صالح البيضاني
الموسوعات الأدبية بالغة الأهمية اليوم للحفاظ على الإرث الثقافي لأي شعب، إذ تسهم في حماية المدونة الأدبية من التشتت والتلاشي، وهو ما انتبه إليه الأديب والباحث اليمني إبراهيم أبوطالب، إضافة إلى انتباهه إلى أهمية النقد، ليكرس للأب اليمني السردي موسوعة كاملة. كان لـ”العرب” معه هذا الحوار حولها.
عدن – بدأت مسيرة الأكاديمي والباحث والأديب اليمني إبراهيم أبوطالب في تتبع وجمع بيبليوغرافيا الأدب اليمني منذ فترة مبكرة وعلى مراحل متعددة، واستغرق جمعها أكثر من عقدين من الزمان، كما يقول في هذا الحوار مع “العرب” بمناسبة صدور كتابه “موسوعة بيبليوغرافيا الأدب اليمني” في ثلاثة أجزاء.
وعن بداية رحلته لجمع المادة الخاصة بالموسوعة وولعه بالتوثيق الأدبي، يقول “كانت البداية عند تسجيلي لرسالة الماجستير عن ‘الموروثات الشعبية القصصية في الرواية اليمنية’ في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب، جامعة القاهرة عام 2001، وحينها بدأ مشوار البحث والتنقيب عن الروايات اليمنية التي سأستخرج منها موضوع دراستي من تلك الموروثات الشعبية القصصية، فاقتضى ذلك البحث الاطلاع على المدونة الروائية جميعها؛ منذ أقدمها صدورا حتى نهاية القرن العشرين تقريبا”.
ويضيف “وحيث كنت في مصر فقد بدأ مشوار التواصل الإنساني والعلمي لجمعها من اليمن، ومن هنا بدأ الجمع والتصوير لتلك الأعمال والحصول على المدونة الروائية أو أغلبها، وكان لزاما علي الاطلاع على ما كتب من رسائل أو دراسات أو كتب أو مقالات حول تلك الروايات، وهذا أمر شاق، بل ومستحيل أحيانا، لأن تلك الكتابات مجهولة ومتناثرة ومتباعدة بالنسبة لباحث مبتدئ، وبخاصة أن الوسائل الرقمية الحديثة لم تكن قد أصبحت على ما هي عليه اليوم من يسر ومتابعة وإتاحة، ولكن لا بد مما ليس منه بد، فكان الجمع، والتنقيب، وتوالت المعرفة والتوثيق، وعند إنجاز الرسالة كان قد توافر لدي قدر لا بأس به من تلك الأعمال إبداعا ونقدا، فرصدته بيبليوغرافيا في نهاية الرسالة التي صدرت في كتاب عام 2004”.
ببليوغرافيا متخصصة
إبراهيم أبوطالب: المرأة اليمنية حاضرة بقوة في الإنتاج السردي اليمني
استمرت حكاية البحث، كما يقول أبوطالب، مع تسجيله لأطروحة الدكتوراه في جامعة القاهرة نفسها في العام 2004، عند دراسة جانب قصصي آخر مكمل للسرد، وهو “القصة القصيرة في اليمن بين التراث والتجديد”، فاستمر العمل في الجمع والتنقيب حتى توافر لديه قدر آخر أكبر في هذا الفن القصصي، وأثناء النزول الميداني إلى اليمن في فترة جمع المادة العلمية عام 2006، اكتمل قدر جديد من هذه الأعمال إبداعا ونقدا، حتى إنجازه الأطروحة في العام 2008، حيث وضع في نهايتها عددا كبيرا من الصفحات عن البيبليوغرافيا القصصية اليمنية إبداعا ونقدا.
ويتابع “في العام 2010 قمت بجمع تلك البيبليوغرافيا لكل من الرواية والقصة القصيرة معا، وأضفت إليها ما تجمع لدي من أعمال جديدة في السرد، إضافة إلى ما أنتج في الأدب الموجه للطفل الذي رأيته قد ظلم كثيرا، ولم يهتم به أحد من الباحثين والنقاد في رصده، على أهميته، وربما كان الدافع والسبب في ذلك هو اهتمامي الشخصي بأدب الطفل كتابة ومتابعة وقراءة، فرأيت إضافته إلى ذلك الرصد البيبليوغرافي ليكون في كتاب واحد، وقد صدرت الطبعة الأولى منه بعنوان ‘نحو ببليوغرافيا متخصصة: ببليوغرافيا السرد في اليمن (1939 – 2009): القصة القصيرة – الرواية – أدب الطفل’. وجاءت الطبعة متزامنة مع اختيار مدينة تريم عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2010، وتبنت طباعته وزارة الثقافة”.
