كريتر نت – الحرة
طالت تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا عدة دول حول العالم وتسبب بأزمات اقتصادية وارتفاع أسعار ومجاعات، وكان وقع الأزمة أقوى على دول يعاني اقتصادها أصلا من جراء أزمات عصفت بها خلال السنوات الفائتة.
ولم تسلم دول عربية من “العاصفة الاقتصادية” هذه، ما دفع بمحللين إلى دق ناقوس الخطر بشأن تهديدات متوقعة للأمن الغذائي، ومخاوف من “اضطرابات سياسية واجتماعية” بتلك الدول.
وأقر البنك الدولي، الأربعاء، تمويلا تنمويا بقيمة 500 مليون دولار لتعزيز جهود الأمن الغذائي في مصر، واتخذ البنك خطوة مماثلة في تونس، بعد الموافقة على قرض بقيمة 130 مليون دولار.
أزمة “مرتقبة”
وينبثق دعم البنك الدولي من مسؤوليته في مساعدة “الدول التي تقف على أبواب أزمة غذائية” ويحتاج شعبها لاستيراد كميات كبيرة من الحبوب والمواد الغذائية، وفقا للخبير الاقتصادي ومستشار المركز العربي للدراسات، أبوبكر الديب.
لكن ذلك التمويل لا يعدو أن يكون “مسكنات مؤقتة”، لا تعمل على حل المشكلة جذريا، لأن جهود الدول العربية مجتمعة لتحقيق الأمن الغذائي العربي “متواضعة للغاية”، حسب حديث الديب لموقع “الحرة”.
ويأتي تمويل البنك الدولي لمصر وتونس، في إعقاب أزمة غذائية عالمية طاحنة امتدت لتشمل عدة دول عربية، وفقا للخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب.
وفي تصريحات لموقع “الحرة”، يشير إلى أن غالبية الدول العربية ” غير النفطية” مهددة بخطر نقص الغذاء خلال السنوات القادمة، موضحا أن تلك الدول تحصل على أكثر من 60 في المئة من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا.
لكن أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، غادة موسى، ترى أن الحرب الروسية الأوكرانية ليست “السبب الأوحد في موجات أزمات الغذاء التي تمر بها بعض دول شمال أفريقيا ودول القرن الأفريقي واليمن”.
وتحدثت لموقع “الحرة”، عن أزمة ممتدة منذ سنوات، معتبرة أن “الحرب فاقمت الأزمة من جانب، وكشفت عن خلل هيكلي في سياسات الغذاء في الدول التي لا تشهد نزاعات مسلحة”.
وأدى الحصار الروسي للموانئ الأوكرانية والتأثيرات المتتالية للعقوبات الغربية على موسكو إلى ارتفاع عالمي في أسعار الغذاء، وأثار مخاوف من بشأن زيادة الجوع في جميع أنحاء العالم، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست”.
ووفقا لـ”المعهد الدولي لبحوث السياسات الزراعية”، فإن أوكرانيا وروسيا تنتجان حوالي ثلث القمح المتداول في الأسواق العالمية، وحوالي ربع الشعير في العالم.
وتشمل الصادرات الروسية والأوكرانية، زيت عباد الشمس والذرة لإطعام الماشية، وتمثل تلك الصادرات حوالي 12 في المائة من إجمالي السعرات الحرارية المتداولة في العالم.
اضطرابات
بحسب مؤشر الأمن الغذائي العالمي، يتعرض أكثر من 460 ألف شخص في الصومال واليمن وجنوب السودان لظروف المجاعة، وهذه هي مرحلة ما قبل الإعلان عن حدوث مجاعة في منطقة ما، حسب “رويترز”.
وتعتمد الصومال على روسيا وأوكرانيا في أكثر من 90 بالمئة من وارداتها من القمح، وتزيد النزاعات الداخلية من تعقيد وصول الغذاء إلى المحتاجين، وفقا لواشنطن بوست.
وتقع الصومال ضمن “فئة التأهب القصوى للأمم المتحدة”، حيث يتم “تحديد أو توقع تعرض بعض السكان للجوع أو الموت”، وقد يواجه أكثر من 80 ألف شخص في الصومال هذه الظروف هذا العام، وفقا لـ”توقعات الأمم المتحدة”.
