كريم شفيق
كاتب مصري
حذر المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا عمران رضا، أمس الأربعاء، من تداعيات إنسانية خطيرة تنجم عن إغلاق مطار دمشق، قد تؤدي إلى نتائج سلبية إضافية على السوريين.
وأعرب رضا عن قلقه البالغ إزاء الضربات الجوية الأخيرة على مطار دمشق والتي أدت إلى إغلاق المطار بسبب الأضرار التي لحقت به جرّاء الغارة الجوية، محذراً من تداعيات الإغلاق، قائلاً، كما نقلت(UN news): “قد يؤدي تأثير هذا الإغلاق إلى إعاقة وصول المساعدات الإنسانية، إذا لم يتم حله بسرعة، مما سيكون له تداعيات إنسانية وخيمة على أكثر من مليوني شخص محتاج”.
وأشار إلى أنّ “خدمات النقل الجوي للأمم المتحدة تقوم بنقل البضائع الإنسانية، بما في ذلك الإمدادات الصحية المنقذة للحياة مثل لقاحات التيتانوس ومعدات الاختبار لنقل الدم وأدوية السكري في كافة أنحاء سوريا”، مشدداً على أنّ استهداف المواقع المدنية والبنية التحتية يتعارض مع القانون الدولي الإنساني.
ومثّل الاعتداء الإسرائيلي على مطار دمشق الدولي لحظة قصوى من التصعيد، الذي يبدو مختلفاً عن كلّ ما سبقه من ضربات تقليدية مستمرة، منذ عام 2013، بينما استهدفت مواقع نفوذ الميليشيات المدعومة من إيران، تحديداً مخازن صواريخ ومسيّرات “الحرس الثوري الإيراني”، غير أنّ الضربة الصاروخية الأخيرة التي تسبّبت في تعطيل المطار، وهو منشأة مدنية، على غير العادة، حسبما أعلن النظام السوري، تحمل رسائل خشنة تبدو موجهة لإيران، وقد زعمت إسرائيل، وفق سرديتها، بأنّ المطار تحوّل منذ أعوام إلى “محطة لتهريب الأسلحة الإيرانية من طهران إلى حزب الله اللبناني”.
المطار “خارج الخدمة”
وفي بيان لوزارة النقل السورية، فقد تمّ تعليق الرحلات عبر مطار دمشق، وذلك لحين الانتهاء من أعمال الإصلاح، التي بدأت (السبت) الماضي، موضحاً أنّه قد تمّ “إسقاط معظم الصواريخ المعادية، وأدّى العدوان الإسرائيلي إلى إصابة مواطن مدني بجروح ووقوع بعض الخسائر المادية”.
وأوضح البيان؛ أنّ “مهابط الطائرات تضرّرت في أكثر من موقع وبشكل كبير مع الإنارة الملاحية، إضافة إلى تعرّض مبنى الصالة الثانية للمطار لأضرار مادية نتيجة العدوان، بالتالي، ونتيجة هذه الأضرار، تمّ تعليق الرحلات الجوية القادمة والمغادرة عبر المطار حتى إشعار آخر”.
كما ذكر أنّ “كوادرها في الطيران المدني والشركات الوطنية المختصة تعمل على (…) إصلاح الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمطار”، وسيتمّ استئناف الحركة الملاحية المتوقفة منذ الجمعة “فور إصلاحها والتأكد من سلامتها وأمانها”.
التصعيد غير المسبوق من الجانب الإسرائيلي، والذي يتزامن مع توسع طهران على حساب روسيا، التي انسحبت من عدة مواقع سورية على خلفية الصراع المحتدم في أوكرانيا، يبرز احتمالية الصدام المباشر بين طهران وإسرائيل، بهدف إيقاف نشاطها الميداني المتزايد، تحديداً ما يتّصل بملء فراغ القوات الروسية في عدة مناطق بدمشق وريفها. ويضاف إلى ذلك التوتر الأخير، بعد إدانة مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية موقف طهران “غير الشفاف” من وجود كميات هائلة من اليورانيوم في ثلاثة مواقع نووية غير معلنة وسرية، الأمر الذي ردّ عليه النظام في طهران بتعطيل 27 كاميرا مراقبة تابعة للوكالة الدولية، ثم إعلان “القناة 12” الإسرائيلية، مطلع الأسبوع، عن نشر نظام رادار في عدة دول بالشرق الأوسط، بما في ذلك الإمارات والبحرين، لمواجهة “التهديدات الصاروخية الإيرانية”.
