علي حمادة
لم تسفر محادثات الدوحة غير المباشرة بين ايران والولايات المتحدة المخصصة لحل القضايا العالقة بين البلدين لإحياء الاتفاق النووي للعام 2015 عن أي جديد. فعلى رغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن أوفد الى المفاوضات مستشار البيت الأبيض لشؤون ايران روبرت مالي، وهو الذي ترأس الوفد الأميركي الى مفاوضات فيينا طوال عام كامل منذ انطلاقها في شهر نيسان (أبريل) 2021، فقد بقيت القضايا الشائكة المتعلقة بالشروط والشروط المضادة بين الطرفين عالقة، ولا سيما قضية الضمانات التي تطلبها إيران من الولايات المتحدة بشأن رفع العقوبات، وما تسميه طهران استفادتها من المزايا الاقتصادية التي كانت توفرت لها قبل أن يعمد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق سنة 2018.
هذه المرة كان مالي – الذي لطالما اتهمه كثيرون في الولايات المتحدة بأنه يميل دائماً إلى ما يسمى “الخيار الإيراني” الموروث عن إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما – متصلباً حسبما أفادت معلومات من العاصمة القطرية. بمعنى أنه لم يلتزم حرفياً بتعليمات البيت الأبيض لجهة رفض إعطاء ضمانات تُلزم الإدارات المقبلة بشأن الاتفاق، فضلاً عن طرح القضايا الأخرى العالقة التي تم تجاهلها في المرات السابقة، وهي المتعلقة بالسياسة الإقليمية الإيرانية التي تهدد أمن دول المنطقة.
ففي الوقت عينه، وفيما التأمت قمة دول مجموعة السبع في ألمانيا لبحث قضايا الصراع القائم مع روسيا، والتحديات الاقتصادية التي تواجهها الدول الصناعية الكبرى، كان قادة هذه الدول يضمّنون البيان الختامي للقمة تنديداً باستمرار إيران في زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط وأمنها، متعهدين بعدم السماح لطهران بتطوير سلاح نووي. فقد طالب البيان الختامي للقمة إيران بالتوقف عن تجاربها للصواريخ البالستية وتهديداتها لأمن الملاحة في الخليج. و لعل كلام المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو من قمة مجموعة السبع الذي أشار فيه إلى أن محادثات الدوحة ليست بديلاً عن مفاوضات فيينا، مؤشر إلى أن المسائل العالقة تتعدى الإطار الثنائي الأميركي – الإيراني. فالالتزامات المطلوبة من ايران تتضمن جوانب تقنية عالية، وتتصل مباشرة بإجراءات الرقابة التي تتولاها “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” نيابة عن المجتمع الدولي.
من هنا فإن الموقف لا يزال عالقاً، لا سيما أن حوار الدوحة ربما أتى في إطار محاولة إيرانية للالتفاف على المناخات الإقليمية التي تبلورت في المرحلة الأخيرة في إطار جهد كبير تبذله دول المنطقة في ما بينها من أجل بناء نظام تعاون سياسي، اقتصادي ودفاعي يستفيد من المظلة الأميركية في وقت تقترب ايران من عتبة تصنيع قنبلة نووية. فالتهديد النووي ليس تفصيلاً لا بالنسبة الى دول المنطقة، ولا بالنسبة إلى الأوروبيين وبالأخص إلى الأميركيين.
لكنّ ثمة جديداً يستشعره الإيرانيون، وهو بوادر قيام حلف إقليمي يضم دولاً عربية وإسرائيل تحت مظلة أميركية، تقابله عزلة إيرانية شبه تامة لا يمكن لموسكو أن تعوضها عنها، إذ أن روسيا غارقة في وحول الحرب التي أشعلها الرئيس فلاديمير بوتين في أوكرانيا، والحرب قد تطول إلى حد تستنزف روسيا عسكرياً، واقتصادياً، من دون أن تتمكن الأخيرة من حسم الحرب لصالحها. فالمواجهة على أرض أوروبية كبيرة للغاية، والغرب لا يمكنه أن يساوم إلى حد تعريض مصير أوروبا كلها للخطر الآتي من الشرق. وعليه فإن ايران غير قادرة على الاعتماد على مظلة روسية في وقت تعاني الأخيرة من عزلة كبيرة، فضلاً عن أنها تظهر عجزاً لافتاً في حربها قياساً على قوتها العسكرية وموقعها كدولة كبرى.
هذا الواقع لا يطمئن الإيرانيين، في وقت تُقرع طبول الحرب مع إسرائيل. ومع أن تل أبيب تعيش في أزمة لا بل فوضى سياسية، فإن الملفات الاستراتيجية لا تتأثر بتبدل الحكومات ولا بالدعوة الى انتخابات جديدة للكنيست كما هو الحال اليوم. فالملف وجودي، والتحضير ليوم المواجهة مع إيران، أكان مع “رأس الاخطبوط” أو مع “أذرعه” كما توصف إيران ووكلاؤها، مستمر إلى اليوم الذي لا يعود ثمة مفر من المواجهة.
هنا يمكن الزعم أن طهران تراقب بقلق ملامح نشوء “حلف ناتو” شرق أوسطي تحدث عنه الملك الأردني عبد الله الثاني بصراحة قبل أيام للصحافية في شبكة “سي أن بي سي” الأميركية هادلي غامبل، إضافة إلى كل ما يحصل في المنطقة من حراك دبلوماسي على مستوى القادة، وأهمه القمم المتتالية، والمصالحات التي تتم بين خصوم الأمس، وهؤلاء يجمعهم في مكان ما أقله الحذر الشديد من السياسة التوسعية الإيرانية في المنطقة.
وقد يكون من دوافع عودة طهران إلى طاولة الحوار مع واشنطن تمهيداً للعودة إلى مفاوضات فيينا وإتمام الاتفاق النووي، الخشية من الحلف العربي – الإسرائيلي الذي بدأ يتضح أكثر فأكثر في الآونة الأخيرة، وإن تكن دول عدة من بينها دولة الإمارات العربية المتحدة أشارت إلى أنها لا تدخل في أطر تحالفية تستهدف دولاً أخرى، وتعني بذلك ايران. لكنّ التطور الكبير أخيراً في العلاقة بين إسرائيل ومعظم الدول العربية المركزية لا بد أنه مثير لقلق طهران أيا تكن الاعتبارات، وخصوصاً أن إيران تبدو في العمق في عزلة إقليمية خانقة. فعندما يجري الحديث عن إقامة نظام دفاع جوي متعدد الأسلحة يضم دول المنطقة العربية وإسرائيل تحت المظلة الأميركية، معنى هذا أن الإقليم يتّحد بشكل دفاعي بمواجهة الدولة الوحيدة التي تمثل تهديداً دائماً للأمن في المنطقة.
وبهذا المعنى تعتبر المحللة في وكالة “رويترز” باريسا حافظي أن قيام محور عربي – إسرائيلي هو دافع إيران للإبقاء على “الكرة الدبلوماسية” في الملعب، على رغم أن احتمالات إحياء الاتفاق النووي لا تزال ضعيفة. فهل بدأت موازين القوى الإقليمية تتغير؟ وهل مسارات إعادة رسم خريطة المنطقة بصيغة جديدة هي التي ستحدد سلوك ايران بالنسبة الى الاتفاق النووي؟ وماذا عن مصير السياسة الايرانية التوسعية العدوانية و”أذرع الخطبوط”؟
نقلاً عن النهار العربي