كريتر نت – سوث24 – رعد الريمي
تشارف الهدنة الأممية في اليمن على إكمال شهرها الرابع بعد تمديدها لشهرين إضافيين حتَّى 2 أغسطس القادم وسط مساع حثيثة من الأمم المتحدة لتمديدها مرة أخرى. وعلى الرغم أنَّها مثلت اختراقا حقيقياً في جدار العنف والحرب التي تعيشها البلاد من أكثر من سبع سنوات، لم تحقّق الهدنة الكثير من بنودها، لا سيَّما من قبل الحوثيين.
ومع أنَّ الجماعة المدعومة من إيران تتبنَّى مواقف سلبية من تمديد الهدنة، يعتبر الحوثيون عملياً أكبر المستفيدين من الهدنة داخلياً حتّى الآن. لقد حصل حُكَّام صنعاء على العديد من التنازلات دون مقابل كتسيير الرحلات الجوية من مطار صنعاء، وفتح موانئ الحديدة لاستقبال سفن الغذاء والوقود.
وفي المقابل، أفشل التعنت الحوثي العديد من بنود الهدنة الأساسية مثل فتح الطرق، على الرغم من مبادرة خصومهم لفتح الطرق من جانب أحادي كما فعل المجلس الانتقالي الجنوبي في الضالع والقوات المشتركة في المخا – تعز مؤخراً.
وفي إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي، بدا المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أقل تفاؤلاً تجاه مستقبل الهدنة. لقد حذَّر الدبلوماسي السويدي من التشكيك بفوائد الهدنة ووصف ذلك بالـ “الخطر”، لكنَّه أقر بالتعقيدات التي تهدد الهدنة باستمرار وتعثر تنفيذ بنودها الأساسية. [1]
وكان غروندبرغ قد ركز خلال الأسابيع الأخيرة على محاولات التوصل لاتفاق بفتح الطرقات، لا سيما في تعز، عبر مناقشات جمعت الحوثيين والحكومة المعترف بها دولياً في العاصمة العمانية مسقط. وحتَّى الآن، يمنع موقف الحوثيين أي تقدم بهذا الشأن حيث رفضت الجماعة مقترحا لفتح تدريجي للطرق تقدم به مكتب المبعوث.
وطبقاً لوكالة رويترز، تسعى الأمم المتحدة حالياُ لتمديد الهدنة لـ 6 أشهر إضافية عبر الضغط على أطراف الصراع في اليمن. وتزامناً مع الضغط الأممي، دعا الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، إلى تمديد الهدنة لذات المدة اعتباراً من أغسطس القادم. [2]
وفي بيان خماسي مشترك [أمريكا، بريطانيا، السعودية، الإمارات، وسلطنة عمان] بشأن اليمن، الثلاثاء، أكدت الدول دعمها الهدنة ومقاربات المبعوث الأممي متعددة المسارات.
مكاسب الهدنة
لا مكاسب من الهدنة، والخاسر الوحيد منها المواطن”، قال الخبير العسكري ومستشار وزارة الدفاع اليمنية، اللواء الركن محمد الجرادي، لـ “سوث24”.
وأضاف: “لم ينفذ الحوثيون ما كان يفترض أن يكون مكاسباً حقيقية للهدنة يستفيد منها اليمنيون. لم تفتح الطرقات، لم تُدفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم من إيرادات ميناء الحديدة كما هو متفق عليه”.
وتابع الجرادي: “التحشيد العسكري من الحوثيين لم يتوقف كحال خروقاتهم. التعبئة العنصرية والطائفية لم تتوقف. لا زال المختطفون في السجون والمعتقلات والأطفال يُزج بهم في المعارك”.
وعن هذا، قال مستشار الشؤون العسكرية في مركز “سوث”24، العميد ركن ثابت حسين صالح: “من الواضح أنَّ الهدنة كانت منذُ البداية لصالح الحوثيين. لقد كسبوا واستفادوا منها سواءً عسكرياً وأمنياً وخدمياً”.
وأضاف: “الشرعية اليمنية مع الأسف الشديد لم تستفد شيئا حتى فتح بعض الطرقات في محافظة تعز وغيرها. لقد استطاع الحوثيون أن يحصروا المكاسب المرجوة من الهدنة في فتح الطرقات فقط حتى يذهبوا بالأنظار بعيداً عن المكاسب الأساسية من الهدنة ككل المرتبطة بمدى التزامهم”.
لكنَّ المحلل السياسي عزت مصطفى يرى أنَّ أطراف الصرع كلها استفادت من الهدنة.
وقال مصطفى لـ “سوث24”: “برغم من محدودية الأثر الإنساني الإيجابي من الهدنة لصالح السكان؛ إلا أنَّ أطراف الصراع – الشرعية اليمنية والحوثيين- استفادت منها بشكل مختلف”.
