كريتر نت / كتب – امين الوائلي
على وقع خروقات متجددة وتحركات وتعزيزات، على خطوط النار بالحديدة، كشفت مصادر سياسية عن رفض المليشيات الحوثية التعامل مع الجنرال باتريك كاميرت رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار الأممية في الحديدة، أو العودة إلى اجتماعات التنسيق المشتركة، واشتراط عزل باتريك، قبل أي حديث حول التنسيق بشأن تنفيذ أي من بنود اتفاق الحديدة.
وفي تزامن مع مخرجات ونتائج “عاثرة” لاجتماعات عمَّان، حول تحريك اتفاق تبادل السجناء والأسرى، أوضحت المصادر أن الجماعة الحوثية، ذراع إيران في اليمن، أبلغت المبعوث الأممي الخاص لليمن مارتن غريفيث بموقفها من كاميرت وشروطها للعودة إلى التحدث بشأن اتفاق الحديدة، مشددة على تغيير رئيس لجنة التنسيق الأممية.
وتتهم المليشيات الحوثية كاميرت بـ”تنفيذ أجندة”، بينما تؤكد المعطيات والمصادر على، اصطدام الجنرال الهولندي المتمرس بجناح حوثي متطرف يضمر السوء تجاه تنفيذ الاتفاق، وتفجُّر الخلافات الحوثية – الحوثية بالهروب إلى الأمام والتصعيد عسكرياً في الحديدة.
ومساء اليوم نفسه لإجازة نشر بعثة مراقبين دولية في الحديدة، أخذت الدول الخمس دائمة العضوية ورعاة التسوية اليمنية علماً، عقب حادثة الاعتداء بالرصاص على موكب كاميرت ومنعه من التحرك، يوم الخميس الماضي.
كما أحيطت علماً باستياء وقلق المنظمة الدولية والأمانة العامة، والتي شددت على ضرورة ضمان سلامة وحماية حياة طواقمها وموظفيها، في ضوء التصعيد الحوثي الخطير.
وبينما عبر الأمين العام أنطونيو غوتيريس، يوم الجمعة 18 يناير كانون الثاني، وخلال مؤتمر صحفي بمقر المنظمة الدولية في نيويورك، عن “القلق” إزاء ما أسماه “انعدام الثقة، حيال اتهامات الحوثيين للجنرال باتريك والاعتداء الناري، تلفت المصادر السياسية إلى تلقي قيادة الانقلابيين الحوثيين، وعبر أكثر من قناة اتصال، “رسائل صارمة وتحذيرات قوية” من عواصم عالمية عدة أهمها واشنطن.
وجاء الاعتداء على باتريك، الخميس 17 يناير، غداة ليلة طويلة من التصعيد العسكري في مدينة الحديدة والقصف الكثيف بالمدفعية والصواريخ، وهجمات متزامنة في الدريهمي والجاح جنوباً، مساء الأربعاء 16 يناير. وسعت المليشيات إلى تفجير عسكري للأوضاع في الحديدة، بعد ساعات على صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2452 بإجازة نشر 75 مراقباً دولياً ضمن بعثة دعم اتفاق الحديدة.
وأخذ التصعيد الحوثي ضد باتريك منحًى خطيراً، الخميس الماضي، مع اعتراض وإعاقة موكبه، ومنعه من التحرك، ورفض فتح الطريق وإزالة الحواجز، لمدة أربع ساعات كاملة، قبل أن يسمح له بالتحرك وحضور اجتماع مع ممثلي الحكومة في لجنة التنسيق المشتركة.
وتعرض موكب باتريك وفريقه لإطلاق نار، لدى مغادرته مكان الاجتماع في مجمع إخوان ثابت شرق مدينة الحديدة.
وفي وقت لاحق صرح القيادي الحوثي محمد البخيتي بضرورة اتخاذ إجراءات ضد رئيس لجنة التنسيق الأممية الجنرال كاميرت، وهو ما يعني عزله. واعتُبرت هذه، وسابقاتها من مظاهر المجاهرة العلنية بالمواقف العدائية الباتة ضد رئيس لجنة التنسيق المعين من قبل مجلس الأمن الدولي، تلقائياً، إقراراً حوثياً بالمسئولية وراء إطلاق النار على الجنرال الهولندي بعد تعويق حركته على مدى أربع ساعات.
