توفيق علي
عقب أيام من تراجع الحكومة اليمنية عن قرار إلغاء التعامل بجوازات السفر الصادرة من المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي “تيسيراً على المواطنين الراغبين في السفر عبر مطار صنعاء الدولي”، كشفت أمس إعادة جدولة النشاط الجوي من وإلى المطار بأول رحلة ستنطلق غداً الإثنين إلى العاصمة الأردنية عمّان، بعد ست سنوات من إقلاع آخر طائرة على مدرجه جراء انقلاب الجماعة المدعومة من إيران.
وأعلن وزير الخارجية اليمنية أحمد عوض بن مبارك مساء السبت أنه سيتم إعادة تشغيل مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات التجارية ابتداء من يوم غد الإثنين.
وفي توضيح للمفاوضات والإجراءات التي سبقت الإعلان عن استئناف النشاط الملاحي بمطار العاصمة الذي سيخفف أعباء السفر والتنقل عن آلاف اليمنيين، ذكر ابن مبارك أنه “بعد جهود كبيرة من الحكومة اليمنية والتحالف العربي والمبعوث الأممي وتعاون معهود من أشقائنا في الأردن، أعيدت جدولة أول رحلة يوم غد الإثنين من طار صنعاء”.
وأضاف الوزير عبر حسابه في “تويتر” أن “تخفيف معاناة أبناء شعبنا في كل أنحاء اليمن ستبقى همنا الأول”.
إقلاع بعد التعثر
وجاءت موافقة الحكومة اليمنية هذه عقب نحو ثلاثة أسابيع من تعثر تسيير أول رحلة تجارية عبر مطار العاصمة الخاضعة لسيطرة الميليشيات، على خلفية تمسك الشرعية بالإجراءات المعمول بها في مطاري سيئون بمحافظة حضرموت (شرق البلاد) وعدن (جنوب)، وهما المنفذان الجويان الوحيدان، بما في ذلك “اعتماد جوازات السفر الصادرة عنها باعتبارها وثائق وطنية سيادية”، وهو ما رفضته سلطات الحوثي.
وعلى الرغم من إعلان الحكومة الخميس الماضي موافقتها تسيير رحلات جوية من مطار صنعاء الدولي الخاضع لسيطرة الحوثيين بجوازات سفر صادرة من مناطق سيطرة الجماعة، “ضمن استمرار تعاطيها الإيجابي مع مبادرة مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن”، إلا أن بيانها الذي نشرته وكالة الأنباء “سبأ” أكد أن تلك الموافقة مشروطة بعدم تحمل مسؤولية تلك البيانات، وتلتزم بتغيير وثائق السفر الصادرة من مناطق سيطرة الحوثيين عبر سفارتها في عمّان.
كما نفت أن يكون ذلك اعترافاً من أي نوع بالميليشيات الحوثية، مشددة على أنها لن تتحمل أي مسؤولية عن أي بيانات تتضمنها الوثائق الصادرة من مناطق سيطرة الحوثيين.
وكان المسؤول في الخطوط الجوية اليمنية سلام جباري أوضح في حديث سابق مع “اندبندنت عربية” أن الشركة الوطنية باشرت في مركزها الرئيس بالعاصمة صنعاء وبقية مكاتب نقاط البيع الأخرى إجراءات الحجوزات التجارية الخاصة بالرحلة الأولى والرحلات المقبلة من صنعاء، على أن تكون الأولوية للمرضى، ولكن الحجز متاح للجميع من دون قيود بحسب الأولوية، كما هو الحال في باقي نقاط البيع في المحافظات الأخرى.
وتعد عمّان والقاهرة وجهتين رئيستين لليمنيين الراغبين في تلقي العلاج أو اتخاذهما محطتي عبور للهجرة أو الانتقال إلى بلدان أخرى.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، منعت ميليشيات الحوثي وصول الرحلات الإغاثية وإلغاء منح تصريحات الهبوط للطائرات الأممية الإنسانية إلى مطار صنعاء، بزعم تعطل أجهزة الاتصال في المطار المفتوح منذ العام 2016 أمام الرحلات الإنسانية.
الجوازات المجهولة
وعلى مدى السنوات الماضية شكلت قضية مطار صنعاء ماراثوناً طويلاً من النقاشات والمداولات التفاوضية بين الشرعية والجماعة المدعومة من إيران في مختلف محادثات السلام التي عقدت بوساطة أممية، من دون التوصل إلى حل يفضي لإعادة النشاط الملاحي للمطار العتيق الذي يقع على بعد 15 كيلومتراً شمال صنعاء، وتم إنشاؤه مطلع سبعينيات القرن الماضي في عهد الرئيس اليمني الأسبق إبراهيم الحمدي.
