كريتر نت – متابعات
أرسل خبراء البنك الدولي إشارات للدول العربية من أن التباطؤ في معالجة التضخم على الرغم من التحديات القائمة من شأنه إفساد الجهود الرامية إلى إصلاح اقتصادات المنطقة وبالتالي قد يؤدي إلى زيادة أعداد الفقراء الذين باتوا في أمسّ الحاجة إلى الدعم أكثر من أي وقت مضى.
وقدم البنك الدولي وصفة لحكومات الدول العربية تتمحور على أربع نقاط يمكن من خلالها السيطرة على مستويات التضخم التي أصبحت الشغل الشاغل للمسؤولين الحكوميين والسلطات النقدية.
ولئن كان تحرك البنوك المركزية في الدول الضعيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا برفع أسعار الفائدة لكبح التضخم سمة بارزة خلال الأشهر الأخيرة، إلا أنه يبدو إجراء منقوص إن لم تتبعه تدابير أقوى تسهم في معالجة هذا الوضع بشكل تدريجي.
وارتبط التضخم المرتفع على الدوام بتراجع النمو الاقتصادي، ما يجعل بذل جهود للحفاظ على معدلاته منخفضة ومستقرة، أمرا حيويا للحد من مستويات الفقر وعدم المساواة.
وتسببت موجة ارتفاع قوية للأسعار نتيجة تدهور سعر صرف العملات المحلية وتعطل سلاسل الإمدادات منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا قبل خمسة أشهر وما خلفته الأزمة الصحية منذ عامين تقريبا، في ارتفاع معدلات التضخم في العديد من أسواق المنطقة.
ويقول نادر محمد المدير الإقليمي للنمو العادل والتمويل والمؤسسات بالبنك إن كل البلدان تحتاج إلى اتخاذ قرارات صائبة من شأنها تيسير النمو الاقتصادي المستدام وتقليص التضخم الذي يُؤثِر على الفقراء أكثر من تأثيره على الأغنياء.
وساق في تقرير نشره البنك على منصته الإلكترونية مجموعة من السياسات، التي يمكن من خلالها معالجة ارتفاع أسعار الاستهلاك وانخفاض معدل النمو، فضلا عن أساليب يمكن من خلالها دعم الفئات الهشة.
ويبرز تحسين جودة الإنفاق العام كأحد المحددات المهمة لتطويق هذه المشكلة فكثير من الدول العربية وخاصة المستوردة للطاقة تثقل كاهلها ديون ضخمة وتعاني من حيز ضيق للإنفاق جراء قلة الموارد وعجز موازناتها العامة السنوية.
ولدى الدول العربية ضعيفة الدخل احتياجات كبيرة للإنفاق مثل تحديث أنظمة الحماية الاجتماعية والاستثمار في تدابير التكيف مع تغير المناخ. ويتعين عليها الارتقاء بجودة النفقات العامة الجارية وإعادة توجيهها.
وفي الوقت الحالي تُهيمن أجور العاملين في القطاع العام، وأنظمة الدعم غير الموجَهة لفئات بعينها، وأعباء خدمة الديون على الإنفاق العام.
ويرى محمد أن هذه العوامل تسهم مجتمعة في أوجه الجمود في الموازنة العامة ومع أنه قد لا يوجد خيار يُذكَر أمام البلدان المعنية في الأمد القصير، فإنه يجب عليها تحسين جودة إنفاقها.
وقال إن الحكومات “عليها جعل الإنفاق العام أكثر تركيزا على تحسين الأداء وتخفيض أنظمة دعم الطاقة غير المُوجَّهة لفئات بعينها إصلاح البنية التحتية والشركات المملوكة للدولة”.
وأكد أنه من الضروري زيادة كفاءة إدارة الديون من أجل تقليص تكاليف خدمة الديون عبر تقليل الاعتماد على التمويل قصير الأجل المرتفع التكلفة.
ويساعد البنك مختلف الدول العربية في هذه الجهود عبر استعراضات الإنفاق العام، وتحليلات أثر الضرائب والإنفاق الحكومي على الدخل الحقيقي، وإسداء المشورة بشأن تمويل البنية التحتية وإدارة الديون، وهو ما يجري الآن في مصر والمغرب ولبنان وغيرها.
وثمة حاجة أيضا لتعزيز شفافية الديون وتفادي “الديون الخفية”، بحسب محمد، الذي يقول إنها غالبا ما تصبح معروفة في “أسوأ وقت ممكن” وذلك عندما تحدث أزمة بالفعل.
ومع أن شفافية الديون تُشكِل تحديا في مختلف بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن لدى المنطقة إحصاءات جيدة إلى حد ما بشأن الديون.
ويعتقد خبير البنك الدولي أن على حكومات المنطقة توخي الحذر من الالتزامات الطارئة سواء كانت ناجمة عن ضمانات حكومية لشركات مملوكة للدولة أو مشاريع القطاع العام.
