صالح البيضاني
منذ سبع سنوات وأكثر كل ما تقوم به الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في اليمن لا يعدو عن كونه محاولة يائسة لوضع التصاميم الأولية لسكة قطار يعبر بالبلاد بعيدا عن تعقيدات الحرب، غير أن القطار نفسه لم يتم صنعه والسكة لم تجد مكانا ملائما لوضع قضبانها الحديدية بعد.
تصاميم هذا الطريق الوعر للسلام المنشود في اليمن هي باعتقادي الهدنة الهشة وسياسة تجزئة الملفات التي أسس لها المبعوث السابق إلى اليمن مارتن غريفيث، وسار فيها على نهجه المبعوث الحالي هانس غروندبرغ الذي يكافح منذ شهور لتثبيت هدنة أممية، دخلت حيز التنفيذ نظريا قبل شهور، لكنها ظلت عرضة للاختراق والعبث الحوثي ولم ينفّذ منها إلا النزر اليسير الذي يحفظ ماء وجه الجهود الأممية والدولية المهدورة.
والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها في كل ما يحدث، هي أن هناك رغبة دولية وإقليمية هائلة وملحة لإغلاق ملف الحرب في اليمن، وكل طرف لديه مبرراته لوقف كرة النار المتدحرجة في المنطقة التي أشعلها الحوثيون في سبتمبر 2014، وصبت طهران البنزين عليها لتزداد اشتعالا، غير أن أسباب وشروط وقف مثل هذه الحرب التي تدخل عامها الثامن لم تتحقق بعد على المستوى المحلي، بقدر ما زادت احتقانا وضراوة، نتيجة عوامل داخلية عديدة امتزج فيها العقائدي بالجهوي والسياسي بالاقتصادي، في حالة شديدة التعقيد لا يبدو أن رغبات المجتمع الدولي وحدها كفيلة بحلها أو زحزحتها.
التعاطي الأممي والدولي مع الملف اليمني يفضي في نهاية المطاف إلى ترحيل أسباب وتعقيدات الأزمنة اليمنية المتشابكة، ويؤجل صراعا محتوما لم يتم إطفاء جذوته.
ومن واقع إدراك بما يدور في كواليس الملف اليمني، يمكن القول إن الصمود الهش للهدنة الأممية في اليمن وتمديدها لشهرين إضافيين تحت ضغط الأمم المتحدة والمجتمع الدولي هو نتيجة مباشرة لاستمرار هذه الضغوط وتركيزها خصوصا على جانب الحكومة الشرعية التي يتعامل معها العالم اليوم كطرف أكثر إعمالا للعقل السياسي ولغة المصالح وأكثر قابلية كذلك للطرق والسحب، في الوقت الذي تبدو فيه الميليشيات الحوثية كجماعة عقائدية مصمتة لا يمكن انتزاع أيّ تنازل حقيقي منها إلا بقدر ما يخدم أجندتها.
وعلى هذا المنوال يمكن تفسير تمديد الهدنة لشهرين إضافيين مؤخرا والرهان الدولي على تحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار، على الرغم من أن أبسط تقييم لواقع تنفيذ بنود هذه الهدنة يشي بأنها لم تنفذ إلا من طرف واحد هو الحكومة الشرعية، في مقابل رفض حوثي كامل لتنفيذ أيّ من بنود الشق الإنساني والعسكري فيها، وفي مقدمة ذلك ملف رفع الحصار عن مدينة تعز وفتح الطرقات المغلقة وهي إحدى أبرز نقاط الخلاف التي تهدد بنسف الهدنة.
وما يثير اليوم استفزاز الشارع اليمني المناهض للانقلاب في اليمن ويجعله يتساءل عن جدوى مثل هكذا “هدنة”، هو الوقاحة التي يبديها الحوثيون في التعامل الانتقائي معها، كما هو حال كل الاتفاقات السابقة، بما في ذلك اتفاق ستوكهولم، حيث يحصي الحوثيون أنفاس الهدنة الأممية الهشة كل يوم، ويحصون معها عدد الرحلات المتبقية لهم من الهدنة السابقة، وعدد سفن المشتقات النفطية التي تأخرت قليلا قبل دخول ميناء الحديدة؛ في الوقت الذي لم ينفذوا شيئا يذكر من التزاماتهم تجاه هذه الهدنة التي يتعلقون بأستارها، وتشير التقارير إلى أنهم يسعون لتحويلها إلى غطاء لإعادة نشر قواتهم العسكرية وشق المزيد من الطرق الفرعية ذات الأغراض العسكرية حول مدينة تعز التي كان يفترض بهم فتح الطرقات الموصدة إليها منذ العام 2015، إضافة إلى تجديد وتنويع مصادر تمويلهم والمضي قدما في خطة العبث بالهوية الثقافية والتحشيد العقائدي.
والخلاصة في كل ما سبق، هي أن التعاطي الأممي والدولي مع الملف اليمني يفضي في نهاية المطاف إلى ترحيل أسباب وتعقيدات الأزمنة اليمنية المتشابكة، ويؤجل صراعا محتوما لم يتم إطفاء جذوته، أو معالجة جذوره، بينما كل ما يحدث من تحركات على سطح هذا الصراع المزمن ليس أكثر من دبلوماسية دولية وأممية رومانسية ناعمة، تمنح الحوثي شعورا مضاعفا بأنه الطرف المدلل القادر على ابتزاز المجتمع الدولي وانتزاع العديد من المكاسب غير المستحقة وهو ما يدفعه بالتالي لرفع سقف مطالبه وإبداء المزيد من التعنت في وجه أيّ جهود دولية للسلام الضائع في اليمن.
نقلاً عن العرب اللندنية