هند سليمان
صحفية مصرية
على الرغم من ضغوط متزايدة تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على المملكة العربية السعودية لزيادة إنتاج النفط للسيطرة على ارتفاع أسعاره بالسوق العالمية، فاجأت منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك” بقيادة المملكة العربية السعودية، وحلفاؤها في “أوبك بلاس”، أمس، الأسواق العالمية والولايات المتحدة الأمريكية بالاتفاق على إبطاء وتيرة زيادة الإنتاج.
ونقل موقع “دويتشه فيله” الألماني عن بيان “أوبك بلاس” الختامي قوله: إنّ ممثلي الدول الـ13 الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) بقيادة الرياض، وشركاؤهم الـ10 بقيادة موسكو “أوبك بلاس”، اتفقوا على زيادة متواضعة جدّا للإنتاج، “بمقدار (100) ألف برميل يومياً خلال شهر أيلول/ سبتمبر”، مقارنة بحوالي (432) ألف برميل، ثم (648) ألف برميل إضافية في الشهرين السابقين.
وقد عدّل بايدن جزئياً من سياساته تجاه المملكة العربية السعودية، التي وصفها سابقاً بـ”المنبوذة”، قبل زيارته الرياض في منتصف تموز (يوليو) الماضي، للتودد إليها ضمن محاولاته تكثيف الضغوط عليها لزيادة إنتاجها من النفط لامتصاص التبعات الاقتصادية السلبية الناجمة عن العقوبات الأمريكية والغربية على روسيا، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة، غير أنّ زيارته للسعودية باءت بالفشل، ولم يحصل على أيّ التزامات سعودية بزيادة الإنتاج، وفقاً لوكالة “رويترز” آنذاك.
وقبل أيام من زيارته للسعودية، وصف بايدن، في مقال رأي لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، زيارته للمملكة العربية السعودية بالـ”مهمّة” لـ”أمن الولايات المتحدة الأمريكية” التي تواجه ارتفاعاً غير مسبوق في معدلات التضخم وتباطؤ نمو الناتج المحلي بسبب العقوبات على روسيا.
تحوّل مفاجئ
التحوّل الكبير في موقف الرئيس الأمريكي الشهر الماضي تجاه المملكة العربية السعودية وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لم يدم طويلاً، ولن يدوم على ما يبدو، ولا سيّما بعد الصفعة السعودية لطلب بايدن، الذي يواجه ضغوطاً اقتصادية جمّة في الداخل الأمريكي، قبل أشهر معدودة من انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
التودد المفاجئ، بعد عداوة دامت أكثر من عام ونصف العام، كان، في الواقع، سعياً أمريكياً لفتح صفحة جديدة مع السعودية، غير أنّ الرئيس الأمريكي حرص كذلك على سياسة العصا والجزرة، كما اتضح من مقاله في “واشنطن بوست”، ففي حين أكد: “عندما أقابل القادة السعوديين، سيكون هدفي هو تعزيز شراكة إستراتيجية”، قال إنّ تلك الشراكة الإستراتيجية “تستند إلى المصالح والمسؤوليات المتبادلة، مع التمسك أيضاً بالقيم الأمريكية الأساسية”، في إشارة إلى الملف الحقوقي الذي لطالما استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية ذريعة للتدخل في شؤون الدول.
انتكاسة في العلاقات
القرار الصادر عن “أوبك بلاس” أدى إلى “ارتفاع الأسعار على الفور”، “ممّا يخيب آمال الرئيس الأمريكي”، على حدّ قول تاماس فارغا، من مجموعة PVM Energy لوكالة “فرانس برس”، وعلّق إدوارد مويا من شركة Oanda ساخراً فقال: إنّها “أصغر زيادة (إنتاج) في تاريخ أوبك+، ولن تسمح في تجاوز أزمة الطاقة الحالية”.
وأشار مويا إلى أنّ “إدارة بايدن لن تكون مسرورة”، متوقعاً “انتكاسة في العلاقات الأمريكية ـ السعودية”، غير أنّ آخرين على غرار ستيفن برينوك، من PVM Energy، رأوا في ذلك “تدبيراً رمزياً لتهدئة” جو بايدن.
وكان من المفترض أن تقرر الدول الـ23 الأعضاء في التحالف إستراتيجية جديدة؛ إذ إنّ الاتفاق الحالي يقترب من نهايته، فعلى الورق عاد الإنتاج إلى مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19.
