جبريل العبيدي
عندما قال علي البلهوان؛ المقرر العام لدستور 1959: «إنما وضعنا هذا الدستور كلباس للجسد»، لعله كان يصف بالضبط دستور «إخوان تونس» عام 2014 الذي لم يعاصره، فدستور «إخوان تونس» كان تفصيلاً على المقاس رغم تجميل نصوصه وعباراته بكلمات فضفاضة قابلة للتأويل بأوجه عدة، ناهيك بتشتيت السلطات، مما تسبب في ضياع المسؤولية واستعصاء محاسبة المخطئين؛ بل إن «دستور 2014» عطل كثيراً من المؤسسات المهمة؛ منها المحكمة الدستورية التي حولها إلى موضوع مقايضات داخل برلمان راشد الغنوشي المنحل.
التونسيون و«نعم» للدستور والجمهورية الثالثة… «تونس تعبر الضفة الثانية» كما وصفها الرئيس قيس سعيد، بعد أن شارك أكثر من مليونين ونصف المليون ناخب تونسي في الاستفتاء على الدستور الجديد؛ بين «نعم» و«لا»، وكان الحسم لصالح التصويت بـ«نعم» والخلاص من «دستور الإخوان 2014»… دستور العشرية السوداء؛ دستور ملغم ضاعت فيه المسؤولية بين السلطات، فقد كان دستور «الإخوان» كأساليبهم في التلون وتمييع الأمور بنصوص غامضة وملغمة، يخلط السلطات ويشتتها، ولا يفصل بينها، لكى تضيع المسؤولية وتفشل المحاسبة.
بعد الاستفتاء على الدستور الجديد دخلت تونس مرحلة جديدة نحو الجمهورية الثالثة، بعد التخلص من دستور «الإخوان» الذي كان أشبه بالكفن للدولة التونسية، حيث مكن جماعة «الإخوان» من البقاء لعشر سنوات وُصفت بـ«العشرية السوداء»، متخذةً من مواد الدستور غطاءً لحماية مشروعها العابر للحدود والذي لا ينتمى للمجتمع التونسي؛ بل كان امتداداً لدولة المرشد والخلافة المزعومة.
لاءات الرئيس «لا صلح، ولا تفاوض، ولا اعتراف بمن خربوا البلاد» كان لها الأثر الأكبر في التصويت بـ«نعم» على الدستور بعد التصويت على الاستشارة الإلكترونية، التي أظهرت رغبة 86.4 في المائة من المشاركين في التحول إلى نظام رئاسي بالبلاد، مما قد يعني التحول نحو الجمهورية الثالثة، والتخلص من الإرث الإخواني، و«حركة النهضة» إخوانية الهوى، التي واجهت الاتهامات بالتبعية للخارج، داخل البرلمان وخارجه، علاوة على اتهامات بانتهاك السيادة الوطنية، ومحاولات الغنوشي المتكررة ممارسة ما عرفت بـ«الرئاسة الموازية» التي من شأنها أن تسلب صلاحيات رئيس البلاد؛ الأمر الذي يعدّ خرقاً دستورياً فظيعاً قام به الغنوشي أكثر من مرة، نظراً إلى طموحه الذي كان أكبر من كرسي البرلمان.
بعد الاستشارة الإلكترونية التي أطلقها الرئيس، بدأ الحوار المجتمعي، من أجل الإعداد لتنظيم استفتاء عام، ثم إجراء انتخابات تشريعية حرة ونزيهة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل؛ الأمر الذي يعدّ خريطة طريق يمكن القبول بها من أغلب الأطراف؛ لأنها تحمل خريطة زمنية تنتهي بها جميع القرارات الاستثنائية والمؤقتة والطارئة.
الاستفتاء جاء بعد سلسلة من جلسات الحوار الوطني التونسي، انخرط فيه العديد من القوى الوطنية وأيدته، إلا إن بعض معارضي الرئيس وصفوا الحوار بـ«المغشوش»؛ بل بـ«الشعبوي المدمر» في محاولة للتشويش على الرؤى والتفاعلات الوطنية مع مخرجات الحوار الوطني.
لقد صوت الشعب على الدستور بـ«نعم» حاسمة رغم إعلان البعض؛ ومنهم «جبهة الخلاص»، رفض الدستور، والإبقاء على «دستور 2014» وحسبانه المرجعية «الشرعية»،
ودعا رئيس «الجبهة» أحمد نجيب الشابي إلى تشكيل «حكومة موازية»، مما يجعل كلامه خروجاً على القانون؛ بل ومجاهرة بالعصيان لدستور تم الاستفتاء عليه بشكل ديمقراطي صحيح، بينما لا يخدم كلام الشابي و«جبهة الخلاص» سوى الخاسر الأكبر؛ جماعة «الإخوان» والإسلام السياسي.
إن التصويت بـ«نعم»؛ الذي قام به الشعب التونسي، طوى صفحة «الإخوان» وتابعيهم، ففي نهاية المطاف؛ إرادة الشعب التونسي هي التي ستنتصر لتحقيق الجمهورية الثالثة.
نقلاً عن “الشرق الأوسط” اللندنية