وأضاف: “لقد أوقفت الهدنة احتمالات نزيف الخسائر العسكرية الحوثية بعد تحرير ألوية العمالقة الجنوبية مديريات بيحان شبوة وحريب بمأرب، وأعاد الحوثيون استجماع قوتهم العسكرية لتجاوز الخسائر السريعة والقاسية”.
وتابع: “في المقابل، أعاد الصف المناهض للحوثي ترتيب بيت الشرعية من الداخل بعزل نائب الرئيس السابق علي محسن الأحمر وانتقال السلطة من الرئيس السابق هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي”.
ما بعد الهدنة
نظراً لاستغلال الحوثيين الواضح للهدنة واستمرار الاتهامات المتبادلة بالخروقات العسكرية الخطيرة للهدنة من قبل الأطراف، يظل احتمال فشل تمديد الهدنة قائماً وقوياً. وفي حال حصول ذلك، يبرز سؤال “ماذا بعد الهدنة؟”.
وحول هذا، قال اللواء الجرادي: “إذا ظلت ميليشيات الحوثي تراوغ وتماطل وتختلق المبررات الواهية كعادتها، ستنتهي الهدنة، وستعود الحرب التي من شأنها إنهاك الشعب ومضاعفة حرمانه”.
ويعتقد الجرادي أنَّ هناك “مخطط دولي لتجزئة الصراع في البلاد لصالح الحوثيين بعد الهدنة”. وأضاف: “يسعى داعمو الحوثيين من صناع القرار الدولي إلى ممارسة الضغط على الحكومة الشرعية لإبرام اتفاق عسكري في تعز مماثل لما حصل في الحديدة.”
وتابع: “الهدف من ذلك هو تجزئة مسرح المواجهة لصالح الحوثيين بحيث يتفرغون بكل قوتهم العسكرية لمعركة مأرب مع استغلال التغاضي الأممي عن الجرائم التي ترتكبها الجماعة ونقضها للاتفاقات”.
وكشف المستشار بوزارة الدفاع أنَّ “القوات الشرعية تدرك ذلك جيدا وتعمل على إعداد مفاجئات قوية تفشل أي عمل عدائي قادم من قبل الحوثيين”، لافتاً إلى أنَّه “توجد استراتيجية جديدة استعداداً للمعركة الشاملة والنهائية”.
وتوقع المحلل عزت مصطفى تجدد الحرب عقب انتهاء الهدنة دون التوصل لاتفاق تمديدها. وأضاف: “سوف تشتعل المواجهات العسكرية مجدداً. سيمثَّل ذلك الحالة الوحيدة التي يمكن من خلالها اختبار فعالية التغييرات السياسية في صف الشرعية اليمنية”.
ورأى مصطفى أنَّه “على الأرجح سيلجأ المبعوث الأممي إلى الحصول على دعم دولي لممارسة ضغوط على الأطراف لتمديد الهدنة لمرة ثالثة رغم صعوبة وعدم توفر الظروف المهيئة لتحقيق ذلك هذه المرة”.
لكنَّ العميد ثابت صالح يعتقد أنَّ “تجديد الهدنة هو احتمال أقرب وأكثر حضورا من بقية الخيارات والسيناريوهات في ظل المتغيرات السياسية ورغبة للمجتمع الدولي في تحويل هذه الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار”.
وأضاف الخبير: “ما يرجح احتمالية هذا الخيار هو عدم قدرة أي من على تحقيق حسم عسكري على الآخر”.
الباحثة المستقلة في الشؤون السياسية والاقتصادية في الخليج والشرق الأوسط، هيفاء المعشي، قرأت التصريحات الإعلامية للحوثيين في الفترة الأخيرة على أنَّها “تتضمن مؤشرات قوية باحتمال عودة المواجهات العسكرية”. [3]
وأضافت المعشي في حسابها على تويتر: “خصوصاً وأنَّ الهدنة المستمرة هي للأسف هدنة شكلية لم تتضمن حلولا متعمقة وجذرية لإنهاء الصراع ومثل تلك الثغرات لا بد وأن تقود في النهاية إلى نتائج عكسية”.
وتابعت: “كل التغييرات التي حصلت في اليمن مؤخراً هي تغييرات في الهياكل الخارجية للسلطة مما يعكس إما إهمال لملف حرب اليمن على المستويين الإقليمي والدولي أو تكتيكات متعمدة لتوجيه الصراع وجهات أخرى”.
