كريتر نت – العرب
أثار مقال للإعلامي المصري عمادالدين أديب موجة من الجدل في مصر، وسط انتقادات من إعلاميين مقربين من السلطة المصرية للمقال، بينما صرح أديب بأن المقال “ليست له علاقة من قريب أو من بعيد بالحالة المصرية”.
والتقط إعلاميون مصريون محسوبون على النظام مقالا للكاتب المصري عمادالدين أديب بعد أسبوع من نشره لشن هجوم عليه متهمينه ببث “نظرة متشائمة”، معوضين بذلك افتقار الساحة الإعلامية المصرية إلى “الكتابة السياسية الجادة” التي أصبحت حاجة ملحة للجماهير المصرية التي ملت التطبيل.
وعدّد مقال أديب المنشور منذ الرابع عشر من أغسطس الجاري بموقع “أساس ميديا” اللبناني، 14 سببا يمكنها أن تؤدي لإسقاط الحكام والأنظمة ما أثار موجة من الجدل في مصر، وسط انتقادات من إعلاميين مقربين من السلطة المصرية للمقال. واختتم أديب مقاله قائلا “يا خوفي الشديد على كثير من أنظمتنا وشعوبنا من الآن حتى منتصف العام المقبل حينما تصبح لقمة العيش وسوء الخدمات واستحالة الحياة اليومية هي وقود اضطرابات اجتماعية مدمّرة”، وهي ذات العبارة التي نشرها على حسابه على تويتر للتأكيد عليها.
وبعد مرور أسبوع على نشر المقال، انتقد إعلاميون مصريون مقربون من السلطات المصرية مقال أديب، معتبرين أنه “مسيء” للدولة المصرية، وتستغله المعارضة وجماعة الإخوان المسلمين.
وقال معلقون إنه وفقا لتلميحات أديب فإن المقال ينطبق على الحالة المصرية، بينما صرح أديب بأن المقال “ليست له علاقة من قريب أو من بعيد بالحالة المصرية”.
العرض الانتقائي لبعض المقالات من إعلاميين محسوبين على النظام يدخل في إطار التلاعب بالرأي العام
وسلط الهجوم على أديب “الانتقائية في القراءة والحساسية الشديدة لدى إعلاميين قريبين من النظام في محاولاتهم التحكم في المعروض الإعلامي، خاصة إذا كان الهدف جهة محسوبة على النظام”.
ويدخل العرض الانتقائي لبعض المواد الإعلامية في إطار التلاعب بالرأي العام من ذلك “إعطاء هامش بسيط ومقيد من الحرية الإعلامية لغرض التنفيس الشعبي”، حيث يذكر إعلاميو النظام ما ورد في المقال ثم يعملون على نسف أطروحاته وتخويف الرأي العام من مصير مظلم ينتظره إن صدقه.
ويقع الإعلام المحلي المصري في أزمة انتقائية أفقدته مصداقيته، إذ تخلى تدريجيا عن وظيفته التقليدية كسلطة رابعة، ليصبح أداة من أدوات السلطة للتلاعب بالرأي العام. وتغيّرت ملامح هذا الإعلام، وتحولت أساليبه ولغته إلى هجوم يومي غني بالتهديد والتخوين والشتائم، حيث إن فضائيات مصرية تحولت إلى مسارح مونولوغ، يطلق من خلالها إعلاميو النظام العنان لعقدهم وحساسياتهم وانفعالاتهم، في محاولة للسيطرة على الرأي العام.
وقال الكاتب الصحافي وعضو مجلس الشيوخ محمود مسلم “أنا حزين أن يكون مثل هذا المقال باسم الكاتب عمادالدين أديب، ولا أستوعب حتى الآن قيامه بكتابة هذه الكلمات الصعبة”. وتابع مسلم، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي نشأت الديهي، ببرنامج “بالورقة والقلم”، المذاع على فضائية “تن” مساء الأحد “أنا حزين أيضا باحتفاء جماعة الإخوان بمقال أديب”، مشيرا إلى أن ما ورد في المقال كان جديدا، خاصة أنه جاء من شخص طالما دافع عن الدولة المصرية و”ثورة الثلاثين من يونيو”.
وقال الديهي “أديب أخطأ وكتب مقالا عن سقوط الأنظمة، لكن المقال هو سقوط للكاتب، وربنا واقف معانا وسترها معانا عشان السيسي راجل مخلص، والشعب المصري لن ينسى ما فعله السيسي”.
وخلال البرنامج نفسه، قال النائب والإعلامي مصطفى بكري إن هذا المقال ليس الأول من نوعه لأديب، حيث نشر مقالا في شهر يونيو يُحذر فيه مما أسماه بالفوضى التي من الممكن أن تعم البلاد، ومن ثم هجرة المصريين إلى ليبيا أو الدول المجاورة. كما كتب بكري مقالا هاجم فيه أديب.
