سامح فايز
صحفي مصري
“أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً” مقولة هي الأنسب في وصف أعمال المؤتمر الدولي الأول لـ “مركز سلام لدراسات التطرف” والذي يعمل تحت إشراف الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم ودار الإفتاء المصرية، ويعنى برصد وتفكيك وتحليل ظاهرة التشدد والإرهاب باسم الدين.
المؤتمر جاء بعنوان: “التطرف الديني .. المنطلقات الفكرية وإستراتيجيات المواجهة”، في الفترة من 7 إلى 9 حزيران (يونيو) الجاري، بمشاركة نخبة من الوزراء وكبار رجال الدولة والعلماء والمفتين والباحثين المتخصصين من أكثر من 42 دولة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإيطاليا والهند وبولندا وسنغافورة والمغرب وتونس والجزائر والإمارات، في مواجهة هي الأولى من نوعها بعد عقود من تغلغل الإرهاب والتطرف داخل النسيج المصري والعربي.
وشهد المؤتمر، على مدار أيامه الثلاثة، العديد من الجلسات وورش العمل التي شارك فيها أهم المتخصصين في مجال دراسات التطرف ومراكز الأبحاث العربية والعالمية، وكان السؤال الأكثر طرحاً لدى غالبية المشاركين لماذا لا تكون هناك مظلة تشمل جميع المتخصصين والمراكز البحثية في مجال دراسات التطرف؟ مع اقتراحات بأن يكون “مركز سلام” والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم ودار الإفتاء المصرية هي تلك المظلة.
المؤتمر، في نظر مراقبين، خطوة مهمة في التجربة المصرية لمواجهة التطرف والإرهاب والتي بدأت منذ التسعينات من القرن الماضي مع تصاعد عمليات العنف التي تصدرت لها الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، بغطاء سياسي ومالي من جماعة الإخوان المسلمين تحديداً التنظيم الدولي للإخوان.
تفكيك التنظيمات الجهادية
الباحث في الإسلام السياسي أحمد سلطان يشير إلى شق أساسي في الإستراتيجية المصرية لمكافحة الإرهاب قائم على المواجهة الأمنية والعسكرية، لافتاً إلى أنّ تلك المواجهة نجحت بشكل واضح في تفكيك التنظيمات الجهادية، وكل التنظيمات التي نشأت في مرحلة ما بعد 2011 والقضاء عليها في وقت قياسي، ومنعها من إعادة تكوين شبكاتها أو التكيف مع أي أوضاع، حيث “نجحت مصر في ذلك بشكل كبير جداً وبصورة لافتة”.
يضيف أحمد سلطان في تصريح لـ “حفريات”: “كانت هناك محاولات لتوسيع هذه الإستراتيجية عن طريق دمج وسائل متعلقة بمكافحة التطرف والإرهاب في الثقافة أو المناهج التعليمية، وعن طريق بعض الكتابات والأعمال الفنية، لكن يظل الجزء الأكبر الذي حققته الإستراتيجية المصرية يكمن في الجانب الأمني والعسكري، وبالطبع ما زال هناك أمامنا مهمة كبيرة وثقيلة في التعامل مع مكافحة التطرف والتي تنفصل عن مكافحة الإرهاب بشكل كبير”.
يشير سلطان إلى ضرورة الاهتمام بالمؤسسات التعليمية الشبابية: “ليكون هناك برنامج وقائي من التطرف حتى لا نعود إلى نفس التجربة، فإذا قضيت على تنظيم سيظهر غداً تنظيم آخر، فلا بد من أن تكون المعالجة شاملة، وأن تعالج الأسباب السياسية والاجتماعية والثقافية والنفسية التي غذّت التطرف قبل أن يتحول التطرف إلى إرهاب وقبل أن يمسك بالسلاح”.
ويرى سلطان أنّ الإسلام السياسي يجيد التكيف: “هو دائماً يتغلغل داخل المناطق الرمادية، على سبيل المثال تنظيم الإخوان ينشئ عشرات التنظيمات لا ترتبط بالتنظيم ولا يديرها أبناء الإخوان، لكنها على الرغم من ذلك تدرّس أيديولوجيا الإخوان، وتدرّس كتب الإخوان، وتعلّم النشء على منهج الإخوان، فتجد الشخص إخوانياً كما قال حسن البنا “كما منا وليس فينا” وهؤلاء ربما يصبحون في لحظة من اللحظات منتمين تنظيمياً للإخوان، وربما تستفيد منهم الجماعة خارج الإطار التنظيمي أكثر من وجودهم داخل الإطار التنظيمي”.