ما الذي تخبر عنه ضربات إسرائيل لإيران؟
ووفق صحيفة “وول ستريت جورنال”؛ فإنّ “الحزبين الجمهوري والديمقراطي قدّما في الكونغرس الأمريكي مشروع قانون يقترح أن يعمل البنتاغون مع إسرائيل والدول العربية لدمج قدراتها الدفاعية الجوية لمنع التهديدات الإيرانية”. وتابعت: “مشروع القانون يقترح إقامة نظام دفاع صاروخي لدمج الدفاع الجوي بين إسرائيل والدول العربية، والاقتراح يهدف إلى تشجيع هذه الدول العربية وإسرائيل على تنسيق أفضل في المنطقة. ومشروع القانون هو أحدث محاولة من قبل الولايات المتحدة لتعزيز التعاون الدفاعي بين إسرائيل والشرق الأوسط بعد تطبيع العلاقات مع العديد من الدول العربية، بعد أن كانت هذه الحكومات معادية لإسرائيل”.
بين عامَي 2013 و2020، نفّذت إسرائيل نحو 24 غارة جوية في سوريا، بينما لم تعلن عن مسؤوليتها إلا في أربع حالات فقط. وفي العام الحالي، وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان استهداف إسرائيل “12 مرة” لأراضٍ سورية، وذلك حتى النصف الثاني من شهر أيار (مايو) الماضي، لافتاً إلى أنّ هذه الضربات تسبّبت في “إصابة وتدمير نحو 33 هدفاً ما بين مبانٍ ومستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات”.
ويشير بيان المرصد السوري الحقوقي، ومقرّه لندن، إلى أنّ تلك الضربات أسفرت عن مقتل “28 من العسكريين، منهم ضابطان إيرانيان في فيلق القدس، فضلاً عن إصابة 34 آخرين بجراح متفاوتة وإصابة 6 مدنيين بجراح بينهم طفلة”.
ومن بين المواقع التي جرى استهدافها؛ “المنطقة القريبة من الجولان السوري ومحيط مدينة القطيفة الواقعة في منطقة القلمون الشرقي شمال شرق العاصمة دمشق، كما طاول مواقع على طريق دمشق-بيروت القديم بريف دمشق الغربي، ومبنى المالية في مدينة البعث”.
رسالة قاسية للنظام وحلفائه في طهران
ويلفت مركز “جسور” للدراسات، إلى أنّ دمشق وريفها جاءت في مقدمة المناطق التي استهدفتها الضربات الإسرائيلية بواقع 24 موقعاً، تليها منطقة جنوب سوريا، بمحافظاتها القنيطرة ودرعا والسويداء، حيث مجموع المواقع المستهدفة في المحافظات الثلاث بلغ 14 موقعاً. ثم تركزت الاستهدافات وسط سوريا ضمن محافظة حمص باستهداف 8 مواقع فيها، وتوزّعت بقية المواقع على باقي المحافظات وهي: دير الزور ثم اللاذقية وحلب وحماه وطرطوس.
ويردف: “الملاحظ في نهاية عام 2021 دخول ميناء اللاذقية، الذي يبعد 19 كم فقط عن قاعدة “حميميم” الروسية، ضِمن المواقع المستهدفة من إسرائيل، حيث جرى استهداف الميناء، للمرة الأولى، في 7 كانون الأول (ديسمبر)، ثم استهدف الميناء، بشكل أوسع، في 28 كانون الأول (ديسمبر).
إذاً، اعتاد السوريون استهداف إسرائيل للعمق السوري، لا سيما منذ انخراط إيران وميليشياتها في سوريا للوقوف إلى جانب رئيس النظام، بشار الأسد، بينما كان ردّ فعل النظام السوري التقليدي يقتصر على أنّه سيتمّ “الردّ بالمكان والزمان المناسبين”، حسبما يوضح الكاتب السوري، درويش خليفة.
