*محمد البكري
بصرف النظر عما يستخدمه حسين الوادعي في بعض كتاباته من تعميمات قد لا تكون دقيقة أو موضوعية. وبصرف النظر عما تذهب إليه بعض صيغه من وثوقية ومن منبرية.
وبصرف النظر عما قد يذهب إليه في بعض كتاباته من حجاج ينتصر فيه للماقبليات والأحكام المسبقة؛ بصرف النظر عن ذلك كله وما قد يكون من تحفظات في بعض النقاش المدرسي على قضايا هي أعمق من أن تطرح كرؤى ناجزة، أو أن تعرض كظواهر عابرة للزمان والمكان؛ متعالية على جدل الفكر مع الواقع، ونشاط المعنى في سياق تاريخي.
بصرف النظر عن كل ذلك يقتضي الإنصاف الإشارة إلى ما يقوم به هذا الكاتب المثابر على امتداد عقودٍ من تثوير للفكر ومن محاولات إعادة نظر في حياتنا التي نتدافع فيها بقوة المُسلَّمات إلى الحد الذي نلغي فيه إمكانيات استعمال عقولنا أو تجديد أدواتنا في فهم الحياة.
إن ما يفعله حسين الوادعي بصبرٍ ودأبٍ يستحق الثناء والانتباه إليه والتنبيه عليه، فهو يثير الركود، ويكاد وحده من يلفت النظر إلى أن في بلدنا من يحاول أن يجعل الفكر مدخلا لتغيير الواقع، ويقدِّم نموذجا للكاتب المُدرك لدور المعرفة في أن تبني وتراكم شروطا موضوعية للتغيير وإنْ كان مثل هذا الرهان لا تظهر ثمرته بسرعة. وسيأتي اليوم الذي يُشار فيه إلى أن كاتبا مستنيرا اسمه حسين الوادعي، ظل وحده يوقد شمعةً في مواجهة الظلام.
في السياق ذاته من الملاحظ أن كثيرا من التعليقات على ما يكتبه حسين الوادعي لا تنظر فيما قيل، وإنما تذهب إلى تقويل الكاتب ما لم يقله، وتعمل على التفتيش في النوايا، وبعضها ينشط في استسهال الشتيمة والتهجم والتجني، ويغلب عليها التحريض والتعريض والتبخيس، بما في ذلك تعليقات يدَّعي أصحابها حرصهم على الدين وسماحة الإسلام التي لا يتمثَّلون مزعومها في نقاشاتهم وتعليقاتهم مع المغاير والمختلف، وهم لا يحاورون ولا يناقشون ولا يقدمون حججا تحترم الاختلاف ولا يملكون غير توجيه التهم لشخص الكاتب، وإظهار غوغائيتهم في مصفوفات من الجمل المنتفخة الأوداج والعبارات المتشدقة بالغيرة على الدين.
ومن أسوأ ما يجري في هذا المضمار المكتظ بالزعيق والنعيق أن بعض أولئك من المشتغلين بالثقافة أو المحسوبين عليها، وهم بدلا من مناقشة ما يكتبه الرجل، يذهبون إلى الإساءة إليه في شخصه سواء باتهامه بالعمالة أو اتهامه بالسلالية أو اتهامه بتكرار أفكارٍ سبقه إليها آخرون، وكل ذلك في مجمله يصب في محاولة التقليل من جهد الرجل.
بالمقابل في مواجهة كل ذلك يُبدي الكاتب حسين الوادعي ترفعا وسموا أخلاقيا، فهو لا يرد ولا يشتبك مع أولئك الغوغائين على تفاوت درجاتهم وذرائعهم، ويُقدِّم درسا آخر في تقبُّل الآخر حتى وإن كان هذا الآخر يفتقر لاحترام أدب الاختلاف.
من اللافت أن بعض ما يجري من تأييد لكتابات حسين الوادعي يُجانس في منطوقاته من يؤلبون عليه، ولا يقلُّ غوغائيةً عنهم؛ فباعث التأييد يأخذ شكلا من أشكال الهجوم على الآخر، ولا يذهب إلى نقاش ما يطرحه الكاتب ومحاورته وبسط النظر في حيثياته ومنطوقاته؛ لتوسيع رقعة الفهم، وإظهار التفاعل الفكري بحيث يكون النقاش حول أفكار الكاتب مجالا لتعلُّم منهجية تفكير أو للتدرُّب على بناء جهاز مفاهيم أو تغيير أفق التلقي، أو مساءلة المحفوظات وإعادة النظر في سردية الموروث…إلخ. حتى يكون ذلك في خلاصته توطينا للتفكير النقدي، وتمكينا لقيم الاختلاف والتعايش، وتعزيزا لمسؤولية الكلمة، واحتراما لعقل المُتلقي.