كريتر نت – متابعات
تبحث حركة النهضة الإسلامية عن مخرج للأزمة التي تعيشها حاليا بعد الاستفتاء على الدستور الذي وضعها في موقع هامشي وسط إشارات صادرة عن أبرز قياداتها إلى الاستعداد لتقديم “تنازلات مؤلمة” واستثمار وجودها في جبهة الخلاص الوطني لفتح قنوات الحوار مع الرئيس قيس سعيد أو بعض الدوائر القريبة منه.
وقالت مصادر سياسية تونسية مقربة من النهضة إن الحركة باتت تراهن على جبهة الخلاص الوطني من أجل كسر الحصار المفروض عليها بعد إقرار الدستور الجديد الذي أعطى مشروعية إضافية لقيس سعيد، وفي ظل دعوات كثيرة إلى حل الأحزاب التي حكمت في العشرية الماضية وعلى رأسها حركة النهضة.
وأشارت هذه المصادر إلى أن جبهة الخلاص بدأت تهدّئ خطابها تجاه قيس سعيد، وتخلت عن فكرة التظاهرات في الشارع، وقللت من تصريحات قادتها الاستفزازية ضد رئيس الجمهورية. وهو ما يفسر التسريبات التي تتحدث عن مساعي الجبهة، وبطلب من حركة النهضة، لفتح قنوات التهدئة مع الرئيس سعيد. ولفتت المصادر إلى أن هذا التغيير ناجم عن سلبية المواقف الغربية من الاستفتاء وما تبعه من اعتراف ضمني بنتائجه مع توصيات بأن يكون مدخلا لقانون انتخابي يراعي وجود مختلف الأطراف في العملية الديمقراطية، في إشارة إلى الانتخابات التشريعية القادمة.
النهضة تراهن على الشابي للبحث عن التهدئة وقطع الطريق أمام التصعيد بين السلطة والحركة مثلما جرى في التسعينات
وتراهن حركة النهضة أساسا على أحمد نجيب الشابي للبحث عن تهدئة وقطع الطريق أمام التصعيد بين السلطة والحركة والذي يمكن أن يقود إلى مواجهة شبيهة بما جرى في تسعينات القرن الماضي مع نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
وبدأت الحركة بإرسال إشارات بغية إيصالها إلى قيس سعيد مفادها أنها لا تريد السلطة، ومستعدة لتقديم التنازلات من بينها الانسحاب من المشهد، كما ورد على لسان القيادي في الحركة نورالدين البحيري في حديثه إلى موقع عربي 21 حيث قال إن “النهضة مستعدة للانسحاب من مواقع المسؤولية لإنهاء الأزمة”.
وأضاف البحيري “أننا ملتزمون بما تختاره جبهة الخلاص الوطني في هذا الأمر (مشاركة قيس سعيد في الحوار). والجبهة دعت إلى حوار وطني واسع على قاعدة العودة إلى الديمقراطية”.
ويحمل كلام البحيري تنازلا عن أحد الخطوط الحمراء التي رفعتها حركة النهضة، وهو أن لا حوار مع قيس سعيد قبل عودة المؤسسات، في إشارة إلى البرلمان المنحل، وحكومة هشام المشيشي التي تم حلها عبر إجراءات قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021.
وكان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي قد أرسل في مقابلته الأخيرة مع فرانس 24 إشارة إلى تغيير جذري في موقف الحركة من هذه المقاطعة حين قال إن “مشاركة حركة النهضة في الانتخابات التشريعية من عدمها مرهونة بنص القانون الانتخابي”.
ويرى مراقبون تونسيون أن قيس سعيد صار في وضع من يقرر موعد الحوار والجهة المشاركة فيه والهدف منه، وهو لا يحتاج إلى تنازلات من حركة النهضة للفت نظره أو حثه على فتح قنوات التواصل، لكن تصريحات البحيري والغنوشي تظهر أن النهضة تريد أن تكسر الجدار الذي بنته بينها وبين قيس سعيد منذ توليه رئاسة الجمهورية حيث سعى الغنوشي للحؤول دون القيام بمهامه، خاصة منها المهام الدبلوماسية.
وأشار المراقبون إلى أن حركة النهضة تعرض التنازلات دون أن يطلب منها أحد ذلك، لكنها تراهن على الوقت وعلى حلفائها مثل نجيب الشابي للقيام بتحركات ووساطات من أجل التهدئة مع قيس سعيد وطمأنته بأنها لا تريد المشاركة في السلطة ومستعدة للانسحاب من الواجهة، وربما يكون المقصود هنا عدم المشاركة في الانتخابات القادمة وترك الفرصة لقيس سعيد للوصول إلى برلمان منسجم معه ولا يثير مشاكل بينه وبين الحكومة.
لكن المراقبين يلفتون النظر إلى أن خطط حركة النهضة مكشوفة؛ فالهدف هو طمأنة قيس سعيد وبعض المحيطين به وأحزاب قريبة منه، من أجل وقف مسار التصعيد ضدها. وهو مسار لن يكون أمنيا فحسب؛ فقد يتم فتح ملفات التمويل الخارجي التي قد تنتهي إلى حل الحركة إذا ثبتت الاتهامات الموجهة إليها قضائيا.