سراج الدين الصعيدي
كاتب مصري
ما زالت السعودية والإمارات تواجهان ضغوطاً دولية لزيادة ضخ النفط في السوق العالمية، بعد العجز العالمي الذي خلفته العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، لمنع ارتفاعات جديدة متوقعة في أسعاره قد تصل إلى (140) دولاراً للبرميل الواحد.
ورغم أنّ السعودية والإمارات هما الدولتان الوحيدتان من البلدان المنتجة للنفط، إضافة إلى روسيا، اللتان تمتلكان فائضاً نفطياً له القدرة على تعويض النقص في السوق للحفاظ على مستوى محدد من أسعاره في السوق العالمية، وإمكانية استثمار هذه الميزات سياسياً، إلا أنّهما تحافظان على بنود اتفاق “أوبك بلاس” الذي يحدد الكمية التي يجب طرحها في الأسواق.
ورغم إغلاق الملف والتوقف عن الحديث حوله، بعد فشل الجهود الدولية بإقناع السعودية والإمارات لتغيير موقفهما، وتعويض النقص في الأسواق من المنتجات النفطية، واحتمالية أن تأخذ المسألة حيزاً كبيراً خلال زيارة بايدن إلى السعودية الشهر الجاري، إلا أنّ حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرئيس الأمريكي أعاد الموضوع إلى الواجهة.
وقد صدم ماكرون بايدن، ومعه أسواق النفط، عندما تسربت محادثة بينهما تشير إلى أنّ الإمارات تنتج النفط بطاقتها القصوى، وأنّ أقصى ما يمكن أن توفّره السعودية للسوق بشكل إضافي هو زيادة (150) ألف برميل يومياً، وفق ما أوردت وكالة “رويترز”.
وقال ماكرون: “إنّ رئيس دولة الإمارات العربية الشيخ محمد بن زايد أبلغه بأنّ السعودية ودولة الإمارات -وهما منتجان رئيسيان للنفط في أوبك- يمكنهما بالكاد زيادة إنتاج النفط الخام.
وقد سُمع ماكرون وهو يقول للرئيس الأمريكي جو بايدن، على هامش قمّة مجموعة الدول الـ7 الكبرى في ألمانيا: “أجريت اتصالاً هاتفياً مع محمد بن زايد”.
وقال ماكرون: “هو أبلغني بشيئين؛ أنا عند (الطاقة الإنتاجية) القصوى…، ثم قال: إنّ السعوديين يمكنهم زيادة الإنتاج بمقدار (150) ألف برميل يومياً، وربما أكثر قليلاً، لكنّهم ليس لديهم قدرات ضخمة”.
ماكرون يصدم بايدن في محادثة أكد فيها أنّ الإمارات تنتج النفط بطاقتها القصوى، وأنّ أقصى ما يمكن أن توفّره السعودية هو زيادة (150) ألف برميل يومياً
في السياق ذاته، قال وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل المزروعي: إنّ سقف إنتاج بلاده من النفط حالياً “قريب من سقف الإنتاج المرجعي للدولة”، وفق اتفاق “أوبك بلس”.
وكتب الوزير في تغريدة عبر تويتر: “تعليقاً على ما يتم تداوله مؤخراً عن مستوى إنتاج دولة الإمارات، نود التوضيح أنّ إنتاج دولة الإمارات الحالي قريب من سقف الإنتاج المرجعي للدولة في اتفاقية +OPEC، وهو (3.168) ملايين برميل يومياً”.
وأكد: إنّ “التزامنا قائم بهذا السقف إلى نهاية الاتفاقية”.
وفي تصريح سابق، أكد المزروعي التزام بلاده باتفاق “أوبك بلس” وآليته الحالية لتعديل الإنتاج الشهري، حسب تصريح أدلى به لوكالة الأنباء الرسمية “وام”.
وبحسب ما أوردته صحيفة “العرب” اللندنية، فقد قفزت أسعار النفط الخام فور تسرب معلومة “الطاقة القصوى” بحدود (3) دولارات، لتصل إلى (116) دولاراً للبرميل.
