رشا عمار
صحفية مصرية
بالرغم من مرور نحو أسبوعين على إعلان الإدارة الأمريكية مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في العاصمة الأفغانية كابول، ما تزال السيناريوهات المتعلقة بمستقبل التنظيم غامضة، ويرجح خبراء ومراقبون (4) سيناريوهات باعتبارها الأقرب للتحقق في المستقبل القريب، اعتماداً على قراءة معمّقة للحالة الراهنة للتنظيم، وطبيعة الشخصيات المُرشحة لخلافة الظواهري، وأيضاً مدى انتشار تنظيم القاعدة الجغرافي ومراكز قوته في مناطق محددة قد تكون مؤهلة لنقل ثقل التنظيم إليها، وفي مقدمتها منطقة غرب أفريقيا.
تتفق غالبية الآراء البحثية الحديثة التي تناولت مستقبل تنظيم القاعدة في ضوء مقتل الظواهري، حول محدودية تأثير مقتله على القاعدة بوجه عام، من حيث مركزية القرار أو التوزيع الجغرافي للأفرع التنظيمية، وفي الوقت ذاته لا يستبعد المراقبون تحويراً في بعض سياسات التنظيم رداً على العملية الأمريكية، ومحاولة من جانب بعض القيادات اقتناص الفرصة لمحاولة إحياء نشاط القاعدة مجدداً، خاصة في المناطق التي تعاني من حالة أمنية رخوة، ويمكن استغلالها كمراكز جديدة لنقل الثقل التنظيمي.
وفي ضوء المعطيات الراهنة، يرجح المراقبون (4) سيناريوهات لمستقبل تنظيم القاعدة بعد مقتل الظواهري؛ الأوّل هو إحياء نشاط التنظيم وانخراطه في مرحلة عمليات أكثر شراسة من خلال مجموعات منفردة، والثاني هو دخول التنظيم في مرحلة من الضبابية لحين اختيار خليفة للظواهري يتمكن من حسم التحديات الراهنة ورسم سياسة المستقبل، والثالث هو أن يتمحور التنظيم جغرافياً ويعيد تشكيل نفسه في مناطق جديدة داخل أفريقيا اعتماداً على ثقل أفرعه، فضلاً عن احتمال رابع يتوقع تقهقر التنظيم ونهايته.
والسيناريوهات الـ4 ستظل محكومة، بحسب مراقبين، بعدة اعتبارات؛ أهمّها التمويل، والتوزيع الجغرافي، والقدرة على تجاوز إشكالية اختيار الخليفة، وأيضاً الدور الوظيفي للقاعدة وحدوده.
إحياء الإرهاب المستقل (الذئاب المنفردة)
الكاتب المصري المختص بحركات الإسلام السياسي والتطرف حسين القاضي توقع أن “يلجأ التنظيم خلال الفترة المقبلة إلى الإرهاب المستقل، أو الانفرادي، أو الإرهاب دون قيادة، أو الذئاب المنفردة رداً على مقتل زعيم التنظيم أيمن الظواهري”.
وألمح القاضي، في مقاله المنشور بموقع “الوطن”، إلى الفرق بين مصطلحي الذئاب المنفردة والإرهاب الفردي، ففي حين يُطلق الأول على المجموعات أو الأفراد التي تمارس عمليات إرهابية وتعتنق أفكار التنظيم ولكن دون ارتباط تنظيمي معه، على عكس الإرهاب الفردي الذي يكون مرتبطاً بالتنظيم.
وبحسب القاضي، أسس تنظيم القاعدة لفكرة “جهاد الإرهاب الفردي” من كتاب “دعوة المقاومة الإسلامية العالمية”، وهو كتاب يمثل مرجعية لـ”القاعدة”، ومؤلفه أبو مصعب السوري، ويعزز من هذا الاحتمال نجاح التنظيم في تنفيذ مثل هذه العمليات، وافتقار الهياكل الأمنية الأمريكية (وغير الأمريكية) لمواجهة هذا النوع من العمليات الإرهابية التي يتميز بها، حيث لا يوجد حتى الآن، وفق بعض الدراسات، وكالة رئيسية متخصصة في أمريكا منوط بها مجابهة هذا النوع من الإرهاب المستقل، فضلاً عن وجود قيود قانونية كبيرة بحجة عدم الحدّ من حرية الأفراد.
