رشا عمار
صحفية مصرية
تحدثت عدة مصادر قريبة من جماعة الإخوان مؤخراً عن رسالة متداولة، قيل إنّها خرجت من إخوان السجون في مصر، وتحديداً من المرشد العام محمد بديع، خاطب خلالها محمود حسين ومجموعته بإنهاء الصراع الراهن حول منصب القائم بأعمال المرشد العام للتنظيم، وإعلان الولاء لإبراهيم منير ومجموعته.
وبحسب المصادر وبعض الباحثين، رفض حسين الانصياع لفحوى الرسالة، إعمالاً بالقاعدة الإخوانية المعروفة بأنّه “لا ولاية لأسير”؛ لأنّ الأمر الصادر من مجموعة قيادات مكتب الإرشاد المحبوسين في مصر على ذمة قضايا إرهاب “غير مُلزم”، ولا يجب الأخذ به، متمسكين بأحقية اللجنة المُشكلة برئاسة مصطفى طلبة في إدارة شؤون التنظيم باعتبارها قائمة بأعمال المرشد.
ويحتدم الصراع في الوقت الراهن بين جبهتي لندن وإسطنبول، بعد قرارات متبادلة بين الطرفين بالفصل من الجماعة، كان آخرها البيان المنسوب إلى ما يُسمّى مجلس الشورى العام قبل أسبوع، والذي قرر فصل إبراهيم منير من عضوية التنظيم بالإضافة إلى مجموعة من قيادات الجماعة المتحالفين معه، ويصارع الطرفان في الوقت الحالي لحسم الصراع على المناصب والمال داخل الجماعة.
ما حقيقة رسالة المرشد لمبايعة منير؟
يقول الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب منير أديب: خلال الفترة الماضية حدث نوع من التواصل بين مرشد الإخوان وقيادات مكتب الإرشاد المحبوسين في مصر مع قيادات الإخوان في الخارج، وذلك من خلال بعض الأطر، وأبرزها الجلسات القضائية التي تجري خلالها محاكمة المتهمين ويسمح للبعض من ذويهم بحضورها، أو حدث ذلك التواصل خلال الزيارات الخاصة مع زوجات وأبناء هؤلاء القيادات.
وبحسب معلومات أديب، التي خص بها “حفريات”، “خرجت بعض الرسائل من إخوان السجون في غضون العام (2017)، وبعضها خلال العام الجاري، وفي آخر رسالة لمحمد بديع قبل عدة أسابيع طالب محمود حسين بمبايعة إبراهيم منير”.
وينوّه أديب إلى أنّ “هذه الرسالة قد خرجت من الوسيط، الذي يُرجح أن يكون إحدى الكوادر النسائية من عائلة بديع، مباشرة إلى محمود حسين دون أن تمر على إبراهيم منير، والسبب في ذلك هو أنّ غالبية قيادات التنظيم داخل مصر على تواصل مباشر مع محمود حسين وتدين له بالولاء، وبالتالي لم يكن هناك تواصل مباشر مع منير”.
ووفق أديب، نُقلت بعض الرسائل عن محمد بديع مسجلة، وأخرى مكتوبة، مشيراً إلى أنّ “الرسالة التي نتحدث عنها كانت شفهية، وحدثت أثناء زيارة عائلية لبديع في محبسه”.
وحول ردّ محمود حسين على هذه الرسالة، يقول أديب: “إنّه رفضها من مبدأ أنّه “لا ولاية لأسير”، وهو رأي شائع واجتهاد فقهي معروف وصلت إليه جماعات العنف والتطرف عندما كان عمر عبد الرحمن سجيناً، وكذلك الأمر مع أميري الجماعة الإسلامية عبود وطارق الزمر، قيل وقتها إنّه لا حكم لأسير أو كفيف، لإسقاط الصلاحيات عنهم، وكذلك تفعل جماعة الإخوان في الوقت الراهن إعمالاً بالمبدأ ذاته”.
وبحسب المعلومات المتداولة من داخل الجماعة، برّر حسين موقفه بأنّ المرشد العام ليس لديه علم أو اطلاع كافٍ على تفاصيل الصراع الدائر في الوقت الراهن بين جبهتي لندن وإسطنبول”.