ولفت الانتباه أيضا إلى الضمانات الضمنية كما يحدث حينما تقترض شركة مملوكة للدولة على أساس دعم مُتصور من الحكومة، أو التزامات أخرى.
◙ البنك الدولي قدم وصفة لحكومات الدول العربية تتمحور على أربع نقاط يمكن من خلالها السيطرة على مستويات التضخم
ومن الأمثلة في هذا الصدد اتفاقيات شراء الكهرباء فهي في الغالب لا يتم الإفصاح عن تفاصيلها، وتُبرم في سياقات ضعف استرداد التكاليف، مع احتمال أن تصبح التزامات على الحكومة.
وحتى تتجنب المزيد من الضغط فإن الحكومات العربية عليها تفادي هيمنة المالية العامة والاعتماد المفرط على البنوك المركزية. وهذا المحور الثالث الذي تطرق إليه محمد.
وتشير هيمنة المالية العامة إلى وضع يصبح من المتوقع فيه أن يتم تمويل عجز الموازنة العامة والديون الحكومية بزيادة عرض النقود بمعنى تمويلها من خلال “طبع النقود”.
وفي الظروف العادية، تظل الديون العامة التزامات يُمكن تحملها وتحت السيطرة من خلال مزيج من النمو الاقتصادي وفرض الضرائب.
ولكن محمد يقول إن “الصدمات والسياسات غير المجدية قد تدفع الديون إلى مستويات لا يمكن تحملها وقد تؤدي في نهاية المطاف إلى الاعتقاد بأن الخزانة العامة ستعتمد على البنك المركزي في تمويل التزامات الدولة”.
ولا يبدو هذا وضعا جيدا، فلبنان، الذي يمر بأسوأ أزمة مالية واقتصادية على الإطلاق، هو نموذج بارز على هيمنة المالية العامة في المنطقة العربية.
وليس بمقدور البنوك المركزية أن تفعل الكثير إلا من خلال احتياطاتها من النقد الأجنبي وإدارتها لأنظمة العملة والقطاع المصرفي، ولكن لا يمكنها الحفاظ على استقرار الأسعار إذا باتت الملاذ الأخير لإقراض الحكومات.
وحينما يتداعى التحكم في التضخم، تتلاشى احتياطيات النقد الأجنبي بسرعة. ولتفادي هذا الوضع، تجد البنوك المركزية أنه لا بد من اللجوء إلى تقنين النقد الأجنبي، وهي ممارسة ذات تأثير تشويهي بدرجة كبيرة لا تفعل سوى تأجيل ما هو حتمي.
وهذا الوضع يظهر بوضوح حينما تخلفت سريلانكا عن سداد ديونها الخارجية للمرة الأولى في تاريخها الشهر الماضي.
ويدعو بعض محافظي البنوك المركزية العربية إلى التحرك على وجه السرعة لإجراء إصلاحات هيكلية. وهذا أمر مفهوم منه، فإذا ساءت أوضاع المالية العامة، ولم يبدأ إجراء إصلاحات هيكلية، فإن أدوات المؤسسات النقدية تصبح غير مجدية.
ويركز الخبير محمد في تقريره على حماية الفئات الفقيرة والأكثر احتياجا لمواجهة معضلة التضخم التي تدفع أغلب الأسر إلى الإنفاق أكثر على الغذاء وبالتالي تتآكل ميزانياتها الشهرية في معظم الأحيان.
وبحسب التقديرات تبلغ نسبة المواد الغذائية من الموازنة العامة أكثر من 30 في المئة في مصر والجزائر والمغرب وجيبوتي.
الحكومات العربية عليها تفادي هيمنة المالية العامة والاعتماد المفرط على البنوك المركزية
ومع أن البعض من الدول العربية تدرس ما يمكنها اتخاذه من تدابير لإعادة تخصيص النفقات، فإن البعض الآخر بدأ بالفعل تنفيذ برامج لإصلاح الدعم يتم فيها اتخاذ آليات تعويض موجَّهة لحماية الفقراء من غلاء أسعار الغذاء والطاقة.
وكانت مصر قد أعلنت في مارس الماضي بعد أيام من اندلاع الحرب في أوكرانيا عن إنفاق إضافي بقيمة 130 مليار جنيه (6.8 مليار دولار). وهذا ما يعادل 1.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن المتوقع أن توجه هذه الأموال إلى زيادة رواتب موظفي القطاع العام ومعاشات المتقاعدين ودعم الحماية الاجتماعية لإضافة 450 ألف أسرة إلى البرنامج. ويعتقد محمد أنه من الضروري الحد من برامج الدعم الشامل واستخدام أنظمة الحماية الاجتماعية القائمة على التحويلات النقدية.