هل ينقل التنظيم ثقله إلى أفريقيا؟
يرى المراقبون أنّ الظروف الأمنية والسياسية في بعض الدول الأفريقية تمثل فرصة أمام التنظيمات الإرهابية بوجه عام للتمدد وبسط النفوذ، وكذلك لتنظيم القاعدة الذي يبحث عن ملجأ بينما تتوافر له أفرع على الأرض في عدة دول في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.
الكاتبة السودانية والباحثة بالعلوم السياسية في جامعة الخرطوم منى عبد الفتاح تقول: إنّ “استمرار نشاط تنظيم القاعدة يعتمد في أفريقيا التي تعاني كثيراً من الأزمات السياسية والاقتصادية على عوامل خارجية، منها تلك المتعلقة بالقيادات المحتملة للتنظيم، ومنهم مرشحون حاليون لخلافة أيمن الظواهري، جلّهم من شمال أفريقيا، فبعد أن كان التنظيم في حال تنافس ومقارنة بتنظيم داعش، وفّر تجدد القيادات بعد مقتل زعيميه دافعاً آخر للتنافس، ولكن هذه المرة بقيادات ربما تكون أوفر تأثيراً من الظواهري”.
وتضيف: “من العوامل الخارجية المؤثرة أيضاً مقدار الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه الدول الأفريقية من الولايات المتحدة والدول الأوروبية لتلعب دوراً في كبح جماح تنظيم “القاعدة” والجماعات التابعة له. وربما يكون من المناسب دمج الدعم الأمني والعسكري بنوع من الدعم التنموي، والتدريب للقوات المحلية مثلما حدث في عام 2003 عند إنشاء “مبادرة دول الساحل الشاملة”، ثم عند إنشاء شراكة “مكافحة الإرهاب عبر الصحراء” في عام 2005.
أمّا العوامل الداخلية، بحسب عبد الفتاح، فتنبع من بيئة الصراعات السياسية القائمة على أساس إثني وطائفي، التي مثلت روابط مشتركة بين أغلب الدول الأفريقية التي ينشط فيها هجوم “القاعدة” والجماعات التابعة له، ممّا يلفت إلى ضرورة التركيز على الاستفادة من الدعم الخارجي بتحقيق الاستقرار السياسي كأولوية لمكافحة الإرهاب، ومساعدة هذه الدول في صياغة تشريعات تراعي تطبيق العدالة وتلتزم بها في مجتمعاتها المحلية؛ لأنّ أغلب حالات التمرد ضد النظم السياسية من المجموعات التي انضمت إلى تنظيم “القاعدة” تشكو من المظلومية وتهميش مجتمعاتها المحلية.
أزمة محتملة مع طالبان
يرى، أحمد كامل البحيري، الباحث المصري المختص بشؤون الإرهاب والحركات المسلحة بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية بُعداً آخر للآثار المترتبة على مقتل الظواهري في كابول، يتعلق باحتمالات أزمة بين القاعدة وطالبان على خلفية مقتل الظواهري.
ويقول البحيري، في مقال تحليلي منشور على موقع الأهرام تحت عنوان “ماذا بعد مقتل الظواهري؟”: إنّه “بالرغم من إصدار حركة طالبان بياناً أدانت فيه عملية استهداف الظواهري في العاصمة كابول، واتهام بعض الدوائر الأمريكية منظمة (حقاني) بحماية وإخفاء الظواهري، إلا أنّ الطرفين، حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، يسعيان لاستمرار إنجاح اتفاق السلام الموقع في الدوحة”.
وهو ما يتوازى، بحسب البحيري، مع تزايد احتمال اتجاه “طالبان” إلى تقييد مستوى التعاون المتبادل مع التنظيم، خاصة في مرحلة ما بعد اتفاق الدوحة، على نحو قد يتحول إلى أحد أهم التحديات التي سيواجهها خليفة الظواهري.