وكان تحالف “أوبك بلس” قد اتفق على زيادة الإنتاج بأكثر من المتوقع، بداية من حزيران (يونيو) الجاري، لتكون الزيادة بمقدار (648) ألف برميل يومياً في تموز (يوليو) المقبل، ومثلها في آب (أغسطس)، وذلك بعد أن تعهد سابقاً بزيادة الإنتاج بمقدار (432) ألف برميل يومياً، وفق “سي إن إن”.
ومن المنتظر أن يناقش بايدن هذه المسألة خلال الزيارة التي سيقوم بها إلى السعودية في تموز (يوليو) المقبل، في حين أعلن الإليزيه أنّ ماكرون “على اتصال” مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وكذلك مع رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد.
وزير الطاقة الإماراتي: سقف إنتاج بلاده من النفط حالياً “قريب من سقف الإنتاج المرجعي للدولة” وفق اتفاق “أوبك بلس”
ولعدم استجابة الرياض لدعوات واشنطن التي أخذت طابع الضغط في بعض الأحيان، لجأت الإدارة الأمريكية إلى ما يشبه الوساطة عبر شخصيات على صلة جيدة بالقيادة السعودية، مثل رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، الذي فشل في 16 آذار (مارس) الماضي في محاولة إقناع السعودية بزيادة ضخ النفط في الأسواق العالمية، والتأثير على دول أخرى في هذا الاتجاه، بينها دولة الإمارات.
وأظهرت أرقام المبادرة المشتركة للبيانات النفطية “جودي”، صعود صادرات السعودية من النفط الخام بنسبة 4.4% على أساس شهري، في شباط (فبراير) الماضي، لأعلى مستوى منذ نيسان (أبريل) 2020.
وبلغت صادرات المملكة نحو (7.307) ملايين برميل يومياً في شباط (فبراير) الماضي، مقابل (6.996) ملايين برميل يومياً في كانون الثاني (يناير) السابق له.
والشهر الماضي قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان: إنّ بلاده تعمل على رفع مستوى الطاقة الإنتاجية القصوى بين (13.2) مليون برميل و(13.4) مليون برميل يومياً، بنهاية 2026 وبداية 2027.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية القصوى للسعودية (12) مليون برميل يومياً في الوقت الحالي، تنتج منها نحو (10.4) ملايين برميل، ويتم تصدير أقل من (7) ملايين برميل منها كأكبر مصدّر نفط في العالم، حسبما نقلت وكالة الأنباء السعودية منتصف أيار (مايو) 2022.
وما تزال علاقة الإدارة الأمريكية بكلٍّ من السعودية والإمارات محكومة بمواقف واشنطن من قضايا تتعلق بالأمن القومي للبلدين الخليجيين، بينما تحاول إدارة بايدن ممارسة المزيد من الضغوط وفرض استجابتهما دون أن تتقدم خطوة إلى الأمام، سواء فيما يتعلق بمفاوضات الملف النووي الإيراني الذي تبدو إدارة بايدن تسعى لتقديم المزيد من التنازلات فيه، في مقابل موافقة طهران على توقيع اتفاق جديد، أو ما يتعلق بتصنيف جماعة الحوثي اليمنية مرة أخرى على “لائحة الإرهاب”، بعد أن أزالتها إدارة بايدن مطلع العام الماضي، رغم مواصلة جماعة الحوثي شنّ عملياتها الإرهابية ضد السعودية، واستهداف أعيان مدنية ومنشآت اقتصادية، وهو ما لا يتفق مع رؤية الرياض وأبو ظبي، وفق ما أوردت وكالة الأناضول في تقرير لها.
ويُنظر إلى السعودية والإمارات على أنّهما البلدان الوحيدان في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وفي العالم، اللذان ما زال لديهما طاقة إنتاجية فائضة، وقد يساعدان في زيادة الإمدادات العالمية.
المصدر : حفريات