توفيق علي صحافي
ظلت ميليشيات الحوثي تتحاشى الحديث عن وجود معتقلين مدنيين في سجونها حتى أقرت أخيراً باختطاف نحو ثلاثة آلاف مدني بينهم نساء من المناطق الخاضعة لسيطرتهم خلال 12 شهراً الماضية، بتهمة مناهضة سلطات الميليشيات والعمل لصالح الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
واعترف المتحدث باسم الميليشيات عبد الملك العجري، بقيام مسلحيهم باعتقال 2856 مدنياً خلال العام الهجري المنصرم وذلك في مؤتمر صحافي عقده بصنعاء.
التحشيد والتجسس
وفي تفنيد لأسباب اختطافهم، قال القيادي الحوثي إن المختطفين ينتمون لمناطق يمنية متفرقة وذلك بتهم تأييدهم لتحالف دعم الشرعية، من بينهم 183 مدنياً بتهم التحشيد لصفوف الحكومة الشرعية، إلى جانب اختطافها 54 مواطناً آخرين بعد اتهامهم بالتجسس ورصد إحداثيات ضد مواقعها وكبار قادتها.
حرب نفسية
وعلى مدى سنوات الحرب الثماني الماضية، توالت على نحو متواتر تقارير حقوقية محلية ودولية تكشف عن هول المأساة الإنسانية في سجون الجماعة المدعومة من إيران باعتقالها آلاف المدنيين، وتحذر من إمعانهم في اعتقال كل من يخالفهم الرأي أو حتى من تشك الجماعة في ولائه في مسعى حثيث لبسط قبضتها الأمنية.
وقال رئيس منظمة “سام” للحقوق والحريات توفيق الحميدي، إن إعلان المتحدث باسم داخلية جماعة الحوثي اعتقال 3000 من الداعمين للشرعية بتهم مختلقة، يأتي في سياق الحرب النفسية التي تشنها الجماعة ضد المدنيين منذ إسقاطها العاصمة صنعاء بقوة السلاح.
ابتزاز
وعن صحة الرقم المعلن يشير الحميدي إلى أن أعداد من يتم اعتقالهم تعسفياً وإخفاؤهم قسراً أكبر من الرقم المعلن، حيث كشفت المنظمات خلال الفترات السابقة أعداداً مهولة من المعتقلين من دون تفرقة بين نساء ورجال وأطفال وبتهم باطلة بعضهم اعتقل فقط للابتزاز المالي.
ويتطرق الحقوقي اليمني إلى وضع المعتقلين في السجون الحوثية التي اعتبر أنها “تفتقر للحد الأدنى من المعايير الإنسانية، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا صحة ولا حتى شمس وتمارس فيها الميليشيات كل أنواع التعذيب بوسائل متعددة، وفقاً لشهادات وثقت أن جميع من اعتقل عذب ويعاني بعد الإفراج عنه من أمراض مزمنة ومتعددة بسبب التعذيب الوحشي ووضع السجون الكارثي”.
تعذيب لا مقطوع
وسبق للحكومة الشرعية ومنظمات حقوقية من بينها “هيومن رايتس ووتش”، أن اتهمت الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء “باحتجاز رهائن وارتكاب انتهاكات خطيرة بحق محتجزين لديهم، بما في ذلك التعذيب”.
وقالت الناشطة الحقوقية اليمنية وضحى مرشد، إن الميليشيات دأبت لرفع لافتة التخابر مع الشرعية كذريعة دامغة لاعتقال اليمنيين من الشوارع والبيوت وتلفق بحقهم التهم والمحاكمات الصورية فضلاً عن جرائم اغتصاب المعتقلات.
مغزى حوثي
واستدركت “لكن الجديد اعتراف عبد الملك العجري بذلك في مؤتمر صحافي بغض النظر عن حجة تهم التخابر مع الشرعية وغيرها، فالحوثي يختطف المواطنين على خلفية منشور في فيسبوك يشكو انقطاع الراتب”.
وأضافت “ما يمكنني تصوره من هذا التبجح العلني بالرقم المهول لعام واحد من المختطفين المدنيين (2856) أن الميليشيات قررت التخلص من هؤلاء أو سبق وتمت تصفيتهم في السجون السرية وربما هو تمهيد لصفقة تبادل جنود بمدنيين كما هو دأبها”.
وتقرأ الحقوقية اليمنية الإعلان الحوثي في سياقات سياسية “كإشعار الناس في الداخل أنهم دوماً تحت المراقبة وإرعابهم وحرف أنظار الناس عن السبب الحقيقي للأوضاع الاقتصادية المتردية، إضافة لتحقيق انتصار داخلي زائف خصوصاً أن توقيت هذا التصريح يتزامن والهدنة لكن الأهم أن لا اسماء لهذا الرقم من المعتقلين من المدنيين”.
ثلاثة آلاف معذبة
وبناءً على استخلاص حقوقي نشطت فيه تؤكد مرشد أن هناك أرقاماً أكبر بكثير مما تم التصريح به لمعتقلين ومخفيين بلا تهم في سجون الحوثي السرية، وهذا “يذكّر بالمعتقلات من النساء الذي ترجح بعض المنظمات أن الرقم المعروف لعددهن يفوق الثلاثة آلاف مختطفة يقبعن تحت التعذيب والاغتصاب، ولا يزال ملف المعتقلات بعيداً من اهتمام الشرعية والمنظمات الدولية وهو ملف إنساني عاجل وطارئ لا يجوز السكوت عنه والصبر عليه”.
قتلى بالمئات
وكانت منظمة “مساواة للحقوق والحريات”، قد أكدت الشهر الماضي أن 293 معتقلاً مدنياً قضوا تحت التعذيب في سجون ومعتقلات الميليشيات الحوثية في كل المحافظات الخاضعة لسيطرتها منذ بداية انقلابها على الشرعية منذ سبتمبر (أيلول) 2014، وحتى نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي في جردة حساب صادمة تكشف عن هول الضحايا التي سببتها الحرب الدامية في اليمن منذ ثماني سنوات.
ولم يتسنَّ لـ”اندبندنت عربية” الحصول على تعليق رسمي من قبل الحوثي حول التهم التي أوردها التقرير، إلا أن وسائل إعلامية تابعة له، بما فيها قناة “المسيرة” الناطقة باسمه، عزت تلك الممارسات إلى “الإجراءات الأمنية” التي تطاول المئات من السكان المقيمين في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها.
وفي اعتراف بشنّ سلسلة اعتقالات طاولت عشرات المدنيين، أكد موقع الإعلام الأمني التابع للحوثيين في أغسطس (آب) العام الماضي، خطف مسلحي الجماعة المدعومة من إيران أكثر من 140 مواطناً في العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى، مرجعة ذلك إلى تواصلهم مع الحكومة اليمنية والتحالف الداعم لها.
وحينها، لم يتطرق إعلام الحوثي إلى هوية المختطفين المدنيين وأماكن احتجازهم أو التهم المنسوبة إليهم ومصيرهم، غير أن مصادر حقوقية يمنية قالت إن أعداد المعتقلين في سجون الجماعة يفوق أضعاف ما أعلنت عنه.
المصدر أندبندنت عربية