هند سليمان
صحفية مصرية
على مدار عقود مضت كان التعليم هو البوابة الخلفية لتسلل جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة إرهابية في بعض الدول، إلى عقل ووجدان الكثيرين، فقد أكد الكاتب والأكاديمي سامح فوزي كبير الباحثين بمكتبة الإسكندرية، في دراسة بحثية نشرها على موقع “تريندز”، أنّ تيارات الإسلام السياسي، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، تعتبر السيطرة على وجدان الناس “معركتها الأساسية”، أمّا سلاح تلك المعركة، فهو “التعليم”.
البناء النفسي والوجداني للفرد هو السبيل الأول لتشكيل الشخصية والإرادة اجتماعياً وسياسياً، البُعد الذي ما يزال غائباً عن مناهج التعليم العربي، غير أنّ الجماعة الإرهابية التقطته ووظّفته لصالحها لتنفيذ خططها وتحقيق شعبية زائفة.
ومن الدلالات المبكرة على اهتمام جماعات الإسلام السياسي بالتعليم، كإحدى أدواتها الدعوية الأساسية، أنّ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، كان مدرّساً، وأدرك أهمية التعليم في تنشئة “الفرد المسلم” و”المجتمع المسلم”، الذي يمهد لهيمنة الجماعة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، على حدّ قول الباحث سامح فوزي.
المنهج الخفي
تُعدّ المدرسة، في الخبرة المصرية، مجالاً مؤسسياً خصباً لترويج الإيديولوجية الإسلامية، حيث يقضي الطلاب والطالبات فترة طويلة نسبياً بها، ويتشربون أسلوب التفكير، وطرائق الحياة داخلها، وتتسع دائرة تفاعلهم مع المدرس خارج حدود المدرسة، من خلال ما يُعرف بمجموعات التقوية الدراسية التي تحتضنها أيضاً جمعيات إسلامية؛ ممّا يجعل النشء الصغير بحاضنة التيار الإسلامي، في مؤسسة التعليم النظامي، وأيضاً في الدروس التعليمية غير النظامية، على حدّ تعبير الباحث.
وأوضح الباحث، في الدراسة التي جاءت بعنوان “التعليم في منطقة الصيد.. الدولة والإخوان المسلمون”، أنّ تدخل جماعة الإخوان المسلمين في العملية التعليمية أخذ صورتين؛ “الأولى هي محاولة التأثير على محتوى المناهج الدراسية، والثانية هي العمل على تطويع الحياة المدرسية بما يتماشى مع التصورات الإيديولوجية للجماعة.
ويتسق ذلك مع ما تنبّه له علماء التربية، منذ وقت مبكر، بشأن التفرقة بين المنهج الرسمي والمنهج الخفي، ويقصد بالمنهج الرسمي المواد الدراسية، وأهمها الكتاب المدرسي، أمّا المنهج الخفي، فهو الطريقة والأسلوب الذي يسود العلاقة بين المعلم والطالب، والأنشطة المدرسية الأخرى”، مرجحاً أن “يكون المنهج في إطاره الرسمي يحض على التسامح، في حين أنّ المنهج الخفي، بما يحمله من اتجاهات وسلوك ومشاعر، ينحو في اتجاه التشدد، ونشر ثقافة الكراهية والبغضاء.”
هوية المجتمع
يستخدم الإخوان المسلمون أدوات التنشئة على اختلاف صورها في تحقيق التغلغل السياسي في المجتمع، وحتى يبرروا الاستخدام الذرائعي للتعليم، اتجهوا إلى وضعه في سياق صراع الهوية في المجتمع، وفقاً للدراسة التي أشارت إلى أنّ الغرض الرئيسي للتعليم لدى جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها الإخوان، أصبح “صناعة الهوية” في المقام الأول.
الدراسة أشارت إلى أنّ الغرض الرئيسي للتعليم لدى جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها الإخوان، أصبح “صناعة الهوية”
ونقلت الدراسة عن خالد الزعفراني، القيادي الإخواني السابق تفسيره في كتابه “الإسلام هو الحل”، للاستخدام الذرائعي للتعليم في إطار رؤية الجماعة للصراع مع “الغرب المسيحي”، مشيراً إلى أنّ الغرب أبعد المسلمين عن الإسلام، وأخضع التعليم لـ”الهيمنة المسيحية”.
وزعم القيادي الإخواني أنّ تدريس “المدارس العلمانية” في بلادنا للمناهج الغربية واللغات الأجنبية زعزع عقيدة الطلاب في الإسلام.
ودعا إلى مراجعة المناهج الدراسية حتى تكون متفقة مع الإسلام، وحذف كلّ الأفكار الواردة والمستوردة من الخارج، وإحلال القيم الإسلامية محلها، ليس هذا فحسب، بل إعداد “المدرسين الأتقياء” لحمل هذه المهمة الدينية في ظل دولة تستخدم الإعلام ومؤسسات التعليم في زرع الإسلام في عقول وأفئدة الناس، وخدمة الدعوة الإسلامية.
