كريتر نت – العرب
تفرض روسيا حصارا على الموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود منذ مدة، ما أثار مخاوف، بدأت تتعاظم شيئا فشيئاً، من حدوث أزمة إنسانية خاصة في الشرق الأوسط الذي تعتمد فيه العديد من الدول – مثل تركيا ومصر – على صادرات الحبوب الأوكرانية، ما يثير تساؤلات حول الخيارات المتاحة للقوى الإقليمية والدولية لاستئناف تصدير الحبوب من أوكرانيا.
وبالتزامن مع استمرار الحصار الذي تتهم روسيا بفرضه على البحر الأسود -وهو ما يمنع من تصدير القمح الأوكراني- تتعاظم المخاوف من حدوث أزمة إنسانية وغذائية بدأت تلوح في الأفق في العديد من دول الشرق الأوسط.
ووسط هذا الوضع الذي تحاول الولايات المتحدة والقوى الغربية استغلاله لإدانة روسيا وزيادة عزلتها، تتصاعد التساؤلات حول الحلول الممكنة لهذه الأزمة، خاصة أن تداعيات هذا الحصار خطيرة وقد تقود إلى نشوب صراعات جديدة في أفريقيا والشرق الأوسط وما سينجر عن ذلك من موجات هجرة جماعية ولجوء.
يكتسي الحصار الذي تفرضه روسيا على البحر الأسود أهمية بالغة لدى موسكو باعتباره يمثل لها ورقة اقتصادية رابحة؛ إذ اتهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الروس بممارسة “ابتزاز” مقابل رفع العقوبات الدولية، على خلفية منع موسكو صادرات القمح الأوكرانية.
من جانب آخر أقرّ بأن التقارير التي تفيد بأن روسيا “تسرق” الحبوب الأوكرانية “موثوقة”، معتبرا أن موسكو تهدف بذلك إلى بيع هذه الحبوب “للربح منها”.
وأضاف بلينكن في مؤتمر افتراضي لوزارته حول تداعيات النزاع الغذائية أن أزمة قطاع الحبوب “متعمدة”. وأكد الوزير الأميركي أن موسكو بدأت أيضًا تحتفظ بصادراتها الغذائية بعدما فرضت “حصارًا بحريًا في البحر الأسود يمنع نقل المحاصيل الأوكرانية” إلى مختلف دول العالم.
ورقة اقتصادية
بلينكن بقر بأن أزمة قطاع الحبوب “متعمدة”
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” ذكرت أن واشنطن نبّهت 14 دولة -معظمها في أفريقيا- خلال منتصف مايو الماضي إلى أن سفن شحن روسية تحمل “حبوبا أوكرانية مسروقة”.
وأشار بلينكن إلى هذا المقال من الصحيفة الأميركية دون أن يؤكد بشكل مباشر التنبيه الموجه إلى الدول الأفريقية. والجمعة اتهم كذلك السفير الأوكراني في أنقرة روسيا بـ”سرقة” وتصدير الحبوب الأوكرانية إلى بعض الدول ولاسيما إلى تركيا.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الاثنين “من المهم بالنسبة إلينا أن نكون جاهزين لتصدير حبوبنا. روسيا تقول إن أوكرانيا هي التي تتحمل مسؤولية النقص الغذائي، هذا أمر خاطئ”. وسيعني استمرار الحصار منع ما يزيد عن 25 مليون طن من الحبوب والسلع الزراعية الأخرى من الوصول إلى الأسواق الدولية.
وأضاف زيلينسكي أن “20 إلى 25 مليون طن من الحبوب عالقة حاليا في أوكرانيا بسبب الحرب، وقد تزداد كميتها ثلاث مرات بحلول الخريف”، مشيرا إلى أنهم “بحاجة إلى ممرات بحرية ونناقش ذلك مع تركيا والمملكة المتحدة، وكذلك مع الأمم المتحدة”.
ويرى متابعون لمسارات الحرب الروسية في أوكرانيا أنه من الصعب إرغام موسكو على التراجع في ما يتعلق بالحصار المفروض على البحر الأسود، لذلك يطرح هؤلاء حلولا أخرى يمكن اللجوء إليها للحيلولة دون حدوث أزمات إنسانية.
ورغم وجود عدة خيارات إلا أن الخيار الأبرز يعد تغيير أعلام السفن رغم ما يقتضيه من تحركات، باعتبار أن هناك خيارات سيكون من الصعب تحمل كلفتها. وتوجه روسيا أنظارها صوب أوديسا -أي الميناء الرئيسي في أوكرانيا- من أجل السيطرة عليه لما يمثله من أهمية بالغة.