وفي الصومال تتشابك تداعيات الحرب في أوكرانيا مع النزاعات المسلحة من جانب وموجات الجفاف من جانب أخر، مخلفة “مجاعات وأزمات غذاء طاحنة”، وفقا لرأي غادة موسى.
ويستورد اليمن، البالغ عدد سكانه 30 مليون نسمة تقريبا، أغلب غذائه، وخفض برنامج الغذاء العالمي، الأحد، الدعم المقدم للشعب اليمني، ما يجعل المساعدة متاحة لنحو 1.8 مليون شخص فقط، وفقا لرويترز.
وفي اليمن، كان برنامج الغذاء العالمي يوفر بالفعل الغذاء لـ 13 مليون شخص، حيث أدت حرب أهلية طويلة إلى “ارتفاع أسعار الغذاء والوقود وتسببت في أزمة جوع واسعة النطاق”، وفقا للواشنطن بوست.
وتعليقا على ذلك، تشير غادة موسى إلى “تأثير عميق لطول أمد الحرب في أوكرانيا على اليمن”، لأنه يشهد نزاعات مسلحة ويعتمد على معونات الهيئات والمنظمات الدولية.
فيما يصف الديب الصومال واليمن بـ”الدول الرخوة”، التي تعاني أزمات سياسية واجتماعية، محذرا من مغبة “انعدام الأمن الغذائي” بتلك الدول.
وتوقع الديب زيادة حدة المجاعات والأزمات الغذائية الحادة باليمن والصومال، في حال عدم تدخل المجتمع الدولي للمساعدة، مشيرا إلى تسبب ذلك في “اضطرابات وموجات من العنف والإرهاب ونزوح جماعي” ما سيؤثر على المنطقة بأسرها.
مصر
وذكر بيان لوزارة التعاون الدولي المصرية، الأربعاء، أن تمويل البنك الدولي يستهدف “تعزيز جهود الأمن الغذائي في مصر ومواجهة تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا”.
وأضاف البيان أن “المشروع الحالي يستهدف تمويل مشتريات القمح، في سبيل تعزيز قدرة الحكومة على توفير مخزون آمن”، وفقا لـ”رويترز”.
وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وكانت القاهرة تستورد من موسكو وكييف أكثر من 80 في المائة من واردات القمح للبلاد قبل الحرب.
ويعد الخبز العمود الفقري للنظام الغذائي في مصر، وتقدم الحكومة الخبر المدعم لأكثر من 70 مليون من سكان مصر البالغ عددهم 102 مليون نسمة تقريبا.
وحسب “واشنطن بوست”، فقد كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية من بين المشاكل الاقتصادية التي ساهمت في اندلاع ثورات الربيع العربي، عام 2011.
وفي تقرير سابق حذرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، من تداعيات أزمة الخبز في مصر، والتي قالت إنها “قد توقظ مخاوف قديمة من اضطرابات سياسية في البلاد”.
وأشارت الصحيفة إلى أن احتمال حدوث نقص في الخبز، يعد بين التحديات الأمنية الأكثر إلحاحا التي واجهتها الدولة المصرية منذ عام 2013.
ولكن وفقا لرأي الديب فإن مصر “بعيدة تمام عن وقوع أزمة غذائية” لكنها تحتاج لمضاعفة الجهود لزيادة إنتاجية القمح والحبوب، وأن تعيد ترتيب أولويات السياسات الزراعية، بهدف الحفاظ على الأمن الغذائي”.
واتخذت مصر بالفعل خطوات استباقية لمواجهة أي تهديد مرتقب لأمنها الغذائي، من خلال التوسع الرأسي والأفقي في الزراعة بمشروعات مثل الدلتا الجديدة ومشروع المليون ونصف مليون فدان، حسب الديب.
وأضاف أن القاهرة لجأت لتدشين صوامع جديدة لحفظ الغلال، من أجل توفير احتياطي استراتيجي يزيد عن 6 أشهر من القمح، وتوجهت للتعاقد مع دول بديلة لروسيا وأوكرانيا من أجل استيراد القمح.