وكانت المجموعة قد اختارت في ربيع 2020 إبقاء ملايين براميل النفط تحت الأرض، لتجنب إغراق السوق بالخام الذي لم تكن قادرة على امتصاصه بسبب انهيار الطلب.
رسالة واضحة
أرسلت السعودية، ذات القرار المؤثر في “أوبك بلاس”، “رسالة واضحة” هذه المرة إلى إدارة بايدن، مفادها النأي بموضوع النفط عن أيّ التزام سياسي تجاه الحلفاء، سواء تعلق الأمر بزيادة الإمدادات أو باتخاذ موقف مناوئ لروسيا، وهو قرار ملزم للمسؤولين السعوديين، وعلى رأسهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أو الوزراء، في ردّ متأخر على ضغوط الرئيس الأمريكي، التي بلغت ذروتها خلال قمّة جدة منتصف تموز (يوليو) الماضي، بحسب ما نقلت صحيفة “العرب” اللندنية عن مراقبين.
وأشار المراقبون إلى أنّ الولايات المتحدة باتت تقف أمام سعودية مغايرة لما يعرفه الأمريكيون، ولا تفيد معها الضغوط السياسية، ولا التلويح بورقة حقوق الإنسان، وأنّ الأفضل بالنسبة إلى إدارة بايدن هو بناء علاقات على قاعدة المصالح وتبادل المنافع.
تضارب المتطلبات
يعكس قرار “أوبك بلاس” الحاجة إلى التوفيق بين المتطلبات المتضاربة بزيادة الإنتاج لتهدئة الأسواق، وبين عدم ضخ الكثير من الإنتاج، أو بالأحرى الإبقاء على المستويات الحالية للحفاظ على الأسواق مستقرة في مواجهة المخاوف المرتبطة بالاقتصاد الكلي، لكن أيضاً “من أجل التصدي للتضخم في أسعار الطاقة”، وفقاً لما نقلته إذاعة “فرنسا 24” عن ماثيو هولاند المحلل السياسي في معهد “إنيريجي إسبيكتس” (جوانب الطاقة) للبحوث.
ووفقاً لـ”فرنسا 24″، فإنّ القرار يعكس كذلك أنّ تحالف “أوبك بلاس”؛ “ما يزال متماسكاً، كما أنّه يتعامل بحرص مع روسيا التي تتعارض مصالحها تماماً مع مصالح واشنطن”، فقد شدّد في بيانه الختامي على “أهمية الحفاظ على التفاهم، الضروري من أجل تماسك التحالف أوبك بلاس”.
شبح الركود
الانخفاض النسبي الأخير في أسعار النفط وسط مخاوف من ركود عالمي قد يدفع التحالف النفطي الدولي “أوبك بلاس” إلى التزام الحذر، فمنذ قمته في آذار (مارس) الماضي حين سجلت أسعار النفط مستويات غير مسبوقة منذ الأزمة المالية عام 2008، خسر برميلا الخام المرجعيان أكثر من 29% من أسعارهما.
ونقلت وسائل إعلام دولية عن بيان “أوبك بلاس” إشارته إلى أنّ الاحتياطات “محدودة جداً” بسبب “نقص الاستثمار المزمن في قطاع النفط”، وبالتالي من الضروري التصرف “بحذر ردّاً على الاضطرابات الخطيرة التي يواجهها العرض”.
وبرر نائب رئيس الوزراء الروسي المكلف بشؤون الطاقة ألكسندر نوفاك، في تصريحات لقناة “روسيا 24” التلفزيونية، قرار “أوبك بلاس” الذي وصفه بـ”الحكيم”، بـ”حالة عدم اليقين التي تثقل كاهل الأسواق”، في إشارة إلى “زيادة عدد الإصابات بكوفيد-19″ و”تعطيل سلاسل النقل والخدمات اللوجستية”.
ويواجه التحالف صعوبة في احترام الحصص المعلنة؛ بسبب الأزمات السياسية طويلة الأمد، أو حتى نقص الاستثمار وصيانة البنية التحتية أثناء الوباء، فضلاً عن انخفاض الإنتاج الروسي تحت تأثير العقوبات الغربية المرتبطة بغزو أوكرانيا.
المصدر حفريات