ولم يقف الأمر عند إعلاميي النظام فقد هاجمت لجان إلكترونية أديب الذي ينتمي وفق رأيها للدولة العميقة. وقال حساب:
في المقابل، اعتبر آخرون أن السماح بالمقال دليل على “التغيير الإعلامي المنشود في مصر”، حيث سلط الجدل حول المقال الضوء على قوة التحليلات وأهمية وسائل الإعلام التقليدية في التأثير. وقال إعلامي:
وفي سياق آخر، يشير التعامل الحالي مع مقال أديب إلى تناقض فاضح، حيث سبق أن احتفى “نفس الإعلام بطريقة مغلفة” بمقال سابق لأديب.
وتثير مواقف بعض الإعلاميين المصريين التي تتلون من حين لآخر بين الاحتفاء بأفكار معينة ثم مهاجمتها تساؤلات عن المؤثرات والدوافع التي تتسبب في ذلك، وهل هي تغيرات طبيعية تفرضها المواقف السياسية والقضايا المجتمعية على القائمين بالاتصال أم أنها تحيزات شخصية لتحقيق مكاسب فردية؟
ويونيو الماضي خاطب أديب في مقال بعنوان “من يعوض الفاتورة المؤلمة للحرب الروسية – الأوكرانية” دول الخليج لتحمل فاتورة الانهيار الاقتصادي المصري البالغة قيمتها 25 مليار دولار. ورغم أن معلقين اعتبروا حينها أنه “مارس حالة من الابتزاز السياسي فقد أبرز الإعلام المحلي المقال”.
معلقون: أديب كتب مقاله بإيعاز من جهات سيادية اختارته في ظل عدم تمتع إعلاميي النظام الآخرين بمصداقية لدى الشارع المصري
وفي الوقت نفسه وجه عبدالفتاح السيسي يوم الثالث عشر من يونيو 2022 رسائل إلى السعودية والإمارات، ودعاهما إلى تحويل الودائع الخاصة بهما في البنوك المصرية إلى استثمارات، سواء أكانت مشتركة مع القاهرة أم من الجانب الخليجي. وقال “ماذا نقول نحن من جانبنا؟ لماذا لا نحول هذه الودائع إلى استثمارات في مصر؟ ونحن لدينا مشاريع كثيرة جدا، والبلاد فيها 100 مليون نسمة، وفيها فرص جيدة جدا، ونحن نرحب بالأشقاء في مجال الاستثمار”.
ورد معلقون على مقال أديب الذي روجت له كل القنوات حينها بأن “كاتب المقال الأصلي هو أبانا الذي في المخابرات”. وقال معلقون إن أديب كتب مقاله بإيعاز من جهات سيادية اختارته في ظل عدم تمتع إعلاميي النظام الآخرين بمصداقية لدى الشارع المصري.
ورد الكاتب السعودي تركي الحمد حينها بقسوة على “المقال الرسالة” لأديب، بتغريدة على حسابه على تويتر. وقال متهكما من مصر التي أصبحت عالة “كان من المفروض على هذا الكاتب أن يتساءل: ولماذا لا تستطيع بلاده حل أزماتها المزمنة بنفسها بدل أن تصبح عالة على هذا وذاك؟ وهو حقيقة يهين مصر حين يجعلها تبحث عن ‘راع’ خليجي أو إيراني أو تركي، بدل أن تكون هي الراعية، كما كانت في زمن مضى، إذ لا ينقصها شيء مما لدى تركيا وإيران والخليج”.
والفكرة نفسها التي شاركها حساب “ملفات كريستوف” على تويتر الذي يورد وجهات النظر السعودي. وقال “المقال سطحي وبعيد كل البعد عن واقع التعاون الاقتصادي، لكن الابتزاز والتلويح بورقة العلاقة حماقة“، معتبرا أن “أطروحات بعض نخب الكتاب والمثقفين تعطي انطباع لدى الآخرين بأن دولهم تتعامل بمبدأ رعوي اتكالي، وأنه لا بد لها من راع يرعى شؤونها نيابة عن حكوماتها ومسؤوليها، وأن عدم الرعاية تخلّ وخذلان يستحق أن يقابل بالخيانة والانتقام عبر الذهاب لراع آخر”.
ويذكر أن مصر تجاوزت مرحلة التعبئة الإعلامية وتحتاج إلى تعبئة واقعية لا تقتصر على التقتير في التمجيد أو الزيادة في انتقادات آليات عمل الدولة، فالمطلوب توفير مساحة واسعة ليتحرك الإعلام فيها ويقوم بدوره الحقيقي.