وفي تغريدة له، قال القيادي الحوثي البارز حسين العزي إنَّ “90% من قتلى المعارك القادمة سيكونون من أبناء المناطق ذات النزعة الانفصالية” [4]. وأضاف: ” وجهة المعركة وتوجيه ثقلها الأكبر نحو جنوب البلاد وذلك بهدف تغيير موازين القوى”. [5]
وكان رئيس المجلس السياسي التابع للجماعة، مهدي المشاط، قد قال في 8 يوليو الجاري إنَّ الهدنة أصبحت “على مفترق طرق” بسبب خروقات التحالف بقيادة السعودية وخصومهم. وهدَّد المشاط بالعودة إلى العمليات العسكرية. [6]
معركة مختلفة
يرى خبراء ومحللون أنَّ ما سيفرزه انتهاء الهدنة في اليمن من واقع ومعارك يمثل اختبارا حقيقيا للقيادة الشرعية الجديدة بالبلاد ممثلة بالمجلس الرئاسي.
وحول هذا، قال المحلل السياسي عزت مصطفى: “إذا ما عادت المواجهات العسكرية مع توحد جهود القوات المناهضة للحوثيين سيفقد الحوثيون القدرة على المبادرة والمناورة لفترة طويلة”.
وأضاف: “هذا الأمر في نهاية المطاف ربما يهيئ الظروف للأمم المتحدة للتخفيف من الابتزاز السياسي الحوثي لها، وعودة عجلة العملية السياسية لتأخذ مسارا أسرع إذا ما حدثت تطورات عسكرية مهمة”.
“ستكون المعركة مع الحوثيين أكثر ضراوة بوجود المجلس الرئاسي”، قال الخبير ثابت صالح.
وأضاف: “كان الحوثيون متيقنين أنَّ الرئاسة السابقة خاملة ومهادنة وسلبية وتفيدهم أكثر مما تضرهم. لقد اختلف هذا اليوم مع المجلس الرئاسي المتكون من شخصيات التي تصادمت بشكل مباشر مع الحوثيين”.
وعن المعركة المفترضة حال انتهاء الهدنة، قال اللواء الجرادي إنَّ هذه المعركة “ستكون خاطفة ونوعية ضد الحوثيين لتأمين الممرات التجارية الدولية وحماية الاقتصاد العالمي في البحر الأحمر ومضيق باب المندب”.
وأضاف: “بلا شك شكل المجلس ضربة قاصمة لجماعة الحوثي”. وأشار المستشار بوزارة الدفاع إلى أنَّ “الوزارة تضع الخطط والبرامج القتالية ومتابعتها على أرض الواقع تمهيدا لمعركة الحسم العسكري إن ينصاع الحوثيون للسلم قولا وعملا”.
يُذكر أنَّ القوات الجنوبية كانت قد اتهمت الحوثيين بارتكاب أكثر من 486 خرقاً عسكرياً متنوعاً للهدنة خلال شهر يونيو في جبهات محافظة الضالع. وقالت القوات التابعة للمجلس الانتقالي إن هذه الخروقات أودت بحياة 6 جنود ومدني، وإصابة العشرات. [7]
كما تتهم القوات المشتركة في الساحل الغربي أيضاً الحوثيين بارتكاب عشرات الخروقات بشكل يومي [8]. كما اتهمت وكالة سبأ الحكومية الحوثيين بارتكاب 186خرقاً للهدنة في (17- 18 يوليو) في جبهات متعددة. [9]
وبالمقابل، يتهم الحوثيون أيضاً التحالف وخصومهم بارتكاب خروقات للهدنة. وزعمت وكالة سبأ التابعة للجماعة، الثلاثاء، أنَّ التحالف العربي وقوات المجلس الرئاسي ارتكبوا “172 خرقا للهدنة الإنسانية والعسكرية، خلال الـ 24 ساعة الماضية”. [10]
وفي بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية “واس”، نفى التحالف تنفيذ أي ضربات جوية في الضالع. ووصف التحالف ادعاءات الحوثيين بـ “العارية عن الصحة” مؤكداً أنَّ عملياته الجوية توقفت منذ سريان اليوم الأول للهدنة. [11]
ليس من المؤكد أن كانت الضغوط الأممية والدولية قادرة على تمديد الهدنة في اليمن، ولكن من المؤكد أنَّ أي تمديد للهدنة مع استمرار ظروفها الحالية ودون الضغط على الأطراف – لا سيما الحوثيين – لتنفيذ بنودها كافة سيفرغها من أي مضمون، ويجعل منها مجرد ترحيل للأزمات إلى وقت لاحق.
سيدفع انتهاء الهدنة مع فشل البناء عليها بعودة العمليات العسكرية بين الأطراف المتحاربة بالبلاد، وهو ما يعني مزيداً من المعاناة للسكان في جنوب اليمن وشمال اليمن في ظل الانهيار الاقتصادي الشامل الذي تعيشه البلاد.
رعد الريمي
صحفي لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات