فاروق يوسف
أكدت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلىى الشرق الأوسط ما كان المحللون قد ذهبوا إليه من أن اتفاقا نوويا لن يُوقع مع إيران ما لم توافق عليه المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
لن تضحي الولايات المتحدة بحليفيها الرئيسيين في المنطقة من أجل استرضاء دولة الولي الفقيه.
تلك حقيقة غير قابلة للجدل.
وهو ما سيعيد شيئا من الاطمئنان إلى الدولتين بعد أن اهتزت الثقة بالإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.
مبدئيا فإن علاقة سوية بين الولايات المتحدة وإيران لن تقوم يوما ما.
لا بسبب اختلاف في المصالح بل لأن الشرق الأوسط بدوله لن تقوم له قائمة إذا ركنت إيران المخاوف الأميركية جانبا وصارت تعتبر نفسها الصانع الوحيد للاحداث في المنطقة.
وعلى المستوى نفسه فإن الولايات المتحدة ستكون في حاجة دائمة لاستقرار الأوضاع النفسية في السعودية وإسرائيل بحيث لا يشعر شعبا البلدين بأن هناك قوة في إمكانها أن تنتزع السلام منهما وتتحكم بمصيرهما وتفرض عليهما نوعا من الوصاية الخفية.
الولايات المتحدة باعتبارها الدولة الأكثر تغلغلا في المنطقة مسؤولة عن الحفاظ على نوع من التوازن في منطقة معرضة للهزات طالما بقي النظام الإيراني ممسكا برايات اختلافه العقائدي باعتبارها واجهته في الحوار مع دول المنطقة.
الولايات المتحدة لن تكون حليفة لإيران التي لن تكون صديقة للولايات المتحدة حتى وأن وجدت إسرائيل أن مصلحتها تقوم على شعور العرب بالخوف من عدو بديل ؛ وهو ما صار واقعا.
فإيران لا تمانع في أن تلعب دور العدو البديل.
لكن ذلك لن يسمح لإيران بأن تلعب دور شرطي المنطقة وأن تبقى مهيمنة على ثلاث دول فيها.
ما صار واضحا أن الولايات المتحدة تباطأت كثيرا في معالجة المسألة الإيرانية.
وليس الاتفاق النووي بكل أشكاله حلا لتلك المسألة التي باتت تؤرق دولا كثيرة، بضمنها إسرائيل.
فحتى لو تم التوقيع على إتفاق نووي جديد بشروط ثقيلة على إيران، فإن ذلك لن يكون نافعا على المدى المستقبلي ما لم ترافق ذلك التوقيع إجراءات دولية تضع حدا لسياسة إيران التوسعية في المنطقة.
وهو ما يعني بشكل محدد ودقيق إنهاء الأوضاع الشائكة والملتبسة في العراق واليمن ولبنان التي تلعب إيران دورا مركزيا فيها.
ربما سيكون على دول المنطقة أن تواجه إسرائيل بحقيقة الموقف المزدوج الذي تتخذه في مواجهة المسألة الإيرانية.
فهي من جهة تطالب بضمانات اميركية تضع من خلالها حدا لأي خطر إيراني وهي من جهة أخرى لا تنظر إلى الخطر الذي تمثله السياسات الإيرانية التوسعية في المنطقة بشكل حاد، كما لو أنها لا تمانع بوجود إيراني على حدودها في لبنان وسوريا بشرط أن لا يشكل ذلك الوجود تهديدا لها.
ذلك تعامل نظري ينطوي على الكثير من الاستخفاف لا يمكن القبول به عربيا ويجب أن لا يكون قاعدة للسلوك الأميركي.
لقد أنفقت الولايات المتحدة في عهد أوباما مليارات الدولارات من أجل انجاح الاتفاق النووي وكان عليها قبل أن تفعل ذلك أن تساوي بين الأطراف المتضررة من ذلك الاتفاق وحين انسحبت منه ورغبت في أن تعود ثانية إليه فإن تلك المسألة ينبغي أن تكون حاضرة في كل جزء من المفاوضات.
فما لم تخرج دول المنطقة كلها رابحة من الاتفاق فإن حصاد الولايات المتحدة سيكون صفرا وستكون إيران سيدة الموقف حتى وأن أُجبرت على تقديم تنازلات لإسرائيل بغية الحصول على تنازلات أميركية.
وكما أتوقع فإن زيارة بايدن للسعودية كانت مفصلية لكي يفهم أن إسرائيل ليست هي الهدف الإيراني.
وإذا كان قد قدم ضمانات واضحة لإسرائيل فعليه أن يقدم أكثر منها للسعودية التي لم تقف ضد سلام عادل يسود منطقة الشرق الأوسط بشرط أن لا تُمحى حقوق الفلسطينيين.
أما كان على إسرائيل أن تتحدث عن خطر إيراني في المنطقة لتكتفي بالحصول على ضمانات تخص أمنها؟ الثابت أن دولا غير مستقرة حول إسرائيل ستفقدها أمنها واستقرارها. ليس لبنان وحده حيث يهيمن عدوها حزب الله بل سوريا والعراق وحتى اليمن، فهناك باب المندب حيث تمر سفنها.
من المؤكد أن السعودية كانت أكثر وضوحا في معالجة المسألة الإيرانية مع الرئيس الأميركي وهي التي دخلت في معاناة الحوار مع إيران من غير أن تتمكن من الإمساك باللغة الإيرانية الملساء.
وهو ما سيضع الإدارة الأمريكية أمام الأمر الواقع. ذلك الواقع الذي يفيد بلا ضرورة للإتفاق النووي ما لم تتم معالجة المسألة الإيرانية.
فهل سيعود الرئيس الأميركي من جولته الشرق أوسطية بقناعة مفادها أن الاتفاق النووي قد تم تجاوزه والمطلوب أن تعيد الولايات المتحدة حساباتها في المنطقة لا من أجل أن تساعد دول المنطقة على الحفاظ على أمنها وسلامها حسب بل وأيضا من أجل أن تضمن سلامة مصالحها.
فالمستقبل لن يكون آمنا من غير أن تخسر إيران حربها ضد العالم.
لذلك فإن البرنامج النووي الإيراني يجب أن يُدمر بشكل نهائي.
تلك هي القناعة التي خرج بها بايدن من المنطقة.
نقلاً عن “ميدل إيست أونلاين”