ما أهمية الرسالة؟
يرى أديب أنّ “الصراع داخل الإخوان قد تجاوز مسألة الحسم من خلال رسالة يبعث بها المرشد العام محمد بديع من محبسه، وأنّه قد بلغ حدّ التعقيد الذي لن يسمح بوجود أيّ مخرج قريب للأزمة الراهنة”.
ويعتقد أديب أنّه “حتى في حال خروج محمد بديع نفسه من السجن وتوليه ملف الصراع، فإنّه غير قادر على حسمه؛ لأنّه أصبح خلافاً جذرياً، وباتت الاتهامات الموجهة من جانب كلّ طرف إلى الآخر لا تتعلق فقط بفكر الإخوان أو بتنظيمهم، ولكن بالدين، حيث يحاول كلّ منهم تشويه الآخر بالطعن في معتقداته الدينية، فضلاً عن عشرات الاتهامات التي تتعلق بالفساد المالي والأخلاقي”.
ويرى أديب أنّ “الصراع الحالي في جماعة الإخوان أصبح عصياً على الحل، وهو محكوم بسيناريوهات قاتمة جميعها، وسيتسبب بلا شك في تفكيك الإخوان من الداخل، بعد أن فقد التنظيم قوته المركزية وقدرته على إقناع القواعد بأيّ أفكار أو تطويعهم لخدمة مشروعه، وبالتالي فقد قدرته على التجنيد وكسب الأعضاء، ولم يعد أمامه سوى الاستسلام لحالة الانهيار التاريخي والتشظي التي لحقت به”.
طوق النجاة الضائع في صراع الإخوان
يزعم كلّ طرف من طرفي الصراع داخل الإخوان على مدار الأشهر الماضية تلقيه رسالة دعم من المرشد العام محمد بديع، يرى فيها طوق نجاة وأداة ناجزة لحسم الصراع، أو بحدٍّ أدنى حشد القواعد وإعادة ترميم القيادة المركزية، لكن من الواضح أنّ هذا الكارت أيضاً بات محروقاً ولا صلاحية له، في ضوء التصعيد الحاد بين الجبهتين، ولم تعد قواعد جماعة الإخوان كما كانت تدين “بالولاء والطاعة” للمرشد.
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الرسالة التي يتحدث عنها الإخوان ليست الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، ففي أيار (مايو) الماضي “زعم كلا المعسكرين وصول رسالة دعم وتأييد له من جانب مرشد الجماعة المتواجد في السجون المصرية محمد بديع، فقد أكدت جبهة إسطنبول تلقيها رسالة من زعيم الجبهة محمود حسين تفيد دعم المرشد لقيادته للجماعة ومطالبته له بوقف أيّ انقسام في صفوفها، وبذل كلّ الجهد لحلّ أزمة المعتقلين”، بحسب ما أفاد موقع “العربية”.
هل فقد الإخوان بوصلتهم؟
يحاول قيادات التنظيم المتناحرون، بحسب مراقبين، البحث عن مرجعية لتقنين أوضاعهم التنظيمية، بعد أن فقدوا بوصلة التحكم المركزية وانفرط عقد الجماعة فعلياً، وانقسمت إلى جماعتين أو (3) جماعات على حدّ وصف الخبراء.
وفي هذا الصدد، يحاول الإخوان أيضاً الإسراع في تشكيل مجلس الشورى العام، ووضعه تحت سيطرة أحدهم للتمكن من كسب شرعية تنظيمية، وبحسب تقرير سابق لـ “حفريات”: يختص المجلس باختيار المرشد العام أو القائم بأعماله، وكذلك أعضاء مكتب الإرشاد، فضلاً عن وضع القواعد التنظيمية الخاصة بإدارة التنظيم بشكل شبه كامل، هذا وفق ما تقرّه اللائحة الداخلية لجماعة الإخوان، ويتشكل وفق لائحة الإخوان من أعضاء ممثلين لكافة الأقطار التي يعمل بها التنظيم، وبالتالي يمثل مرجعية شرعية يمكن من خلالها حسم الصراع لصالح طرف دون الآخر.
المصدر حفريات