وفي مواجهة الحصار الروسي المذكور، يقترح الباحثان آنا بورشيفسكايا وغاريت آي كامبل في ورقة بحثية لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تغيير أعلام السفن كحل. وعندما يتم تسجيل سفينة لكي تقوم برحلات السفر الدولي يتعين عليها اختيار دولة تُبحر تحت علمها.
تنص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار على أنه يجب أن تكون للسفينة صلة “حقيقية” بدولة علمها، إلّا أن ممارسة “علَم الملاءمة” تطورت على مر السنين؛ وهكذا قامت الكثير من الدول بتغيير أعلام السفن لإخفاء البضائع أو حمايتها.
وقال الباحثان “من المفارقات أن الدول الأكثر عرضةً لخطر هذه الأزمة الغذائية تشمل العديد من البلدان التي سعت معها روسيا إلى توسيع العلاقات العسكرية في السنوات الأخيرة، مثل مصر وتركيا ولبنان وتونس وإندونيسيا وليبيا وباكستان. وجميع هذه الدول مرشحة لتغيير أعلام السفن التجارية”.
وكانت روسيا قد عبّرت في وقت سابق عن أنها مستعدة لأن تسمح للسفن بمغادرة الموانئ الواقعة شرقي أوكرانيا والخاضعة لسيطرتها، لكن الباحثان يريان أنه من الضروري بذل المزيد من الجهود لتجنب أزمة إنسانية تلوح في أفق الشرق الأوسط.
تغيير أعلام السفن
الخوف من السقوط في منزلق لا يمكن الخروج منه
وفي المقابل طرح أدميرال البحرية الأميركية جيمس ستافريديس حلا آخر لمشكلة الحصار الروسي المفروض على الموانئ الأوكرانية، وهو اللجوء إلى تحرك شبيه بعملية “الإرادة الجادة” خلال الفترة 1987 – 1988 والتي تمت إبان الحرب الإيرانية – العراقية.
ففي ذلك الوقت كان مقاتلو البحرية الأميركية يرافقون الناقلات التي تملكها الكويت لحمايتها من الهجمات الإيرانية خلال تلك الحرب، بينما وفّر “سلاح الجو” و”الجيش” الأميركيين المراقبة وأنواع الدعم الأخرى. ويقترح ستافريديس تنفيذ مشروع مماثل الآن.
لكن هذا الخيار قد يقود إلى تصعيد مع الروس حيث يستوجب انخراط القوات الأميركية أو قوات من حلف شمال الأطلسي في عملية حماية تلك السفن، وهو ما سترد عليه موسكو حتماً.
الحصار الذي فرضته روسيا يمثل لها ورقة اقتصادية رابحة؛ إذ اتهم وزير الخارجية الأميركي الروس بممارسة الابتزاز مقابل رفع العقوبات
وقال الباحثان إن “استخدام مقاتلي حلف الناتو، الذي سيكون ضرورياً إذا أردنا الاسترشاد بعملية ‘الإرادة الجادة’، سيضفي الطابع الإقليمي على الحرب ليظهر بالتالي شبح استخدام روسيا للسلاح النووي.
وسيستمتع فلاديمير بوتين بمثل هذه الفرصة، لأنه يعتمد على خوف القادة الغربيين من
التصعيد العسكري”.
وكان حلف الناتو قد أكد مراراً أنه لن يفرض منطقة حظر جوي تطالب به كييف، ما يعكس المخاوف من اندلاع نزاع مباشر بينه وبين القوات الروسية، لكن حتى خيار تغيير أعلام السفن لا يخلو من مخاطر.
واعتبر الباحثان أن “هناك بالتأكيد عددا من المخاطر المرتبطة بتغيير أعلام السفن التجارية. أولاً، ستكون هذه المهمة صعبة ببساطة. ومن المرجح أن تتطلب من الدول إبرام اتفاقيات مؤقتة بشأن تغيير الأعلام”.
وأضافا “قد تحتاج الولايات المتحدة إلى الانخراط في دبلوماسية ابتكارية لتشمل توفير التمويل والتدريب والتجهيزات لقوات بحرية مختارة تتمتع بقدرات محدودة من حيث ‘تدابير مكافحة الألغام’. والأهم من ذلك أن الكرملين سينظر إلى هذه المهمة الإنسانية على أنها خطوة تصعيدية. ومع ذلك، سيكون الأمر بعيداً كل البعد عن إحضار سفن حربية تابعة لحلف الناتو يمكنها توجيه ضربات إلى روسيا وشبه جزيرة القرم”.
وكانت روسيا وأوكرانيا قد تبادلتا الاتهامات بشأن نشر ألغام بحرية في البحر الأسود ما قد يستوجب تدخل طرف ثالث مثل تركيا للاعتماد على سفن مضادة للألغام، وهي سفن لا تتمتع بقدرات هجومية ما يقلص من فرص اندلاع أي اشتباك مباشر.