كريتر نت – العرب
تعزز المخاوف الأردنية المتصاعدة من عدوان إيراني محتمل على البلاد فكرة إنشاء حلف ناتو شرق أوسطي في إحالة على حلف شمال الأطلسي وذلك لمواجهة التهديدات التي تمثلها أنشطة طهران ووكلائها في المنطقة حيث ينتشر العديد من الميليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق وغيرهما.
وطرح الحديث عن تنزيل فكرة إنشاء حلف “ناتو” شرق أوسطي على أرض الواقع تساؤلات حول الجدوى من ذلك رغم أن المنطقة لا تزال ملتهبة سواء بسبب أنشطة الميليشيات الموالية لإيران أو غيرها.
ويرى متابعون لسياسات دول الشرق الأوسط أن الأردن تساوره مخاوف من عدوان إيران محتمل عليه تعزز فكرة إنشاء هذا الحلف الذي سيكون إذا كتبت لمساعي تأسيسه النجاح شبيها بحلف شمال الأطلسي.
وظلّت الصبغة الرسمية، طيلة السنوات الماضية، هي المحدد الأساس لعلاقات معظم الدول العربية بطهران، مع تخوّف حذر من التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية. واستمرت المخاوف من التدخلات الإيرانية عنوانا رئيسيا في نتائج القمم العربية السابقة، في ظل مواقف دولية متشددة لمنع طهران امتلاك سلاح نووي.
ويجاور الأردن أبرز مناطق الصراع والأزمات في منطقة الشرق الأوسط، ورغم ذلك استطاع أن يحافظ على استقراره، متجنّبا شررها المتطاير في كل الجهات، لكنه بات أخيرا يظهر قلقا واضحا من تداعيات ما يجري في جارته الشمالية سوريا، وسط حديث عن وجود قوات إيرانية قريبة من حدوده.
مأمون أبونوار: التحالف العسكري العربي سينجح في الربط المناطقي عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية
وفي يوليو الماضي، كشف العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأميركية عن تعرض بلاده لهجوم بمسيّرات إيرانية الصنع.
وبسؤاله عن تحذيره السابق مما أسماه بـ”الهلال الشيعي”، قال الملك عبدالله “أود أن أوضح هنا أنني عندما تحدثت عن ‘الهلال الشيعي’، قصدت الهلال الإيراني من وجهة نظر سياسية”.
وعام 2004، حذّر العاهل الأردني خلال حديثه مع إحدى الصحف الأميركية من خطر تشكل “الهلال الشيعي”. وشهدت العلاقات الأردنية – الإيرانية قطيعة كبرى استمرّت قرابة عقدين من الزمان، بعد دعم الأردن للعراق في حربه ضد إيران في ثمانينات القرن الماضي.
وفي تصريحات أدلى بها أخيرا، اعتبر الملك عبدالله الوجود الروسي السابق جنوبي سوريا مصدرا للتهدئة، مبينا أن “هذا الفراغ سيملأه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”.
وفي عام 2015 تدخلت روسيا إلى جانب النظام في سوريا، بعد أن بدت عليه علامات الانهيار أمام تقدم المعارضة المسلحة. والجمعة الماضية، بثت قناة “سي إن بي سي” مقتطفات من مقابلة أجرتها مع العاهل الأردني بيّن فيها أنه يدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط، على غرار حلف شمال الأطلسي “الناتو”. وقال “سأكون من أوائل الأشخاص الذين يؤيدون إنشاء حلفٍ في الشرق الأوسط كحلف شمال الأطلسي”.
وأكد الملك عبدالله أن الرؤية وبيان المهمة الخاصة بمثل هذا التحالف العسكري يجب “أن تكون واضحة جداً، وأن يكون دوره محدداً بشكلٍ جيد، وإلا فإنه يربك الجميع”.
ورؤية الملك عبدالله الثاني حول تشكيل التحالف العسكري الشرق أوسطي، قد تعززه مخاوف الأردن من وجود ميليشيات موالية لإيران على حدود المملكة من الجهة الشمالية.