وفي عام 2016، شكل البرلمان المصري لجنة تقصى الحقائق لبحث مشكلات توريدات القمح وإدارة الصوامع، وكشف تقرير اللجنة “سوء إدارة عمليات التخزين للقمح في عدد كبير من الصوامع، بالإضافة لمشكلات في التوريد”، وفقا لموقع “البوابة نيوز” المصري.
وعن ذلك قالت غادة موسى إن “اللجنة أوصت بإنتاج 65 في المئة من احتياجات مصر من القمح، وزيادة الرقعة المزروعة من القمح إلى 3.42 مليون فدان حتى فبراير 2022″، لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن.
وستدفع الحرب في أوكرانيا إلى إعادة النظر في توسيع الرقعة الزراعية للقمح خلال السنوات القادمة في مصر، لتحقيق الاكتفاء الذاتي لدولة تستورد حوالي 6 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي من القمح، حسب رأي موسى.
لكن موسى تشير إلى “مشكلة حقيقية” تتعلق بتأثير طول أمد الحرب في أوكرانيا على امدادات القمح لحين “تحقيق مصر للاكتفاء الذاتي منه”.
تونس
وجاء قرض البنك الدولي من أجل “تقليل أثر حرب أوكرانيا على تونس، وفقا لبيان “البنك المركزي التونسي”.
لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك، فتونس تواجه معضلة اقتصادية حادة، وتعاني البلاد من أزمة مالية تسببت في بعض الأحيان في بقاء شحنات القمح راسية في الموانئ لأسابيع بسبب عدم القدرة على الدفع.
ويعاني خُمس القوة العاملة في تونس البطالة وزادت نسبة الفقر إلى أعلى مما كانت عليه قبل انتفاضات الربيع العربي، وسجل التضخم مستوى قياسيا بلغ 7.8 بالمئة، وفقا لرويترز.
وأضرت جائحة كورونا بقطاع السياحة الحيوي، قبل أن تتسبب حرب أوكرانيا في زيادة أسعار الوقود والغذاء، مما أدى إلى تفاقم الضغوط المالية على المواطن.
وتأمل الحكومة التونسية في الحصول على قرض حجمه أربعة مليارات دولار من خلال محادثات من المقرر أن تبدأ في غضون أسابيع مع صندوق النقد الدولي، وذلك مقابل إصلاحات تشمل تجميد الأجور.
وتحصل تونس على ما يزيد عن 60 في المئة من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، وتعاني في الوقت ذاته من نقص في السيولة المالية، ولذلك فهي تعاني أزمة غذائية، وفقا لعبد النبي عبد المطلب.
وتعاني تونس من مشكلات مشابهة لمصر فيما يتعلق بنقص الحبوب والاعتماد على رغيف الخبر، الذي يمثل المصدر الأول للغذاء للشعب التونسي، ويستنزف الاستيراد مليارات الدولارات من الموازنة العامة للبلاد، حسب الديب.
أما غادة موسى، فترفض مقارنة المشكلة الغذائية في مصر بنظيراتها في تونس “لتباين حجم السكان والعادات الغذائية والأفضلية في استهلاك المواد الغذائية، بالإضافة للظروف الاقتصادية”.
لكنها تشير إلى “بعض التشابهات في تداعيات أحداث ثورات الربيع العربي على سياسات الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية وفي مقدمتها القمح والذرة خلال السنوات الماضية”.
دول أخرى تعاني
الحرب أضرت بغالبية الدول العربية، لأن فاتورة استيراد الغذاء أصبحت مرهقة، وهناك دول بالفعل على حافة أزمة غذاء حادة مثل لبنان التي تستورد 80 في المئة من حاجاتها من القمح والحبوب من الخارج، وفقا للديب.
ويغرق الاقتصاد اللبناني سريعا، فقد فقدت العملة المحلية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها ويعيش نحو 80 بالمئة من السكان تحت خط الفقر.
وليس هناك الكثير من الوقت ولا الدولارات لتضييعها، فقد أدى الإنفاق على الدعم وعلى ضخ سيولة لدعم الليرة اللبنانية إلى تراجع احتياطيات البلاد من العملة الصعبة من أكثر من 30 مليار دولار في 2019 إلى 11 مليار دولار اليوم وفقا لحاكم المصرف المركزي.
