حسن الأشرف صحافي وكاتب
كلما زادت حدة توتر العلاقات السياسية بين البلدين الجارين، المغرب والجزائر، ظهرت مشاعر الود والتقارب أكثر بين الشعبين في عدد من المناسبات، واللقاءات الرياضية على وجه الخصوص.
ولم تمنع القطيعة الدبلوماسية بين البلدين، الجزائريين من تخصيص استقبال وصف بكونه حافلاً، قبل أيام، لأعضاء الوفد الرياضي المغربي المشارك في ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي تحتضنها مدينة وهران والتي لا تبعد كثيراً عن الحدود المغربية.
ويرى مراقبون أنه بإمكان “دفء الرياضة” أن يذيب جليد السياسة والتوترات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، وأن مشاعر الشعبين الشقيقين لا يمكن أن تفسدها تقلبات السياسيين وأجنداتهم، وأن مشاعر الإخاء المستمرة منذ عقود طويلة تدوم وتعلو على جميع الحسابات الضيقة.
“خاوة خاوة”
وكان لافتاً الاستقبال الذي خصصه الجزائريون لأعضاء الوفد الرياضي المغربي الذي حل بوهران، من خلال التصفيقات وإطلاق الزغاريد وترديد الأهازيج ورفع شعارات من قبيل “خاوة خاوة” (إخوة إخوة)، وهو ما أثلج صدور الرياضيين المغاربة.
وصرح أعضاء من الوفد الرياضي المغربي بأن الاستقبال والمشاعر التي أظهرها الجزائريون أنستهم مشقة السفر وعنائه، بعد أن وصلوا إلى وهران آتين من تونس، جراء إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات المغربية.
وأبدى مغاربة تجاوبهم مع الاستقبال الشعبي الجزائري للوفد الرياضي، واعتبروا أن ما حصل ينم عن حقيقة المشاعر المتبادلة، التي تتجاوز حال التوتر السياسي بين البلدين.
ووصل النقاش حول هذا الموضوع إلى مواقع التواصل الاجتماعي في البلدين. وقالت صفحات جزائرية إن شعار “خاوة خاوة” حقيقي، أحب من أحب وكره من كره، وأن المغاربة والجزائريين شعب واحد لن تفرقه السياسة مهما حصل.
ولم تظهر هذه الشعارات التي تكرس مشاعر الجيران الموحدة فقط عند هذه المناسبة الرياضية، بل برزت في أكثر من مناسبة وحدث، وكان أكثرها حضوراً حادثة وفاة الطفل المغربي ريان داخل بئر بضواحي شفشاون قبل أشهر قليلة، إذ رسم شباب جزائريون لوحة جدارية للطفل مع شعار “خاوة خاوة”، في الوقت الذي اكتسح هاشتاغ “أنقذوا ريان” جميع مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر.
قصة بلومي ودعم المغرب للجزائر بالسلاح
في هذا الصدد، يقول الدكتور منصف اليازغي، الباحث المتخصص في السياسة الرياضية، إن شعار “خاوة خاوة” على الرغم من أنه لم يكُن شائعاً ومنتشراً في أعوام ماضية، لكن كانت هناك دائماً علاقات أخوية قوية بين الشعبين المغربي والجزائري.
ويضيف في تصريحات لـ”اندبندنت عربية” أنه “ينبغي استحضار أعوام الثمانينيات من القرن الماضي، عندما كان يحضر الأشقاء الجزائريون إلى المغرب، أو يذهب المغاربة إلى الجزائر، لنتذكر كيف كان التعامل ودياً وحميمياً بين المواطنين والبسطاء وأصحاب المقاهي والمطاعم”.