الملك عبدالله اعتبر أن الوجود الروسي السابق جنوبي سوريا مصدر للتهدئة، مبينا أن هذا الفراغ سيملأه الآن الإيرانيون
ولهذا قد يكون طرح الحلف العسكري العربي مقبولا لدى معظم العواصم العربية التي تتشارك القلق مع عمان، وربما يصبح بنداً حوارياً على طاولة القمة العربية – الأميركية التي تستضيفها السعودية منتصف يوليو المقبل، ويشارك فيها الرئيس الأميركي جو بايدن.
وجزم الخبير العسكري مأمون أبونوار بفشل فكرة التحالف العسكري العربي قائلا إن “التحالف لن يفيد الأردن وسيفشل”. وأضاف “لكنه ربما ينجح في مسألة واحدة هي الربط المناطقي عبر الأجهزة من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية”.
وتابع “لا بد للدول التي قد تتشارك في هذا التحالف من تحديد عدوّها، ولو افترضنا أنه إيران، فإن ذلك سيؤدي إلى تقسيم المنطقة إلى شيعة عرب وسنة عرب”. وأوضح أن “الأمن العربي مسؤولية عربية بموجب اتفاقية الدفاع المشترك المنصوص عليها في جامعة الدول العربية، لكنها غير مفعّلة”.
صالح العرموطي: فكرة التحالف العسكري العربي ستكون مرفوضة للأردن
واعتبر أبونوار الرفض الشعبي العربي حجر عثرة أمام فكرة الناتو شرق الأوسطي. واستبعد أبونوار “أن تقوم إيران بأيّ عمل عدائي تجاه الأردن، لاسيما في هذا الوقت بالتحديد، لأن المملكة لديها الردع الكامل مع حلفائها”.
واعتبر دعوة الملك عبدالله الثاني لهذا الناتو بمثابة “رسالة موجهة للضغط على إيران ضد أيّ نوايا أو إجراءات عدائية مستقبلية”. وقال المحلل السياسي عامر السبايلة إن “قيام ناتو شرق أوسطي فكرة لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع، وكانت هناك محاولات سابقة بعد سقوط العراق وتطورات الإقليم الأخرى، وانتهت بفكرة معقدة وحجم خلافات كبير”.
وأضاف “هناك بالفعل تنسيق أمني حالي، وهو نتاج طبيعي للتحولات السياسية بالمنطقة، وانضمام إسرائيل إلى القيادة الأميركية الوسطى، وبالتالي عملية السلام مع الدول العربية، وهذا يعني ضرورة التنسيق العسكري والأمني بين تل أبيب وهذه الدول”.
وتابع “أخذت دول الخليج منحى أكثر دفاعا في السنوات الأخيرة بعد الاتفاق النووي مع إيران، باعتبار أنه لم يشمل سياسات طهران بالمنطقة أو قدراتها العسكرية، وحتى حضور دول الخليج في هذه الاتفاق”.
وأضاف السبايلة “الأوضاع الملتهبة في سوريا ولبنان والعراق واليمن ومحاولة نقل حالة عدم الاستقرار إلى دول الخليج، كلها أمور قادت إلى إعادة فكرة كيفية التنسيق الأمني والعسكري العربي، وهذا فعليا ببساطة ما يمكن الحديث عنه، وهو أقرب من تشكيل حلف على غرار الناتو”.
واعتبر البرلماني والقانوني الأردني صالح العرموطي أن فكرة التحالف العسكري العربي ستكون مرفوضة للأردن. وقال العرموطي “هذا التحالف مرفوض بالنسبة إلى الأردن، لأنه يضم دول الشرق الأوسط، وهذا أمر يتعلق بمشاركة إسرائيل بهذا الحلف، ومن شأنه كما قال الرئيس جو بايدن أن يخدم الأمن الإسرائيلي ويخدم مشروعهم بالمنطقة”.