واستمرت متابعة أبوطالب للمشهد الإبداعي السردي في اليمن واشتغاله به قراءة وتدريسا ونقدا، وفي العام 2021 بدأ في الإعداد لطبعة جديدة ومنقحة ومزيدة لعمله السابق، فإذا بعقد ونيف من الزمن قد تضاعفت فيه الأعمال السردية والنقدية ثلاثة أضعاف مما كانت عليه من قبل، ولم يعد يحتويها كتاب واحد، لهذا قسمها بحسب أجناسها الإبداعية في ثلاثة أجزاء: الجزء الأول للقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا إبداعا ونقدا، والثاني للرواية إبداعا ونقدا، والثالث للأدب الموجه للطفل إبداعا ونقدا وبيوغرافيا “دليل تعريفي بالكتاب والرسامين والمهتمين بأدب الطفل”.
تضمنت موسوعة بيبليوغرافيا الأدب اليمني في أجزائها الثلاثة حركة النشر لكل ما يتعلق بالسرد اليمني إبداعا ونقدا
وعن الأسباب التي دفعته إلى تخصيص وقت وجهد كبيرين في إنجار العمل الموسوعي التوثيقي للسرد اليمني، يقول أبوطالب لـ”العرب”، “في البداية كانت الحاجة إلى دليل إرشادي أسير على هداه، وأعرف أين تقع دراستي الأكاديمية من الجهود السابقة، والدراسات والأبحاث السابقة؟ حتى أوثق وأحيل إلى تلك المراجع، إن وجدت، وأدعم آرائي وقراءتي للروايات والقصص وفق المنهج الأكاديمي المعروف. وهذه الحاجة هي التي يدركها كل من يبدأ طريق البحث ويتلمس خطواته الأولى، فحين تختار موضوعك لأي بحث أو دراسة يكون لزاما عليك أن تقرأ وتعرف ماذا كتب من قبلك؟ وماذا تناولوا؟ حتى لا تكرر موضوعك أو تسير في طريق سار فيه الكثير قبلك، فربما لم يتركوا لك جديدا فيه”.
ويضيف “أصبح الأمر بعد ذلك، أي بعد الحاجة، شغفا بمعرفة الجديد ومتابعة المنشور من الأعمال الإبداعية والنقدية والاطلاع على ما يجد على المشهد السردي من أعمال وقراءات ومتابعات، وذلك استكمالا لما قمت به من مشروع كنت قد بدأته مبكرا، كما أشرت سابقا، وتابعته بالتوثيق البيبليوغرافي العلمي والمتخصص حتى العام 2009، فرأيت أن من واجبي ما دمت قادرا أن أتعهده بالمتابعة، والاستكمال عملا بوصية المتنبي عن ‘القادرين على التمام’، فعزمت الرأي وواصلت الجمع، على إرهاقه والوقت الذي يستغرقه، وأضفت ما تمت إضافته حتى منتصف هذا العام الميلادي يونيو 2022”.
ويبرز أن دافعه الأكبر هو الإحساس بالالتزام المعنوي والوطني والعلمي تجاه المشهد السردي والإبداعي في “بلده الحبيب اليمن، الذي يتألم في كل الجهات ويعاني من كل الاتجاهات للأسف، وتتكالب عليه كل الهموم والأحزان والحروب والمآسي، ولا يجد من يقدم فيه خدمة للأدب سوى القلة من أبنائه الذين يؤمنون بأن الإبداع والكلمة هي الأبقى والأجمل والعنوان الحقيقي لإنسانه الأصيل المدني والحضاري بطبعه”.
موسوعة شاملة
تضمنت موسوعة بيبليوغرافيا الأدب اليمني للدكتور إبراهيم أبوطالب، والتي صدرت عن دار عناوين بوكس، في أجزائها الثلاثة حركة النشر لكل ما يتعلق بالسرد اليمني إبداعا ونقدا، حيث احتوى الجزء الأول قسما لرصد بيبليوغرافيا القصة القصيرة منذ أقدم المجموعات صدورا، وقد بلغ عددها 454 مجموعة صدرت ما بين عامي 1957 حتى يونيو 2022.
كما بلغ مجموع القاصين والقاصات من أصحاب المجموعات 275 قاصا وقاصة، عدد القاصين الذكور منهم 192 قاصا. فضلا عن الاختيارات القصصية التي بلغ عددها 8 اختيارات، أكثرها للأسماء المعروفة من القاصين والقاصات. وكذا المجموعات المشتركة لأكثر من قاص وقاصة، وعددها 9 مجموعات. ومجموعة واحدة مشتركة بين قاصين اثنين، وأما الأعمال القصصية الكاملة فقد صدرت منها 7 أعمال، جمعت فيها أعمال سبعة من القاصين، وهم: أحمد محفوظ عمر، زيد مطيع دماج، عبدالله سالم باوزير، عبدالناصر مجلي، محمد عبدالولي، محمد عبدالوكيل جازم ووجدي الأهدل.
وأما عن النقد فقد جاء في محورين: “محور الدراسات والقراءات”، ومحور “النصوص الموازية والمتابعات” ويشمل: مقدمات المجموعات القصصية والملفات والمحاور، وغيرها.