ورأت الدراسة أنّ التعليم، وفق رؤية الزعفراني، يستند إلى أسلمة المناهج ومضمون العملية التعليمية والابتعاد عمّا سمّاه القيم الغربية، أمّا أسلوب التعليم أو ما يُسمّى “المنهج الخفي”، فلا بدّ، وفقاً للقيادي الإخواني، أن يكون إسلامياً، ممّا يستدعي أن يكون المعلم تقياً، يستطيع أن يحمل المهمة الدينية الموكولة إليه، وهي تشكيل جيل إسلامي التوجه والهوى، وفق رؤية الإخوان المسلمين.
وهكذا يتضح أنّ التعليم هو أداة جماعة الإخوان المسلمين التي وضعت نفسها وكيلاً عن الدولة الإسلامية المتصوّرة في صراعها لتشكيل وجدان وعقول النشء على المبادئ الإسلامية، التي بالطبع لا مكان فيها لمعلم مختلف دينياً، ولا لمنهج علمي متطور، بدعوى تبعيته للغرب، ولا لتعددية داخل السياق التعليمي، على حدّ قول الدراسة.
وأشارت الدراسة إلى أنّ حسن البنا أنشأ معهد “دار حراء” للبنين في الطابق الأعلى لمقر الجماعة بالإسماعيلية، وعندما استقر العمل به اتجه إلى إنشاء مدرسة “أمهات المؤمنين” للفتيات، ووضع لها منهجاً إسلامياً، حسب تصور الجماعة.
التعليم في منطقة الصيد
رافق إفساح الرئيس الراحل محمد أنور السادات المجال أمام جماعة الإخوان المسلمين، والجماعات الإسلامية الأخرى، تبنّيه سياسة الانفتاح الاقتصادي؛ ممّا شجع القطاع الخاص “الإسلامي” على العمل في مجالات عدة، على حدّ وصف الدراسة، التي قالت إنّه “من هنا دخل التعليم ما يمكن أن نطلق عليه *منطقة الصيد*، أي صراع أطراف عديدة من أجل الاستحواذ والهيمنة عليه، وتحقيق الكسب المادي.”
البناء النفسي والوجداني للفرد هو السبيل الأول لتشكيل الشخصية والإرادة، البُعد الذي ما يزال غائباً عن مناهج التعليم العربي
كان جُلّ نشاط الجماعات الإسلامية في الجامعات في هذه المرحلة، أي مؤسسة التعليم العالي، بهدف تقليم أظافر الشيوعيين والناصريين الذين كانوا يؤرقون الرئيس السادات، وفي الوقت نفسه اتجهت البرجوازية “الإسلامية” الصاعدة، إن صح التعبير، إلى الاستثمار في مجال التعليم ما قبل الجامعي، أي المدارس، وفقاً لكبير باحثي مكتبة الإسكندرية، الذي أشار إلى أنّه “انطلاقاً من هذا، ظهر العديد من المدارس والحضانات الإسلامية، التي دشنت ما يُسمّى النموذج الإسلامي في التعليم، حتى قبل التحاق الطفل بالتعليم النظامي.
واهتم عمر التلمساني، مرشد الإخوان المسلمين في ذلك الحين، بإنشاء المدارس التابعة للإخوان، فبدأها بمدارس المنارات الإسلامية، وظهرت تباعاً مدارس إسلامية عديدة؛ مثل الجيل المسلم، والدعوة الإسلامية والتربية الإسلامية، والرضوان، والمدينة المنورة، وأمجاد، والفتح الإسلامي، والزهراء، وغيرها من المدارس التي نشأت في القاهرة والإسكندرية ومحافظات الوجه البحري، التي أسستها شخصيات تابعة للإخوان مباشرة، أو جمعيات أهلية أنشأتها الجماعة”.
وتبنت هذه المدارس مجموعة من الاتجاهات المتشددة والطائفية، من خلال فرض الحجاب على الأطفال، وحظر التحاق التلاميذ المسيحيين بها، والتحذير من التعامل معهم، وتكثيف الدروس الدينية والأناشيد الإخوانية الحماسية، والصلاة الجماعية في فناء المدرسة، ومنع الاختلاط بين الجنسين، حتى في مراحل التعليم الابتدائي، والاستعاضة بالأناشيد الإسلامية بدلاً من النشيد الوطني، مثل “بلادي بلادي… سأرويكِ حين الظما بالدم… وربِّ العقيدة لن تُهزمي… ومَن أكمل الدين للمسلمين… سنحمي الجبالَ وتلك التلال… ويحيا الجهادُ، وبه يكتب النصر للمسلمين”، بحسب الدراسة.
غزو تعليمي
محاولات جماعة الإخوان المسلمين لفرض نمطها التعليمي الخاص لم تقف عند الحجاب والنشيد وعدم الاختلاط ومنع الأطفال المسيحيين من الالتحاق بالحضانات والمدارس الإسلامية التابعة، بل امتدت إلى المناهج، فقد اتجهت المدارس والحضانات التابعة للجماعة إلى تدريس “مناهج إسلامية إضافية”، وفقاً للدراسة، التي أشارت إلى أنّ اللافت أنّ هذه المناهج حصلت على إذن رسمي بالتداول من وزارة التربية والتعليم في فترة من الفترات.
وفي هذا السياق، لفتت الدراسة إلى كتابين كليهما من إصدار “دار سفير”، وهي دار تملكها قيادات إخوانية، ومتخصصة في نشر المطبوعات الإسلامية عامة، والمعبِّرة عن إيديولوجية الجماعة بصفة خاصة.
المصدر حفريات