حمادي معمري صحفي تونسي
أثار تصريح منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور الجمهورية الجديدة في تونس الصادق بلعيد حول عدم تضمين الإسلام كدين للدولة في نص مشروع الدستور الجديد جدلاً في المجتمع التونسي، مما يؤشر إلى العودة للصراع القديم الجديد في شأن الهوية التونسية التي لم تحسم بشكل عقلاني، بل استناداً إلى توافقات مغشوشة.
وينص الفصل الأول من دستور 2014 على أن “تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها”.
وكان بلعيد أعلن في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية أنه “سيعرض على الرئيس قيس سعيد مسودة لدستور لن يتضمن ذكر الإسلام كدين للدولة، بهدف التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على غرار حركة النهضة”.
وأكد بلعيد وهو أستاذ جامعي ومتخصص في القانون الدستوري (83 سنة) عينه سعيد في الـ 20 من مايو (أيار) 2022 للإشراف على هيئة لإعداد مسودة من أجل تنقيح الدستور، أن “80 في المئة من التونسيين ضد التطرف وضد توظيف الدين من أجل أهداف سياسية، وهذا ما سنفعله تحديداً وسنقوم بكل بساطة بتعديل الصيغة الحالية للفصل الأول”.
ويرى بلعيد أن الهدف من عدم ذكر الإسلام هو “التصدي للأحزاب السياسية التي تتخذ الدين مرجعية على غرار حركة النهضة التي كانت لها أكبر الكتل البرلمانية قبل قرار سعيد حل البرلمان”. وقال، “لدينا أحزاب سياسية أياديها متسخة، أيها الديمقراطيون الفرنسيون والأوروبيون شئتم أم أبيتم، فنحن لا نقبل بأشخاص وسخين في ديمقراطيتنا”.
وأوضح أن “النهضة وأحزاباً أخرى تخدم كثيراً من القوى أو الدول أو الدويلات الأجنبية التي تمتلك أموالاً كثيرة وتريد إنفاقها كما يحلو لها، وتوظفها للتدخل في شؤون الدول، وهذه خيانة”.
جدل تاريخي
ويعود الجدل حول الفصل الأول من الدستور التونسي إلى خمسينيات القرن الماضي (دستور 1959) حين احتد الصراع وقتها داخل المجلس القومي التأسيسي بين شق الزيتونيين الذين يرون ضرورة النص على دين الدولة، والحداثيين الذين يعتقدون أنه لا ضرورة لذلك لأن الدولة لا دين لها، خصوصاً أن قوانينها وضعية مدنية.
أستاذ القانون الدستوري خالد الدبابي أكد في تصريح إلى “اندبندنت عربية” أن المقصود بدين الدولة هو “دين معظم الشعب”، مشيراً إلى أنه “قانونياً ودستورياً الدولة لا دين لها لأنها ذات معنوية”، والنص على دين الدولة يعني أن الدولة تعترف بالدين الرسمي لمعظم الشعب، وفي التجارب المقارنة نجد أن الدستور الإيطالي في نسخته الأولى لسنة 1947 كان ينص صراحة على أن الديانة المسيحية الكاثوليكية هي الديانة الرسمية للدولة، وتم التخلي في ثمانينيات القرن الماضي عن هذا النص، وتم تأكيد الفصل بين الكنسية والدولة، ومثله الدستور النرويجي قبل تنقيحه سنة 2003 الذي كان ينص صراحة على أن الديانة الإنجليكية هي الديانة الرسمية للدولة.
الدولة لا تطبق القوانين الدينية
ويؤيد الدبابي التخلي عن هذا الفصل في الدستور الجديد لأن “الدول التي تنص على الدين في دساتيرها لا تطبق القوانين الدينية”، معتبراً أن ذلك “الفصل هو فقط فصل وصفي لمعطى تاريخي وسوسيولوجيا واقعية”.
