كريتر نت – متابعات
تحولت الأحداث السياسية في سريلانكا إلى مركز اهتمام لعدد كبير من الحسابات الشخصية والعامة على مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لجماعة الإخوان، وتعمد إعلامها الفضائي تسليط الأضواء على التظاهرات التي أدت إلى سقوط الرئيس غوتابايا راجاباكسا والتركيز على مشاهد اقتحام القصر الرئاسي ومقر رئيس الوزراء.
وداعبت احتجاجات سريلانكا خيال الإخوان بشأن إمكانية تكرارها في أماكن أخرى، استنادا إلى أن الأزمة الاقتصادية الحادة كانت سببا في التظاهرات العارمة، معتقدة أن الأزمة الراهنة في مصر يمكن أن تقود إلى مصير مشابه.
وبدا أن الجماعة اختزلت الانفجار في البعد الاقتصادي فقط متجاهلة دور أحزاب المعارضة هناك ووجود أبعاد سياسية واجتماعية وأمنية أسهمت في اشتعال النيران.
وقام اليوتيوبر الإخواني عبدالله الشريف ببث فيديو مساء الخميس وضع فيه بعض المقارنات التي توحي بالتشابه بين سياسات رئيس سريلانكا المعزول راجاباكسا والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، من حيث الجذور العسكرية لكليهما، واللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وارتفاع أسعار الكثير من السلع الرئيسية.
وجدت الجماعة ضالتها في نموذج سريلانكا وراودها حلم تكرار ما جرى هناك في القاهرة بعد أن فقدت أدواتها السياسية والأمنية والاجتماعية في الضغط على النظام المصري وحض المواطنين على الخروج للتظاهر على مدار الأعوام التسعة الماضية.
وانتقى عبدالله الشريف وغيره من الناشطين على منصات التواصل ملفات تشير إلى أن مصر تسير على نفس طريق سريلانكا بالتركيز على الأوضاع الاقتصادية كمؤشر يخدم الرؤية المتشائمة للحالة المصرية التي بدأت تثير مخاوف معارضين آخرين من خارج دائرة الإخوان، عبروا عن هواجسهم علنا بسبب تعقيدات الأزمة الاقتصادية.
وحذر الكاتب الناصري عبدالله السناوي في مقال نشرته له صحيفة الشروق، الخميس، بعنوان “الأزمات الاقتصادية وأثمانها.. حديث الوثائق” من مغبة القروض في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك عقب مضي سنوات قليلة في الحكم والضغوط السياسية التي تعرض لها من قبل الحكومة البريطانية في عهد رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر.
واكتفى السناوي بإشارات محددة من تجربة مبارك كشفت عنها الوثائق البريطانية مؤخرا، بما يفيد بعدم استبعاد تعرض الرئيس السيسي لضغوط سياسية مقابل تخفيف قبضة الديون الخارجية وما تحمله من أعباء على القاهرة الفترة المقبلة.
وجاء تركيز الإخوان والمعارضة عموما على المخاطر التي تنطوي عليها الأزمة الاقتصادية وتوابعها الاجتماعية في خضم إشارات تضمنتها تصريحات على لسان مسؤولين وخبراء في مصر حذرت من تفاقمها في ظل تزايد أعباء الديون الخارجية.
منح نموذج سريلانكا قوة دفع غير متوقعة للجماعة بعد أن أخفق خطابها التقليدي القائم على تبني المظلومية في هز أركان النظام المصري، وعلى العكس تعرض هيكل الجماعة للكثير من الخسائر في الفترة الماضية، أفضت إلى تراجع الدعم المادي والمعنوي الموجه لها من قبل قوى إقليمية ودولية رأت أنها فشلت في إحداث حراك داخل مصر.
وتحسنت علاقات مصر السياسية مع كل من قطر وتركيا، وهما من أكبر الداعمين لجماعة الإخوان، ما تسبب في تقويض المساحة التي كانت تتحرك من خلالها كوادرها، واللجوء إلى أماكن أخرى لمواصلة معارضة النظام المصري.