ويعاني العراق كذلك من تداعيات الحرب في أوكرانيا بالإضافة إلى “موجة غير مسبوقة من الجفاف” الذي تسبب في تصحر جزء كبير من الرقعة الزراعية بالبلاد، وفقا لفرانس برس.
وبلغ عدد الأشخاص الذين يعانون من مستويات استهلاك الغذاء غير الكافية قرابة الـ 2 مليون فرد، بينما يوجد حوالي 2.5 مليون شخص يستعملون استراتيجيات تأقلم مبنية على الاستهلاك، كالاعتماد على الأطعمة الأوطأ كلفة أو اقتراض الطعام، وفقا لبرنامج الغذاء العالمي.
بحلول نهاية مارس، ارتفعت أسعار الزيت النباتي بنسبة 22 في خلال شهر واحد فقط، ووصلت الزيادة السنوية لنسبة 36 في المئة، كما ارتفع معدل سعر “دقيق الحنطة” بنحو 8 في المئة، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الرسمية العراقية “واع”.
وأعلنت وزارة الزراعة العراقية، الجمعة، أن 55% من المساحة الكلية للعراق مهددة بالتصحر.
وقالت مدير عام دائرة الغابات ومكافحة التصحر في وزارة الزراعة، راوية مزعل، لـ”واع” إن “القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني يعتمد على الماء باعتباره العامل المحدد الرئيس للعمليات الزراعية وزيادة الانتاج”، لافتة إلى أن “انحسار الأمطار للموسم الشتوي 2021، وانخفاض إطلاقات المياه من دول المنبع أدى إلى تقليل الخطة الزراعية وبالتالي تصحر هذه الأراضي بسبب انعدام إنتاجيتها”.
ولفتت إلى أن “مساحة الأراضي المتصحرة تبلغ ما يقارب 27 مليون دونم أي ما يعادل تقريباً 15% من مساحة البلد”، منبهة بأن “ما يقارب 55% من مساحة العراق تعد أراضي مهددة بالتصحر”.
ويشير عبدالنبي عبدالمطلب، إلى دول عربية أخرى “مهددة بالجوع وانعدام الأمن الغذائي مثل السودان، التي قال إنها تعاني اضطرابات سياسية واجتماعية وتعتمد في الوقت ذاته على استيراد ما يزيد عن 60 في المئة من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا.
ورغم أن عوائد البترول قد تجعل دول الخليج في مأمن من المجاعات أو سوء التغذية أو شح الغذاء، لكن ذلك لا يمنع وجود الخطر “إذا قررت الدول المنتجة الحبوب وقف التصدير”، وفقا لعبد النبي.
وتعليقا على ذلك تقول غادة موسى “نحن أمام مشهد اقتصادي له تداعيات سياسية وخيمة لأن معظم الدول العربية تستورد القمح من روسيا وأوكرانيا”.
تلك الوقائع تطرح سؤالا هو الأهم.. ما تداعيات تلك الأزمة الغذائية المرتقبة على الدول العربية.. سياسيا واجتماعيا؟
مخاوف إضافية
جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتدق “ناقوس الخطر”، بشأن الحاجة الماسة لتحقيق اكتفاء عربي ذاتي حتى لا تتعرض بعض الدول العربية إلى “هزات كبرى ينتج عنها اضطرابات سياسية واجتماعية”، حسب رأي الديب.
فيما تحدث عبدالنبي عبدالمطلب، عن تداعيات طول أمد الحرب في أوكرانيا على الدول العربية، والتي ستؤدى إلى “زيادة عدد الأفراد المهددين بالجوع” في اليمن وسوريا والصومال ومصر وتونس والمغرب، وتزيد “نفقات دول الخليج الموجهة للغذاء”.
وحذر من تسبب ذلك في ” عدم استقرار سياسي” بعدد من الدول العربية، مشددا على أهمية وجود “تعاون عربي لتوفير المحاصيل الزراعية” لتجنب المخاطر.
وتمتلك دول عربية أراضي شاسعة صالحة للزراعة، بينما تمتلك دول الخليج رؤوس الأموال اللازمة لاستصلاح وزراعة تلك الأراضي، فيما تمتلك دول أخرى كمصر والجزائر العمالة المدربة رخيصة الثمن، وهو ما يتيح “التكامل الاقتصادي في ملف الغذاء”، وفقا للديب.