كريتر نت – متابعات
عاد الجدل مجددا في تونس حول قضية التمويل الخارجي لحركة النهضة بعد ورود أنباء تفيد بحدوث اعتقالات شملت سياسيين وإعلاميين محسوبين على الحركة بتهم تتعلق بالحصول على تمويلات خارجية، وهو ما تنفيه النهضة باستمرار وتعتبره جزءا من الحملة التي شُنَّت عليها، وتحذّر من توظيف القضاء “لإبراز أن الحركة لديها ملفات فساد”.
وأعادت نقابة موظفي إدارة الشرطة العدلية في القرجاني (وسط العاصمة تونس) إلى الواجهة موضوع التمويلات التي تتهم حركة النهضة بالحصول عليها من الخارج، من خلال تأكيدها على أن الإدارة الفرعية للأبحاث الاقتصادية والمالية بإدارة الشرطة العدلية ختمت البحث في قضية “الحصول على تمويلات أجنبية مجهولة المصدر وغسل أموال” متعلقة بالجهاز السري لحركة النهضة.
وما زالت النيابة العمومية في تونس تحصر التحقيقات المتعلقة بملف التمويل، والقسم المختص بالنظر في الأمر هو فرع الشرطة العدلية للجرائم المالية.
وقالت النقابة في بيان لها إن “النيابة العمومية بتونس أذنت بختم الملف وإحالته على أنظار القطب القضائي لمكافحة الإرهاب الذي عهد به إلى الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب بثكنة بوشوشة لمواصلة الأبحاث”.
ونشرت النقابة في بيانها قائمة المتهمين، الذين رمزت إليهم بالأحرف الأولى لأسمائهم وألقابهم، وأرقاما للأموال التي حصلوا عليها واستغلوها في “تمويل أنشطة مشبوهة” لجمعية خيرية، كاشفة عن أن المتهمين لم يدلوا بما يثبت “مصدر الأموال والممتلكات الخاصة بهم”.
وأوردت مواقع تونسية -من بينها إذاعة موزاييك الخاصة- أنباء عن الاحتفاظ بصحافي سبق أن عمل في صحف محسوبة على النهضة مثل “الفجر” و”الضمير” وبمكتب الإعلام في وزارة الداخلية، وذلك على ذمة الأبحاث المتعلقة بمؤسسة “أنستالينغو”، وهي شركة إنتاج كانت تعمل على نشر محتويات إعلامية عن تونس لفائدة دوائر تركية، واتهمتها النيابة العمومية بـ”التخطيط للاعتداء على أمن الدولة الداخلي، وتلقي أموال مشبوهة من الخارج”.
وأشارت المواقع كذلك إلى توقيف “ضابطة سابقة ومعزولة انتمت سابقا” إلى إحدى مصالح وزارة الداخلية. وكذلك توقيف “القيادي بحركة النهضة والرئيس السابق لنادي حمام الأنف عادل الدعداع” وعناصر أخرى من بينهم أشرف بربوش المستشار برئاسة الحكومة في حكومتي يوسف الشاهد وهشام المشيشي والمدوّن سليم الجبالي.
وقال مراقبون إن التحقيقات التي تجري على هذا المستوى تركز على شبكات التمويل التي قد تكون دعمت مواقع وأنشطة محسوبة على حركة النهضة، والتي زاد نشاطها خاصة بعد الخامس والعشرين من يوليو ووضعت هدفا لها هو الهجوم على الرئيس قيس سعيد.
لكن القيادية في حركة النهضة لطيفة الحباشي قللت في تصريح لـ”العرب” من الأسماء التي تم توقيفها، حيث قالت إن “عادل الدعداع منخرط (عضو) في الحركة، ولا يملك أي خطة”، و”يوجد ضغط على القضاء (…) لإبراز أن الحركة لديها ملفات فساد”.
وأضافت الحباشي أن “النهضة لا تملك أي قناة تلفزيونية أو وسيلة إعلامية ناطقة باسمها”، في رد على اتهامات للحركة بامتلاك شبكة تأثير إعلامي غير معلنة.
وتعيد الاتهامات الجديدة الموجهة لحركة النهضة إلى الأذهان ما جاء في تقرير محكمة المحاسبات عن التمويل الأجنبي الذي ذكر حركة النهضة بالاسم، لكن الحباشي قالت إن التقرير غير مؤكد.
وفي تقريرها العام حول نتائج مراقبة تمويل الحملات الدعائية للانتخابات الرئاسية السابقة والتشريعية لسنة 2019، رصدت محكمة المحاسبات أن حركة النّهضة “تعاقدت في 2014 مع شركة الدعاية والضغط BCW الأميركية لمدّة 4 سنوات بمبلغ قدره 285 ألف دولار”.
وتمّ تجديد هذا العقد من السادس عشر من يوليو 2019 إلى السابع عشر من ديسمبر من العام نفسه، بمبلغ قدره 187 ألف دولار، وهو ما اعتبرته المحكمة “شبهة تمويل أجنبي” بنص الفصل 163 من القانون الانتخابي.
ويعتقد المراقبون أن الكشف عن تمويلات خارجية لمواقع محسوبة على النهضة، إن ثبت قضائيا، سيؤكد ما تقوله هيئة الدفاع عن السياسيين الراحلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي بشأن الجهاز السري وتنوع أنشطته، خاصة أن التحقيقات بدأت تقترب من رأس النهضة ورئيسها راشد الغنوشي.
وفي مايو الماضي قرّر القضاء التونسي حظر السفر على 34 متهما وشمل الإجراء الغنوشي في قضية تتعلق بالجهاز السري للحركة الإسلامية المتهم بالتورط في اغتيال بلعيد والبراهمي في 2013.
وهذه أول مرة يصدر فيها قرار قضائي يشمل الغنوشي في قضية الجهاز السري للنهضة، لكن سبق أن تم التحقيق معه في أبريل الماضي بمقر الفرقة المركزية لمكافحة الإرهاب في العاصمة تونس، وذلك في إطار تحقيق حول “التآمر على أمن الدولة” بعد عقد البرلمان المجمد جلسة افتراضية على الرغم من تعليق الرئيس سعيد لأعماله بموجب تدابير استثنائية.
وقالت المتحدثة باسم محكمة ولاية (محافظة) أريانة فاطمة بوقطاية “أصدر قاضي التحقيق قرارا يقضي بتحجير (حظر) السفر على جميع المتهمين المشمولين بالتتبع في قضية ما يعرف بالجهاز السري”، مضيفة أنه “يتهم في القضية 34 شخصا من بينهم راشد الغنوشي”.
ويحاكم المتهمون بتهم التستر والحصول على ملفات وأدلة تدين أشخاصا في عملية اغتيال المعارضَيْن اليساريَين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013.