يقول مراقبون إن الاستثمار في أحداث سريلانكا لن يكون مجديا سياسيا لأن النظام المصري لا ينكر أزمات زيادة الأسعار وروافدها ويعمل على تخفيفها من خلال برامج متعددة للحماية الاجتماعية موجهة إلى محدودي الدخل، ويحاول فتح أبواب الاستثمار بموازاة القروض كي يحدث توازنا يضبط الأوضاع الاقتصادية.
ويضيف المراقبون أن هامشية القوى المعارضة بما فيها الإخوان تجعلها فاقدة للتأثير المباشر على الفئات الغاضبة التي تعتقد أن تضررها الحالي ربما يكون أخف وطأة من تضررها في المستقبل إذا حدث تغيير عنيف في البلاد، خاصة وأن الرواسب السلبية لتجربة الإخوان في الحكم لا تزال ماثلة في أذهان شرائح عديدة.
ونجح النظام المصري في توظيف أخطاء جماعة الإخوان والتأكيد على أن أهدافها طائفية وليست وطنية، وقادت غالبية تصوراتها في الدول التي صعدت فيها إلى سدة الحكم أو كانت مؤثرة فيه، مثل السودان وتونس والمغرب وليبيا، إلى مشكلات مزمنة، وهددت الأمن والاستقرار فيها، وأن مصر هي الدولة التي نجحت في الفرار من فخاخ الإخوان.
ولدى شريحة كبيرة من المصريين اقتناع بأن التغيير من خلال المظاهرات لن يكون مفيدا لبلدهم الذي يتجاوز سكانه المئة مليون نسمة، وأن قدرتهم على تحمل الغلاء عالية، ولديهم قناعة بعدم الانصياع لإعلام الإخوان مهما حاول الاستعانة بتجربتي سريلانكا أو الأرجنتين للإيحاء بأن الطريقة التي يدار بها بلدهم ستؤدي به إلى مصير غامض.
وأطلق النظام المصري حوارا وطنيا قبل أيام منح أملا للمعارضة في الداخل بشأن إمكانية حدوث إصلاحات سياسية واعدة وضبط الخلل في المجال الاقتصادي كي لا تنساق وراء توجهات الإخوان التي ترى في الثورة الشعبية طريقا وحيدا للخلاص، وتتجاهل أن الثورات بمصر لا تحدث إلا إذا وفر الجيش مساندة قوية لها.
وفي الثورات الثلاث التي نجحت وأحدثت تغييرا سياسيا ملموسا في مصر، أعوام 1952 و2011 و2013، لعب الجيش دورا مهما في أحداثها، ففي الأولى كان هو المحرك الرئيسي فيها، وفي الثانية وفر غطاء قويا للملايين التي خرجت للتظاهر في الشوارع والميادين، بما مكن المواطنين من تغيير نظامي حسني مبارك والإخوان.
واستبعدت مصادر مصرية تكرار سيناريو سريلانكا في القاهرة لأن البيئة السياسية هناك كانت مهيأة والفضاء العام لا تفرض عليه قيود صارمة ولم يكن الرئيس راجاباكسا يحظى بتوافق داخل المؤسسة العسكرية التي ينحدر منها، حيث أحدثت سياساته انقساما أضعف فرصته في الدفاع عنه أمام طوفان صمم على التخلص منه.
وأوضحت المصادر لـ”العرب” أن التوجه العام في مصر ضد المظاهرات كما أن الرئيس السيسي يحظى بتوافق داخل الجيش يمكنه من التصدي لدعوات الخروج على النظام الراهن.
وما تروج له جماعة الإخوان من تململ في صفوف المؤسسة العسكرية المصرية لا أساس له من الصحة، وهي محاولة تهدف إلى تحريض الناس على الخروج للتظاهر ومؤسستهم الوطنية ستنحاز إليهم كما انحازت في المرتين السابقتين.
وتبقى بروفة سريلانكا نوعا من الأمنيات التي تداعب خيال الإخوان السياسي، لأن أي تغيير حقيقي من القمة إلى القاعدة أو العكس في مصر لن تكون للجماعة بصمة واضحة فيه بعد أن فقدت جزءا كبيرا من رصيدها السياسي والاجتماعي.
المصدر “العرب” اللندنية