عمر الرداد
كاتب أردني
بالرغم من “الهالة” الإعلامية لتغطية خبر تصفية الرجل الأول في تنظيم القاعدة “أيمن الظواهري”، إلا أنّ تلك التغطية لا تحول دون طرح العديد من التساؤلات العميقة حول السياقات والأبعاد التي تحيط بهذه العملية، بما فيها شخصية الظواهري بوصفه زعيم القاعدة ومن الجيل المؤسس لجبهة الجهاد العالمي ورفيق درب المؤسس الأول “أسامة بن لادن” وشريكه، ومكان تصفيته في “كاب,ل”، وعلاقة ذلك مع بعض أجنحة طالبان، وتوقيت العملية بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية والحكومة الأفغانية؛ فهي غير بعيدة عن سياقات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والجدالات حول ذلك في أوساط الدولة الأمريكية، وبالتزامن تطرح تساؤلات حول مستقبل حكومة طالبان وعلاقاتها مع القاعدة والتنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى حجم أهمية غياب شخصية بوزن الظواهري عن قيادة التنظيم، وتأثير ذلك على القاعدة والجهاد العالمي وقياداتها، وفيما يلي إضاءات حول هذه العملية ومآلاتها:
نجاح أمريكي… ولكن!
لا شكّ أنّ تصفية شخصية بحجم الظواهري تُعدّ نجاحاً لأجهزة الاستخبارات الأمريكية، بمرجعية مسؤولية الظواهري ودوره في أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وهو ما يعني أنّ النجاح مرهون بشخصية “تاريخية” ارتبطت عملياتياً بتلك الأحداث في ذاكرة الأمريكيين على الأقل، لا سيّما أنّ هذا النجاح تحيط به شكوك عميقة حول تأثيره على تنظيم القاعدة والتنظيمات التابعة له في شرق وغرب أفريقيا وفي سوريا، بعد فقدان القاعدة دورها المركزي منذ احتلال أفغانستان، ومقتل أسامة بن لادن وهروب غالبية قياداتها إلى إيران، علاوة على انشقاقات التنظيم لاحقاً، بما في ذلك انشقاق “داعش”، وهو الفرع الأكثر تشدداً في القاعدة.
وبناء عليه، فإنّ الإعلان عن تصفية الظواهري غير معزول عن جدالات أمريكية داخلية حول مدى صوابية قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وهو ما عبّرت عنه تصريحات جمهوريين بأنّ تصفية الظواهري دلالة على استمرار التهديد والعلاقة الوثيقة بين طالبان والقاعدة، وأخرى لديمقراطيين حول أنّ هناك إمكانية لمكافحة الإرهاب دون تحمل تبعات استمرار الوجود الأمريكي “المكلف” في أفغانستان.
إحراج حكومة طالبان وانكشافها
أمّا بالنسبة إلى حكومة طالبان، فإنّ العملية تشكّل عنواناً لانكشاف على المستويين: الداخلي في علاقات الفصائل الأفغانية مع طالبان، ومدى سيطرتها على الأوضاع السياسية والأمنية، والخارجي فيما يتعلق بحقيقة اتفاقها مع واشنطن وتسلمها الحكم قبل عام عبر اتفاقية الدوحة، بما في ذلك موقفها من القاعدة، ووفقاً لاتهامات متبادلة بين كابل وواشنطن حول خرق اتفاق الدوحة، من الواضح أنّ طالبان كانت قد قدّمت تعهدات “معلنة” وأخرى “سرية” تتضمن فك التحالف مع القاعدة والعمل ضدها داخل أفغانستان، ويبدو أنّه موقف غير متوافق عليه، بدلالة التسريبات التي تؤكد أنّ الظواهري كان بحماية شبكة “حقاني” التي يتولى زعيمها “سراج الدين حقاني” موقع نائب رئيس حكومة طالبان، الأمر الذي عزز، على نطاق واسع، شكوكاً أمنية بأنّ جهة ما من الفصائل الأفغانية قدّمت دعماً لوجستياً للاستخبارات الأمريكية حول مكان تواجد الظواهري، وسهلت استهدافه.