إشكالية اختيار خليفة
بحسب البحيري، يختلف المشهد الحالي في طرح اسم خليفة الظواهري عن حالة الصراع التي برزت في مرحلة ما بعد مقتل زعيم ومؤسس التنظيم أسامة بن لادن، في أيار (مايو) 2011.
ويضيف: “مع مقتل أسامة بن لادن، كان التنظيم يضم العديد من الأسماء المؤهلة لخلافته، وهو ما يختلف عن الوضع القائم حالياً، في مرحلة ما بعد مقتل الظواهري، إذ تنحصر خلافة الظواهري في اسمين: الأول هو محمد صلاح الدين المكنى بـ”سيف العدل”، وهو المسؤول عن اللجنة الأمنية ومهندس المتفجرات بالتنظيم الذي كان مقرباً من أسامة بن لادن وطهران”.
والثاني هو محمد صالح زيدان الذي تولى مسؤولية التنظيم لفترة قصيرة في أعقاب مقتل أسامة بن لادن، قبل اختيار الظواهري، وهو الأقل في الكاريزما والسيطرة مقارنة مع سيف العدل. وترجع محدودية عدد المرشحين لخلافة الظواهري إلى مقتل أغلب قيادات الصفين الأول والثاني للتنظيم خلال الأعوام الـ10 الماضية، وكان أبرزهم أبو محمد المصري في طهران، آب (أغسطس) 2020، وأبو محسن المصري في أفغانستان، تشرين الأول (أكتوبر) 2020، وحمزة بن لادن، آب (أغسطس) 2019، على نحو أفقد “القاعدة” الأسماء القادرة والمؤهلة لخلافة الظواهري.
رسالة الظواهري الأخيرة… هل أعلن نهاية التنظيم؟
من جهته، يرى الباحث المصري، المختص بالإسلام السياسي والإرهاب أحمد سلطان، أنّ الظواهري قد أعلن ضمنياً عن نهاية التنظيم وفشل مشروعه في إصدار مرئي قبل نحو أسبوعين من مقتله.
ووفق ما أورده سلطان في دراسة نشرها موقع “إضاءات” تحت عنوان: “أيمن الظواهري: الأمير الذي لم يُجِد إلا “الرثاء”، ركز الظواهري خلال (6) حلقات على شرح التصور الخاص بالجهاد لتنظيم القاعدة، ويتضمن التصور مراحل متدرجة تبدأ بـ”جهاد البيان، ثم جهاد الدعوة، ثم الجهاد السياسي… إلخ”، بينما يتأخر الجهاد القتالي إلى المرحلة الأخيرة، وفق تصور الظواهري.
وأشار أيمن الظواهري، وفق سلطان، إلى أنّ التنظيم يواجه (6) تحديات رئيسية هي: الدولة الوطنية، والشرعية الدولية، والإلحاد، والقهر والاستبداد، والاحتلال العسكري، والتنصير، وأنّ هذه التحديات تحول دون إعلانه الخلافة الجهادية العالمية.
ويقول سلطان: على الرغم من أنّ أمير القاعدة (المقتول) هدف بتصوره الجديد إلى إعادة بعث تنظيمه من حالة الموت السريري التي يعانيها منذ أكثر من (11) عاماً، أي منذ توليه زعامته، فإنّ تلك الكلمات تُعدّ اعترافاً صريحاً بأنّ مشروع القاعدة القتالي أصبح فاشلاً، وأنّ محاولات إحيائه ليست سوى رثاء ضمني للتنظيم الذي أسّسه الجهاديون العرب، وعلى رأسهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، كما تثبت تلك الكلمات أنّ الظواهري لم يكن ظاهرة حقيقية، بقدر كونه “ظاهرة صوتية محبّة للظهور الإعلامي”، بتعبير رفيقه وأمير تنظيم الجهاد سابقاً سيد إمام الشريف.
المصدر حفريات