وأما النقاد والكتاب فقد بلغ عددهم 294 ناقدا وكاتبا، منهم 65 ناقدا عربيا وأجنبيا: فيهم عدد من الكتاب والنقاد العرب، والقسم الآخر في هذا الجزء خصص لرصد بيبليوغرافيا القصة القصيرة جدا، وقد بلغ عدد المجموعات القصصية فيها 40 مجموعة صدرت ما بين عامي 2003 ويونيو 2022. وعدد القاصين والقاصات 30، منهم 18 قاصا. وبلغ عدد النقاد والكتاب 34 ناقدا وناقدة، وكاتبا وكاتبة، منهم 18 ناقدا وكاتبا عربيا و16 ناقدا يمنيا، منهم عدد من كتـاب القصة القصيرة جدا أنفسهم، وليسوا نقادا متخصصين.
دافع أبوطالب الأكبر لجمع الأدب اليمني هو الإحساس بالالتزام المعنوي والوطني والعلمي تجاه المشهد السردي ببلاده
وأما الجزء الثاني من الموسوعة، ففيه رصد وحصر للروايات اليمنية الصادرة منذ العام 1927 حتى يونيو 2022. وقد بلغ عدد الروايات الصادرة حتى نهاية شهر يونيو من هذا العام 2022، 545 رواية، صدرت جميعها في كتب عن دور نشر محلية وعربية وعالمية مختلفة، ما عدا 21 رواية نشرت مسلسلة في الصحف أو المجلات، ولم تجمع في كتب. ومن خلال المقارنة والمتابعة فقد كان عدد الروايات مع نهاية عام 2009 قد بلغ 149 رواية، كما رصدتها الطبعة الأولى من كتابنا “بيبليوغرافيا السرد في اليمن…”، ومنذ تاريخ الطبعة الأولى في عام 2010 زاد عدد الروايات بشكل كبير، حيث بلغ عدد الروايات المنشورة 545 رواية، أي بزيادة 396 رواية، وهو أكثر من الثلثين خلال عقد ونيف من الزمن، بين عامي 2009 ويونيو 2022. كما تضاعف عدد الروائيات من النساء من 9 روائيات فقط، إلى 101 روائية بفارق 92 روائية من الكاتبات من جيل الشباب.
وأما الجزء الثالث من الموسوعة فكان لرصد وحصر الأعمال الأدبية الموجهة للطفل في اليمن، ابتداء من أول مجلة تعليمية تربوية بعنوان “مدرستنا” صدرت للطفل عام 1948 حتى يونيو 2022. ويتكون هذا الجزء من ثلاثة أقسام: قسم الإبداع، وقسم النقد والقسم الثالث بيوغرافيا ودليل الكتاب الذين بلغ عددهم 155 كاتبا وكاتبة، فضلا عن الرسامين والإعلاميين والفنانين والمخرجين والمهتمين بأدب الطفل الذين بلغ عددهم 127 رساما وفنانا ومخرجا من الجنسين.
وفي حديثه لـ”العرب” يقول مؤلف موسوعة بيبليوغرافيا الأدب اليمني إنه خلص إلى العديد من النتائج، في مقدمتها غزارة الإنتاج السردي اليمني عبر عقود كثيرة، ولكن يأتي أكثرها غزارة مع الجيل التسعيني والألفيني حتى الآن، كما يشير إلى حضور المرأة اليمنية بقوة وبغزارة في الإنتاج الروائي تحديدا، واستمرار بعض الأسماء التي أصبحت كبيرة في المشهد السردي العربي بشكل عام من خلال أعمالها الروائية المتنوعة التي تحمل التجريب والتجديد، إضافة إلى الخروج عن المحلية إلى الأفق العربي والدولي من خلال الطباعة المتعددة والجوائز الكثيرة والترجمات إلى لغات عالمية.
ويضيف “على الرغم من تجارب الكتاب في مجال القصة القصيرة والبدء بكتابتها، غالبا، إلا أنهم يتجهون إلى الرواية وينزحون إليها بهجرة تكاد تكون جماعية، إذا جاز هذا التوصيف، وكأنهم يتواصون بذلك. وغيرها من النتائج الكثيرة التي ربما يضيق عنها المقام هنا”.
وفي رده على سؤال لـ”العرب” حول اعتزامه العمل على بيبليوغرافيا للشعر اليمني، يقول إبراهيم أبوطالب “نعم، وهي فكرة تراودني كثيرا وبالتوازي مع السرد، وقد بدأت فعلا في جمع ما تيسر منها إبداعا ونقدا، وكذلك بقية فنون الأدب اليمني مثل المسرح، وأدب الرحلة، وغيرهما، وهو مشروع كبير وطموح أرجو أن يتحقق، وإن كنت أدرك صعوبته وتشعبه وامتداده الكبير وتعدده المتشظي، لأنه يحتاج إلى فريق عمل متكامل، وعتاد وعدة، ولا يخفى أن هذا الأمر تقوم به مؤسسات معنية، ويحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد والبحث والمتابعة”.
نقلاً عن العرب اللندنية