من الجدير بالذكر هنا أنّ هناك “اختراقات” استخباراتية واسعة لحركة طالبان وأجنحتها من قبل العديد من أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية، من بينها العلاقات الشائكة مع المخابرات الإيرانية، في مرحلة مقاومة الاحتلال الأمريكي، بالإضافة إلى الاستخبارات الباكستانية التي يتردد أنّ علاقاتها وثيقة مع فصائل أفغانية، بما فيها شبكة “حقاني”، التي يتراوح نشاطها ومجال تحركها بين الحدود الباكستانية- الأفغانية، فيما يُعرف بمناطق البشتون.
ومن المؤكد أنّ العملية ستكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل حكومة طالبان المطلوب منها إجابات واضحة حول علاقاتها أو بعض فصائلها مع القاعدة وداعش، لا سيّما أنّ معلومات الأمم المتحدة تؤكد دخول حوالي (10) آلاف مقاتل جهادي إلى أفغانستان منذ الانسحاب الأمريكي، وهو ما يعني عودة أفغانستان مركزاً للجماعات الإرهابية والمتطرفة، في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية متردية ومتفاقمة، ومحاولات تبذلها حكومة طالبان للموازنة بين متطلبات غربية بعناوين حقوقية مقابل تقديم المساعدات، وإيديولوجيا متشددة تتبنّاها حركة طالبان، من المشكوك معها قدرتها على تحقيق نجاحات تلبي متطلبات الغرب.
إضعاف تنظيم القاعدة مع بقاء إيديولوجيته
ارتباطاً بالمهمات التي كان يتولاها الظواهري، وأوضاع القاعدة “المفككة” تنظيمياً في أفغانستان، والتي نزعت منها تنظيمات جديدة “الهالة” التي بناها أسامة بن لادن والظواهري، بما فيها القيادة المركزية للتنظيمات التابعة لها، فإنّ تأثير غياب الظواهري لن يكون كبيراً على تنظيمات القاعدة داخل أفغانستان وخارجها، فقد تحول الرجل منذ أكثر من عقد من الزمن إلى شخصية رمزية يمارس التوجيه الروحي والعقائدي للجهاد العالمي؛ بل دخل في تفاصيل حول خلافات القاعدة وداعش في ساحتي العراق وسوريا، على المستويين “الفقهي والتنظيمي”، أظهرت عدم امتلاكه للشخصية القيادية القادرة على الاحتفاظ بصورة الرمز للجهاد العالمي.
وعلى هامش انشغالات أجهزة مخابراتية ومراكز بحثية حول شخصية خليفة الظواهري، فإنّ هناك بالفعل عدداً من الشخصيات القيادية المرشحة لهذا المنصب، وفي مقدمتها سيف العدل الذي يتردد أنّه عاد من إيران إلى أفغانستان قبل أكثر من عام، بعد هروبه إلى طهران إثر الاحتلال الأمريكي لأفغانستان عام 2001، وعبد الرحمن المغربي زوج ابنة الظواهري، بالتزامن مع المدعوين: يزيد مبارك قائد القاعدة في غرب أفريقيا، وأحمد الديري مسؤول التنظيم في شرق أفريقيا.
ومع ذلك، تبقى مسألة خلافة الظواهري، على أهميتها بالنسبة إلى التنظيم، قضية ذات دلالة بمرجعية أهميتها وتأثيرها على النشاط القادم للقاعدة واتجاهاته، والمؤكد هنا أنّ غياب الظواهري لا شكّ سيؤثر على قوة القاعدة وحجم تأثيرها واتجاهات عملها العسكري القادم، وبسيناريوهات عديدة لعل في مقدمتها تراجع السيطرة المركزية للتنظيم على فروعه وأتباعه، وهو ما يعني مواصلة تنظيمات القاعدة العمل باستقلالية في ساحاتها المختلفة، واستلهام فتاوى ومقاربات الظواهري الجهادية بوصفها مرجعية فكرية لتنظيمات القاعدة، وستبقى شخصية الظواهري ومعه أسامة بن لادن، إضافة إلى قادة داعش، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي، شخصيات ملهمة ونموذجية للبطولة ومواجهة الغرب، في وجدان كثير من الشبان العرب والمسلمين الغاضبين والساخطين على مجمل أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
نقلاً عن حفريات