وينبه أستاذ القانون الدستوري إلى أن “هذا الفصل من الدستور أسيء استخدامه لسنوات، خصوصاً من قبل محكمة التعقيب، حيث شكل إطاراً لتطبيق الشريعة الإسلامية في حال سكوت النص القانوني الوضعي أو غموضه إزاء مسألة معينة”.
المرجعية الإسلامية مبالغ فيها
من جهته، يؤكد أستاذ القانون الدستوري مختار عبدالرزاق في تصريح خاص أن “الحديث عن المرجعية الإسلامية في الدستور التونسي مبالغ فيه، لأن العروبة والإسلام يشكلان دستوراً ثقافياً ورمزياً له دلالات سوسيولوجية، ولم يكن الفصل الأول من دستور 2014 نتيجة مطالبة بأسلمة القوانين، بل كان استعادة لصيغة موجودة في دستور 1959 وتفادياً لمعركة جديدة حول الهوية”.
ويدعم أستاذ القانون الدستوري مقاربته بمضمون الفصل الثاني من الدستور الذي ينص على “مدنية الدولة”، مستغرباً خوض الصادق بالعيد في السياسة حينما أشار إلى مواجهة الإسلام السياسي بالتخلي عن الفصل الأول من دستور 2014.
ويحذر عبدالرزاق مختار من “العودة لمربع الاستقطاب والصراع الحاد حول الهوية”، ومن معارك سياسية وهمية تحت شعار “الإسلام في خطر”، مشدداً على أن “مشكلة التونسيين قبل الـ 25 من يوليو (تموز) 2021 وبعده لم تكن الفصل الأول من الدستور أو الصراع حول الهوية، بل المشكلة هي ابتكار حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية وفك عطالة مؤسسات الدولة وتحريك عجلة النمو”.
ويرجح أستاذ القانون الدستوري ألا يقبل رئيس الجمهورية الذي يميل إلى المحافظة بهذا التعديل، “ليكسب ود شريحة واسعة من التونسيين”.
تحذير من الانقسامات
في الأثناء، يحذر أستاذ علم الاجتماع بلعيد أولاد عبدالله في تصريح خاص من “عواقب إثارة هذه المسألة التي قد تعمق الانقسامات داخل المجتمع وقد تدفع بالحركات المتطرفة إلى محاربة ما يسمونها بالدولة المارقة”، معتبراً أن “التوقيت غير مناسب لهذا التصور”.
في المقابل، أكد الوزير الأسبق والناشط السياسي حاتم العشي الذي شارك في الجلسة الأولى من الحوار الوطني أنه “لم يقع التطرق إلى موضوع الفصل الأول من دستور 1959 ودستور 2014 المتعلق بالدين، وأن رئيس الجمهورية تحدث عن هذا الموضوع في سياق أن الدولة ليس لها دين”، مضيفاً أن “حذف مسألة الدين من الدستور هي طرح فلسفي، وسننتظر نص صياغة هذا الفصل في مشروع الدستور الجديد”.
وكان رئيس الجمهورية قال خلال إشرافه على موكب لتسليم الجوائز لحفظة القرآن الكريم في أبريل (نيسان) الماضي، “نحن نصوم ونصلي بأمر من الله وليس بناء على الفصل الأول من الدستور”، وهو ما اعتبرته حركة النهضة حينها تلويحاً بتغيير الفصل الأول من دستور 2014، واعتبرته “خطاباً تحريضياً يقسم التونسيين ويهدد السلم الأهلي، وإثارة لقضايا محسومة بالدستور تتعلق بهوية الشعب وواجبات الدولة”.
ويخشى متابعون للشأن العام في تونس من عودة الانقسام والاستقطاب الثنائي الحاد الذي مزق المشهد السياسي لسنوات، من خلال إثارة جدل لا طائل من ورائه إلا إهدار مزيد من الوقت، بينما تحتاج البلاد حلولاً عاجلة لقضايا وملفات اقتصادية واجتماعية حارقة.
المصدر : أندبندنت عربية