المؤسسة الدينية على خط المواجهة
يلفت سلطان إلى أنّ فكرة المواجهات الفكرية للتطرف لا بد أن تقوم المؤسسات الدينية بدور أكبر فيها، مستدركا: “مع الوضع في الاعتبار أنّ تلك المؤسسات قامت بالفعل بدور طيب ومشكور خاصة الأزهر الشريف ودار الإفتاء لكن الدور المطلوب لا يزال هناك أبعد من ذلك، فضلاً عن أنّ المواجهة الفكرية لابد لها من تصميم برنامج لنزع التطرف وهو أمر مهم جداً، ولم أجد من تحدث عنه في المؤتمر، وأيضاً برنامج للوقاية من التطرف، لأننا إذا لم نقم بذلك سيظهر بعد فترة جيل جديد من الجهاديين ومن الإخوان أشد وأشرس ممن سبقه، وهناك نظرية الأجيال بأنّ كل عقد أو أكثر يظهر جيل جهادي جديد يكون أشرس من السابق، وأكثر دموية بالنسبة لجماعات الإسلام السياسي”.
ويعوّل سلطان على دور المؤسسات التعليمية وعلى مراكز الشباب “فنحن الآن لا نواجه التطرف الديني فقط، لكننا أمام مشكلة حقيقية تتعلق بالتطرف المجتمعي؛ الآن ليس هناك تقبل آخر، ليس هناك إطار مرجعي واضح للتسامح والتعايش، وهناك في المخيلة المجتمعية العديد من الروايات المشوهة التي روجتها جماعات الإسلام السياسي، هذه الروايات تحرض على العنف والتطرف، وما تضج به وسائل التواصل الاجتماعي ليس سوى تجسيد لذلك؛ فصفحة دار الإفتاء التي عليها ملايين المتابعين تجد مئات التعليقات التي تسب في الدار، علماً بأنها الجهة الرسمية للفتوى وتضم العلماء”.
المراجعة الفكرية بين الماضي والمستقبل
وفي سياق متصل، يؤكد الباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي منير أديب، أنّ مصر لها تجربة رائدة في مواجهة الإرهاب “هي بمثابة إستراتيجية لأنها مرت بمراحل نضج حقيقية”.
يوضح أديب في تصريح لـ “حفريات”: “ذلك الكلام كان في تسعينيات القرن الماضي عند انتشار الموجة الأولى للإرهاب في مصر، على خلفية أحداث عنف الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، وتنظيمات أخرى مثل التكفير والهجرة وتنظيمات كانت محلية وإقليمية انتشرت في مصر ربما في الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي”.
يستكمل أديب: “الدولة خاضت حرباً أمنية وعسكرية ثم خاضت حرباً فكرية ضد هذه التنظيمات، واشتملت هذه الحرب الفكرية في جزء منها على ما يمكن تسميته مبادرة المراجعة الفكرية والفقهية، وهي المبادرة التي أنتجت ثماراً حقيقية من عشرات الكتب التي خرجت منها، وكانت بمثابة منارة مرشدة، سواء لقادة العنف أو لمن آمنوا بهذا العنف في مصر أو حتى خارج الحدود المصرية”.
يضيف أديب: “دخلت مصر تجربة ثانية لمواجهة الإرهاب بدأت بعد العام 2013 سار فيها بالتوازي البعدان العسكري وأيضاً البعد الفكري في مجالات الثقافة والفكر والفن، وأعتقد أنّ الجزء الأخير المتمم والمكمل قد يكون في هذه المبادرة الفكرية، فالدولة تعد لهذه المراجعات داخل السجون حتى تنتشل هؤلاء الشباب من وحل فتاوى الدم والقتل”.
ويشير أديب إلى أنّ الدولة بذلت جهوداً في إطار ما يمكن أن نسمية المواجهة الأمنية والعسكرية مستدركاً: “لكن هناك مؤسسات أخرى داخل الدولة عليها أن تقوم بمواجهات أخرى لها علاقة بالمواجهة الفكرية، مثل المؤسسة الدينية في مصر التي تبذل جهوداً في إطار هذه المواجهة، لكنها ما زالت قاصرة، ولم تكن فاعلة بالشكل المطلوب، حتى إن كانت هناك جهود يتم الثناء عليها، لكنها دون المأمول”.
ويرى أديب أنّه إذا تحركت المؤسسة الدينية في إطار ما يمكن أن نسميه تجديد الفكر والخطاب الديني وتسويق هذا الفكر والخطاب معاً، هنا يمكن أن نقول إنّ هذه المؤسسات قطعت شوطاً في هذه المواجهات.
وينوه أديب إلى دور وزارة الثقافة “الذي لا يزال دون المأمول في تقديري الشخصي، مع أهمية الثقافة في تهذيب مشاعر الكثير ممن يتعرضون لموجات التطرف والعنف، فضلاً عن أنّ الثقافة تزيد الوعي بصورة كبيرة فتكون بمثابة صمام أمان ما بين الشباب حتى لا يقتنعوا أو يؤمنوا بهذه الأفكار المتطرفة، وما ينطبق على الثقافة ينطبق على الفن عموماً”.
المصدر : حفريات