وأشار اليازغي إلى واقعة حكاها اللاعب الجزائري الشهير لخضر بلومي بمناسبة تنظيم كأس أفريقيا للأمم عام 1988 بالمغرب، عندما رفض أحد الباعة في سوق بالدار البيضاء تسلّم ثمن سلعة اشتراها بلومي لما علم أنه جزائري، مضيفاً أن الأمر ذاته يحصل عندما تأتي فرق جزائرية إلى المغرب، أو عندما يحل “أسود الأطلس” في الجزائر، حيث يكون الاستقبال الشعبي والجماهيري عفوياً وودياً.
وشدد اليازغي على أن الإشكال يكمن في أن الخلافات السياسية بين البلدين تتطور وتظهر أحياناً في مواقع التواصل الاجتماعي على شكل اتهامات متبادلة، كأن هناك عداوة راسخة بين الشعبين الشقيقين، لكن الأمر يظل محدوداً، والغالب هو مشاعر التآخي بين الطرفين.
واسترسل “الجزائريون مثلاً لا ينسون أن المغرب دعم حركة التحرر في بلادهم نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، كما أن غالبية رموز المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي كانوا يقطنون في مدن مغربية، وتعرضت مدينة وجدة للقصف في 18 فبراير (شباط) عام 1962 بسبب دعم المغرب الجزائر بالسلاح”.
وخلص اليازغي إلى أن حسابات السياسة تحاول طمس مشاعر الإخاء هذه بين الشعبين المغربي والجزائري”، مبرزاً أن “الأخوّة والعلاقات الطيبة بينهما استمرت لمدة عقود، وستظل قائمة على الرغم من الخلافات السياسية الحادة”.
الشعبان لا يعترفان بقرار القطيعة
من جهته، يرى الدكتور إدريس لكريني، رئيس منظمة العمل المغاربي، أن الرياضة تنطوي على أهمية لا تخفى على مستوى ترسيخ قيم التواصل والتعايش والاختلاف واللاعنف، علاوة على تلطيفها للأجواء السياسية المشحونة والتفريغ الإيجابي للطاقات وترميم الأعطاب التي تخلقها السياسات المرتجلة.
ويقول في تصريحات لـ”اندبندنت عربية” إنه “كلما كانت هناك محطات شعبية ظهر أن هناك بوناً شاسعاً بين تلاقي الشعوب ورغبتها بالتواصل وكسر الحواجز المصطنعة، وبين منطق بعض صانعي القرار الذين يجازفون بمستقبل شعوبهم وشعوب المنطقة خدمة لأجندات ضيقة”.
وبالعودة إلى الاستقبال الحافل الذي خصصه الجزائريون للوفد الرياضي المغربي في “ألعاب البحر الأبيض المتوسط”، يؤكد لكريني أنه يحيل إلى أن مشاعر الشعبين لا تعترف بقرارات “القطيعة الفوقية” التي لا يمكن لأي مواطن مغاربي إلا أن ينبذها ويرفضها، بخاصة أن الأمر يتعلق بشعبين وبلدين جارين تربطهما علاقات حضارية وثقافية وتاريخية متجذرة”.
وذهب لكريني إلى القول إن “الإصرار على القطيعة تحت أية ذريعة كيفما كانت، هو خيار يعاكس إرادة الشعوب ومصالحها المشتركة، ويوسع الهوة بين توجهات بعض صانعي القرار المسؤولين عن القطيعة، وبين تطلعات الشعوب نحو طي الخلافات والانكباب على القضايا المختلفة، مثل التنمية وتعزيز الحقوق والحريات”.
وشدد على أنه يتعين استحضار العقل والحوار حتى لا يتم توريث الأحقاد إلى الأجيال المقبلة، والمخاطرة بمستقبل أبناء المنطقة في عالم مليء بالتحديات”، متابعاً أن “الرهان جماعي لا يسائل صانعي القرار فحسب، بل أيضاً يسائل الإعلام والنخب المثقفة، والرياضيين والفنانين والاقتصاديين وكل مكونات المجتمع في المغرب والجزائر”.
المصدر : أندبندنت عربية