وحذر مراقبون من أن تحركات المليشيات الحوثية في الحديدة تعطي تصوراً حول المضي في الإعداد لحرب طويلة وليس لتسليم الميناء والمدينة والانسحاب بموجب اتفاق إعادة الانتشار، مستندين على تقارير وإثباتات موثقة وبيانات رصد وتصوير جوي من الحديدة وما تستحدثه المليشيات من خنادق ومتارس وتجهيزات عسكرية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفشل اليومي، في التزام وقف إطلاق النار، ومظاهر التصعيد والعنف وحفر الخنادق ونشر الحواجز داخل المدينة وجنوبها وفي الجهة الشمالية أيضاً، علاوة على رفض فتح الطرقات أمام القوافل الإغاثية، وضع مهمة البعثة الأممية واتفاق السويد على حافة الهاوية.
وكان ممثلو الحوثيين في اللجنة المشتركة قد توعدوا باتريك، في ختام اجتماعات الجولة الثانية من اللقاءات المشتركة، الخميس 4 يناير 2019، بحشد المسيرات المسلحة لتغييره وطرده من الحديدة.
وغادر باتريك الحديدة إلى صنعاء للقاء مارتن غريفيث، عشية اليوم السابق لموعد زيارته المقررة، يوم السبت 6 يناير، عقب تعثر عمل لجنة التنسيق واصطدام إجراءات بناء الثقة بالرفض والتنصل من قبل الانقلابيين الحوثيين. وسعى غريفيث، كما ظهر فيما بعد من إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن، إلى إنقاذ مهمة لجنة باتريك وفريقه الطليعي في الحديدة. لكن ذلك لم يفت في وعيد وتعنت الحوثيين، إلى تنفيذ تهديدهم لباتريك بحشد المتظاهرين للمطالبة بعزله.
وبالفعل سيرت المليشيات، يوم 7 يناير، مسيرة مسلحة في الحديدة، على رأسها قيادات حوثية والمحافظ المعين من قبلها، وهتفت ضد اللجنة الأممية ورئيسها.
كما وجهت خطباء الجمعة في المدينة بالهجوم على اللجنة الأممية ورئيسها واتهامهم بالتآمر، ونفذت وقفات احتجاجية لذات الغرض عقب صلوات الجمعة.
وبالرغم من عدم تحقق أي انفراج، ومن القطيعة التي مضى فيها ممثلو الحوثيين في لجنة التنسيق ومقاطعة الاجتماعات، إلا أن إحاطة غريفيث إلى مجلس الأمن، يوم 10 يناير، جاءت مخيبة للتوقعات ومليئة بالمهادنة، وقال إن الحكومة والحوثيين “امتثلا بشكل كبير لاتفاق وقف إطلاق النار”.
وكان الجنرال باتريك تعرض لموقف محرج، باستدراجه إلى الميناء بينما رتبت المليشيات لفعالية شكلية دعيت لها وسائل الإعلام الدولية ومراسلو الوكالات الخارجية، وادعت أنها سلمت الميناء ونقلته لقوات خفر السواحل وانسحبت بقواتها، في مشهد تمثلي مدوٍ انطلى على وكالات عالمية، تراجعت فيما بعد عن القول بتسليم الميناء والانسحاب منه تنفيذاً لاتفاق السويد.
وجوبهت المليشيا برسائل قوية على لسان الأمين العام للأمم المتحدة نقلها كاميرت، في بداية اجتماعات الجولة الثانية، مطلع يناير الجاري، وتوجه الجنرال باتريك بالحديث لممثلي الانقلابيين، أن عليهم التوقف فوراً عن الإجراءات الانفرادية والهزلية، والتطبيق الصارم للاتفاق والآلية، مشدداً على بند الانسحاب من الميناء، معبراً عن غضب وخيبة أمل الأمين العام والمبعوث الخاص وسفراء الدول الخمس دائمة العضوية.
هذه التعقيدات والعثرات بدأت بعد أيام قلائل فقط من وصول لجنة باتريك وفريقه الطليعي إلى الحديدة لمباشرة امتحان، نوايا التحركات البريطانية، ومصداقية المتمردين في تنفيذ اتفاق استوكهولم/ الحديدة/ السلام أو خطوة أولى في طريق السلام الطويل. …
. وهو الامتحان الذي ما يزال قائماً، في حقل ألغام كبير، بالرغم من النتائج المخيبة، وانخفاض سقف التوقعات حيال إمكانية التزام أدوات إيران المنفلتة بأي التزام، ليتأكد من جديد أن السلام لا تصنعه النوايا المجردة من قوة فرضه بالقوة .
المصدر اليوم الثامن