لكن في المرة الأخيرة التي تعرّض فيها مطار دمشق الدولي للتعطيل، تبدو هناك “رسالة قاسية للنظام وحلفائه في طهران، مفادها أنّ الجانب الإسرائيلي لن يقف مكتوف الأيدي ينتظر من الولايات المتحدة الأمريكية، أو روسيا، اللاعب الأبرز في الميدان السوري، أن تمنع أيّاً منهما تدفق الأسلحة للميلشيات الإيرانية، خاصة أنّ إيران باتت تشكل تهديداً للإسرائيليين من جهة خاصرتها الشمالية، والتي أصبحت شبه مطوّقة من الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري، في الجنوب السوري، وكذا في جنوب لبنان، ثم غزة في فلسطين”، يقول خليفة لـ “حفريات”.
ويردف: “لذا؛ جاءت الضربة الصاروخية من قبل إسرائيل للمطار، وتدمير مستودعات الأسلحة التي نقلتها طهران إلى دمشق، والمحملة بصورايخ وطائرات مسيرّة من نوع مهاجر 2، فضلاً عن نقل عناصر تحمل الجنسية الباكستانية إلى سوريا، مما يشير إلى أنّ النظام الإيراني يستعدّ لمعركة كبرى، انطلاقاً من سوريا”.
وبعد كشف تهريب المخدرات بالأطنان إلى الأردن، عبر الميليشيات الإيرانية، وحزب الله اللبناني، بالشراكة مع الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق الرئيس السوري، يرجّح الكاتب السوري أنّ “إسرائيل والأردن بالتوافق مع الولايات المتحدة، سيناقشون مسألة إقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري”.
وحول مدى قبول إيران واستجابتها لعمليات تقليص نفوذها المتنامي بسوريا، يقول خليفة: “الإجابة تحدّدها مدى قوة كلّ جانب على الصعيد العسكري والاستخباراتي. وفي تقديري؛ فإنّ إسرائيل حسمت مسألة القوة في الشرق الأوسط بامتلاكها لغواصات نووية من طراز الدلفين، كما أنّ لديها 200 رأس نووية، إضافة إلى أنّها ستلقى دعماً من كلّ خصوم إيران، في حال لو اندلعت معركة بين الجانبين، لا سيما أنّ رئيس الأركان الإسرائيلي يهدّد بضرب حزب الله، في لبنان، بالتالي، سيفقد الأخير حاضنته الشعبية؛ لأنّ التوقعات ترجّح حدوث ضربة قاصمة وإلحاق أذى كبير ومؤثر بالضاحية الجنوبية بالكامل”.
وفي حديثه لـ “حفريات”، يوضح الدكتور سامح مهدي، الباحث المصري في العلوم السياسية؛ أنّه، في الآونة الأخيرة، يوجد تصعيد إسرائيلي بالمنطقة ضدّ إيران، سواء من خلال الضربات الأمنية المتلاحقة، ومنها الاغتيالات بطهران، أو التلويح بإنهاء ما أسمته إسرائيل “الحرب الباردة” بين طهران وتل أبيب، وذلك على لسان مسؤولين بالحكومة.
وبالرغم من تنفيذ عدة ضربات موجعة لإيران من قبل إسرائيل، لكنّ ذلك الأمر “لا يعكس انزلاقاً باتجاه (حرب شاملة) بقدر ما يؤشر على توترات أمنية في حدودها الأدنى”، وفق مهدي، مع الوضع في الاعتبار أنّ “استعداد إسرائيل لشنّ هذه الحرب الشاملة لا يبدو أمراً ممكناً، بصورة نهائية، في ظلّ عواقبه المحتملة، داخلياً ومحلياً، وقد سبق لرئيس قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، اللواء أوري جوردين، أن حذّر من تبعات تعرّض بلاده لـ “آلاف الصواريخ”، كما قالت رئيسة قسم العمليات في الشرطة الإسرائيلية: “لسنا مستعدين لتقديم استجابة شاملة للحرب”.
المصدر : حفريات