أحمد رحّال
تصريحا وزيري الخارجية والدفاع الإسرائيليين، يئير لبيد وبني غانتس، وتطابقهما بشأن زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، المنطقة الشهر المقبل (يوليو/ تموز)، لم تكن مصادفة، بقدر ما شكّل التصريح المكرّر لهما ورقة سياسية ضاغطة تسبق زيارة بايدن المنطقة. فكلاهما أكدا أن بايدن يحمل في جعبته إلى الشرق الأوسط “مشروعاً إقليمياً جامعاً” لمواجهة تهديدات مشاريع إيران (العسكرية والأيديولوجية)، يحمل مشروع “ناتو شرق أوسطي” يجمع ما تيسّر من دول المنطقة، ويحظى بمظلة وقيادة أميركيتين، على الرغم أن أبجديات الإدارات الأميركية الديمقراطية عندما تتصدّر مشهد البيت الأبيض عادة لا تتضمن حروباً ومواجهات، بل تذهب إلى تفاهمات واتفاقيات (تفاهم مع الإيراني، تفاهم مع الروسي). لكن يبدو أن “الناتو الشرق أوسطي” بات قراراً شبه محسوم، لضغوط وأسباب عديدة ترزح على صدر شعوب المنطقة وحكامها، وعلى الإسرائيلي بالتحديد، نتيجة العبث الإيراني بأكثر من أربع عواصم عربية، أو عبر ملامح الفشل الذي بات أقرب من أي انفراجة محتملة في مسار فيينا التفاوضي بين إيران والغرب.
ساهمت متغيرات طارئة بتسريع طرح مشروع “الناتو” في المنطقة، في مقدمتها التسخين الحاصل على جبهات المنطقة من إيران (اليمن، غزة، الجنوب السوري، جنوب لبنان)، وأيضاً عبر تهديدها الملاحة والتجارة العالمية في الخليج العربي وبحر العرب، وحجزها السفن تحت ذرائع مختلفة، وتحكمها بمضيق هرمز، إضافة إلى نشر أذرعها المليشياوية أو دعمها مليشيات محلية في أكثر من بلد عربي، الأمر الذي ساهم بنشر الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار في أكثر من بقعة شرق أوسطية، ورسخ مبدأ صنع دويلة داخل الدولة تكون موالية لإيران، ثم ما تلبث تلك الدويلة أن تقوم بابتلاع الدولة والسيطرة عليها ومصادرة قرارها.
قد يشكّل مشروع “الناتو” الشرق أوسطي بوابة تستطيع من خلالها واشنطن إعادة شدّ عصب دول المنطقة وإخضاعها للقرار الأميركي
أيضاً، تكتيك “حرب بين الحروب” الذي تنتهجه قيادة إسرائيل وجنرالاتها في مواجهتها التخندق الإيراني في الجغرافية السورية، واعتراض تل أبيب على تحسين دقّة صواريخ حزب الله من إيران، عن طريق الشحنات العسكرية القادمة إلى مطارات سورية، ثم عبر البر إلى البقاع والجنوب اللبنانيين، وهي عوامل شكّلت رافداً دافعاً للمشروع الجديد، وخشية عربية – أوروبية – أميركية مشتركة من تسارع الأحداث وانزلاق المنطقة إلى أتون مواجهة إسرائيلية – إيرانية قبل حسم التحالفات والاصطفافات، وتحضير المنطقة لمثل تلك المواجهة.
نجم المتغير الثالث بالتأكيد عن مستجدّ الحرب الروسية الأوكرانية، وطبيعة التحالفات التي أعقبتها، وأزمة الطاقة الخانقة التي باتت تتهدّد أكثر من دولة، وخطوط استجرارها الجديدة، وانعكاسات هذه الحرب على دول منطقة الشرق الأوسط، في ظل تموضعات سياسية واقتصادية مؤقتة، لم تحسم فيها معظم الدول اصطفافها كما كانت ترغب واشنطن.
وبالتالي، قد يشكّل مشروع “الناتو” الشرق أوسطي بوابة تستطيع من خلالها واشنطن إعادة شدّ عصب دول المنطقة وإخضاعها للقرار الأميركي، وإن كانت تلك نقطة مهمة، قد لا يستطيع الرئيس بايدن حسمها وطي نقاشها في الزيارة، لأن إدارته التي أهملت مصالح حلفائها في المنطقة، ولم تكترث لهواجس أمنهم باستثناء “أمن إسرائيل”، وأدارت ظهرها لمخاوفهم والتهديدات التي تتربص بهم، بعد أن وضعت كل بيضها في سلة الاتفاق النووي مع إيران في مفاوضات فيينا، حتى إن وزارة الدفاع الأميركية، وبقرار سياسي، سحبت في شهر يونيو/ حزيران 2021 ما يقارب ثماني بطاريات دفاع جوي من طراز “باتريوت” و”ثاد”، كانت قد نشرتها سابقاً، من دول بينها السعودية والعراق والأردن والكويت، وأعادت نشر جنودها، ممن كانوا يشغلون تلك المنظومات أو يدعمونها، وتموضعهم ونقلهم إلى مواقع أخرى، ضاربة بعرض الحائط كل تعهدات واشنطن بحماية المنطقة وحلفائها في دول الخليج.
المصدر : العربي الجديد