وكان من المقرر أن يستأنف المطار نشاطه في الـ 24 من أبريل (نيسان) الماضي بحسب بنود اتفاق الهدنة المعلنة بالتزامن مع المشاورات اليمنية – اليمنية في العاصمة السعودية الرياض التي من أبرز بنودها إعادة تشغيل الرحلات التجارية عبر مطار صنعاء بواقع رحلتين أسبوعياً، بعد أن أعلنت الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً استكمال التنسيق مع السلطات المصرية والأردنية في شأن تسيير الرحلات.
إلا أن الرحلة تعثرت بسبب عدم حصول الشركة الناقلة على التصاريح اللازمة للهبوط، وسط تبادل الاتهامات بين الحكومة والحوثيين بالمسؤولية عن ذلك، تبعه بيان حكومي على لسان وزير الإعلام في الحكومة الشرعية معمر الإرياني حمّل خلاله ميليشيات الحوثي المسؤولية الكاملة عن تعثر تشغيل المطار جراء عدم التزامها بالاتفاق الذي ينص على اعتماد جوازات السفر الصادرة من الحكومة الشرعية.
وأضاف، “ميليشيات الحوثي تحاول فرض 60 راكباً على متن الرحلة بجوازات سفر غير موثوقة صادرة عنها”.
وذكر الوزير اليمني أن الحكومة وافقت على سفر 104 ركاب في أول رحلة من مطار صنعاء الدولي إلى العاصمة الأردنية عمّان، إلا أن ميليشيات الحوثي رفضت وأصرت على إضافة 60 راكباً بجوازات سفر غير موثوقة.
وفي الثامن من أبريل (نيسان) الماضي وقّعت الحكومة اليمنية والحوثيون اتفاق هدنة برعاية الأمم المتحدة يستمر مدة شهرين، ونص في بعض بنوده على فتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية بمعدل رحلتين أسبوعياً خلال فترة الهدنة
مبادرة أممية
يذكر أن الحكومة اليمنية أعلنت استمرار تعاطيها الإيجابي مع مبادرة مكتب المبعوث الأممي وتعهداته بخصوص تسيير رحلات الطيران اليمنية من مطار صنعاء إلى الأردن خلال فترة الهدنة، لإتاحة الفرصة للشعب اليمني في مناطق سيطرة الحوثيين بالسفر بجوازات صادرة من هذه المناطق.
بنود أخرى للهدنة
وطالبت الحكومة إلزام ميليشيات الحوثي ببنود الهدنة وفتح حصار تعز وتسليم رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها من عائدات النفط، كما دعت المجتمع الدولي إلى الضغط على الميليشيات الحوثية وداعميها لوقف إطالة أمد الحرب وما نتج بسببها من زيادة معاناة المواطن اليمني وتهديد استقرار دول الجوار والمنطقة وممرات الملاحة البحرية.
تخفيف المعاناة
ويرى مراقبون أن إعلان الحكومة تشغيل مطار صنعاء خطوة واعدة نحو السلام وعودة الأمن والاستقرار الذي طال انتظاره في البلد المنهك بالحرب.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت مطلع أبريل الماضي هدنة إنسانية في اليمن لشهرين، تتضمن وقفاً شاملاً للعمليات العسكرية وفتح مطار صنعاء إلى وجهات محددة، ودخول سفن الوقود الى ميناء الحديدة ورفع الحصار الحوثي المفروض على محافظة تعز منذ سبع سنوات، وفتح المنافذ البرية بين المدن اليمنية.
وفور إعلان المبعوث الأممي توصله مطلع أبريل الماضي إلى اتفاق الهدنة الإنسانية التي رحبت بها الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي الداعم لها، وتتضمن إيقاف العمليات العسكرية وتشغيل مطار صنعاء والسماح بدخول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، استبشرت الأوساط اليمنية بهذه الخطوة التي تؤسس لسلام منشود، وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي عبارات الاستبشار، مطالبة بضرورة فتح باقي الطرق والمنافذ المغلقة لتسهيل رحلات التنقل البري بين المحافظات والمدن، وتحييد المدنيين عن أخطار التنقل وإطلاق كل الأسرى من دون استثناء.
وفي السياق، شكر المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي على دعم بلاده تسهيل بدء الرحلات الجوية بين صنعاء وعمّان، والجهود الأوسع للمساعدة في إنهاء الحرب.
ويخضع مطار صنعاء الدولي لسيطرة جماعة الحوثي منذ أواخر العام 2014، وفي العام 2016 علقت الحكومة اليمنية والتحالف أنشطتهما الجوية جراء اتهام الحوثي باستغلاله في أنشطة عسكرية وغير قانونية، وهو ما تنفيه الميليشيات الموصوفة جماعة إرهابية، وفق آخر بيان لمجلس الأمن في شأنها.
المصدر : أندبندنت عربية