاح، وهو قوتنا الناعمة”.
الممثل ياسر جلال يقلد الرئيس المصري في مسلسل «الاختيار» بشكل بارع إلى حد أن انتقاده يمكن أن يكلف غاليا
ومثل الملايين من المصريين، تتابع الكاتبة بعد الإفطار مسلسل “الاختيار”، معتبرة أن “النجاح الذي حقّقه والتفاعل الكبير مع الشخصية (المحورية)، استفتاء جديد على حبّ الشعب لرئيسه”.
بلهجة هادئة ونظرة متأملة، يجسّد الممثل ياسر جلال شخصية الرجل القوي في بلد يبلغ عدد السجناء السياسيين فيه قرابة 60 ألفا، وفق المنظمات الحقوقية الدولية، ولم يعد فيه أي صوت معارض.
ويقلّد الممثل الرئيس المصري بشكل بارع إلى حدّ أن انتقاد جلال يمكن أن يكلّف غاليا.
فوفق “الجبهة المصرية لحقوق الإنسان”، قرّرت النيابة العامة حبس المحامي نبيل أبوشيخة احتياطيا في الحادي عشر من أبريل بتهمة “الانتماء إلى تنظيم إرهابي” و”نشر أخبار كاذبة”، بعد أن نشر على فيسبوك صورا مركبة تسخر من أداء الممثل جلال.
وتمّ محو هذه الصور من على حسابه في ما بعد، إلا أن آخرين أعادوا نشرها.
ولم تعلّق النيابة العامة على التوقيف، لكن الصحافة المحلية ذكرت أن التحقيق مع أبوشيخة يجري في قضية قديمة، دون المزيد من الإيضاحات.
وكتب الكاتب المصري شادي لويس في صحيفة “المدن” الإلكترونية أن “الأداء اللافت للممثل جلال يجلب أقساطا متساوية من الإعجاب والتهكم”.
وأضاف “المحاكاة حين تنقلب تقليدا، تختزل الشخصية إلى مجرد عناصر محدودة صوتية وحركية، عناصر شكلية ومباشرة وقشرية، تضحى مادة للنسخ والتكرار بشكل شبه آلي، ككل ما آلت إليه الماكينة الدعائية للنظام”.
نهاية كل حلقة تترافق مع تسجيلات بالصوت والصورة يتحدث فيها قادة من الإخوان المسلمين في بعض قضايا الساعة آنذاك
وسبق أن قدمت السينما المصرية التي يطلق عليها اسم “هوليوود العرب” أفلاما أبطالها رؤساء.
ففي العام 1996 عرض فيلم “ناصر 56” الذي يروي قصة تأميم جمال عبدالناصر قناة السويس. وفي العام 2001 تناول فيلم آخر حياة خليفته أنور السادات.
وقال أحد كتاب مسلسل “الاختيار” باهر دويدار في تصريحات نشرتها صحيفة “الوطن” الخاصة إن المسلسل سيكون “كتابا للتاريخ بعد 50 عاما”، علما أنه يتجاهل شخصيات كانت في قلب الأحداث عام 2013.
وتقول الصحافة المحلية إن الهدف من المسلسل “تشكيل وعي الأجيال الجديدة” في بلد يشكل الشباب منذ 25 عاما أكثر من نصف سكانه البالغ عددهم 103 ملايين نسمة.
وتضيف التعليقات الصحافية أن المسلسل يجعل الشباب الذين لم يعيشوا أحداث العام 2013 على دراية “بجهود الدولة لحمايتهم من الإرهاب”.
وفي صيف ذلك العام أطاح الجيش الرئيس مرسي ثم فرّق أنصاره الذين كانوا يعتصمون في القاهرة ما أدى، وفق منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إلى “أكبر مذبحة جماعية” في تاريخ مصر المعاصر.
وحرص السيسي على الإشادة خلال مأدبة إفطار مساء الثلاثاء “بمنتهى الدقة” في المسلسل الذي يروي، وفق ما قال “ما حصل” في الواقع، مشيرا إلى أن الهدف منه “تسجيل ما حدث في تلك المرحلة بأمانة وإخلاص وشرف”.
أما المحامي خالد علي الذي يعتبر من أبرز شخصيات اليسار المصري، فاستند إلى كلام السيسي ليعلن أن مكتبه تقدّم بوكالته عن المرشح السابق إلى الانتخابات الرئاسية ضد مرسي، عبدالمنعم أبوالفتوح، بطلب إلى القضاء لإعادة المرافعة في قضية يحاكم بها.
فقد تضمّن المسلسل سلسلة مقاطع فيديو يرجّح أن مصدرها أجهزة أمنية، يظهر في أحدها مرسي الذي توفي في السجن عام 2019، وهو يحذّر وزير الدفاع السابق المشير محمد حسين طنطاوي الذي كان القائد الفعلي لمصر بعد الإطاحة بمبارك، من “موجة إضرام نيران” في حال عدم إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2012.
وأحال المحامي خالد على القضاء بضع حلقات تتضمن تسجيلات فيديو حقيقية مرفقة بطلبه، لتكون “بمثابة دليل قاطع بالصوت والصورة… يوضح الاختلاف الجذري” بين عبدالفتوح وجماعة الإخوان المسلمين، و”كذب التحريات” ضده، وفق مكتبه.
وتترافق نهاية كل حلقة مع تسجيلات بالصوت والصورة يتحدث فيها قادة من الإخوان المسلمين في بعض قضايا الساعة آنذاك. وكان هؤلاء على الأرجح يعتقدون أن لقاءاتهم سرية.
في المقابل، تقدّم المحامي شريف جادالله المعروف بولائه إجمالا للسلطات، ببلاغ إلى النائب العام ضد الشركة المنتجة لمسلسل “الاختيار 3” ومخرجه بيتر ميمي، “وذلك لإذاعة مقاطع الفيديو الخاص بحديث مرسي”، “لما في هذا المشهد من إضرار بالأمن القومي”.
واعتبر أن “هذا المقطع معناه الواضح المباشر أن رئيس الدولة المصرية طنطاوي يقوم بالتسجيل بالصوت والصورة لمن يجلس معه وهذا قطعا سيؤثر على علاقة مصر ورئيسها بضيوف الدولة الأجانب”، مضيفا “لذلك لا بدّ من تحقيق قضائي لمعرفة كيفية الحصول على هذا التسجيل، إذ أن أجهزة الدولة المصرية أذكى بكثير من أن تكون هي مصدر ذلك التسريب”.