حامد فتحي
صحفي مصري
بعد أن غادر السودان محطة المبادرات السياسية في حلّ أزمته السياسية، التي شهدتها البلاد بعد الإجراءات التصحيحية/ انقلاب، 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، بات على وشك دخول محطة أخرى من الإعلانات السياسية، والتي تنادي بها تحالفات وكتل سياسية تشكلت بعد استفحال الأزمة.
وتختلف المحطة الثانية في عدة عوامل، منها؛ إخفاق جهود الوساطة الأممية والدولية والإقليمية لحلحلة الأزمة، وبروز قوى غير محسوبة على الثورة ولم تكن من النظام القديم، ووجود ميل عام نحو التوافق بين القوى الأقل اختلافاً، وهو ما تُرجم في الإعلان عن مبادرة نداء أهل السودان، برعاية الطرق الصوفية ومشاركة السلفيين.
إعلان قوى التوافق الوطني
وظهرت مبادرة نداء أهل السودان، في آذار (مارس) الماضي، وحظيت بدعم الجيش، وعن تكوينها، ذكر عضو المبادرة، هشام الشواني، في تصريحات سابقة، أنّ المبادرة الجديدة تجمع أطيافاً سودانية متنوعة بينها “الطرق الصوفية والأحزاب السياسية والإدارات الأهلية وقطاعات حديثة بينها المهنيون والمثقفون”، وذلك بعد استشعار الجميع للمخاطر والمهددات التي تحدق بالبلاد.
ونظم التحالف اجتماع المائدة المستديرة، الذي تحدّث فيه عدد واسع من قيادات صوفية وسلفية وسياسية واجتماعية وثقافية، وذكر مؤسس المبادرة، أحد مشايخ الطريقة القادرية، الشيخ الطيب الجد ود بدر، في خطاب المائدة المستديرة، أنّ هناك توافقاً حول تأكيد أنّ “العلاقة بين الشعب والقوات المسلحة والقوات النظامية ليست علاقة خصومة أو صراع، وقيام انتخابات تتوافر لها كلّ متطلبات النزاهة في فترة زمنية تقلّ عن العامين”.
وفي تعليقه، قال عضو المجلس المركزي لحزب المؤتمر السوداني، نور الدين صلاح الدين: “تحتاج البلاد إلى أن يكون هناك توافق، ليس بمعنى تحالف، لكن على الأقل التوافق على شكل تسيير الدولة، والعلاقات بين مؤسسات الدولة، وهذا ما افتقدناه بعد انقلاب 25 أكتوبر وتقويض الوثيقة الدستورية لعام 2019”.
وعن مبادرة نداء أهل السودان، قال: “مبادرة نداء أهل السودان هي مبادرة محسوبة على فلول النظام المُباد، ومجموعات الإخوان المسلمين، الذين حكموا البلاد لمدة 30 سنة”.
وفي 23 من آب (أغسطس) الجاري، وقّعت قوى إعلان الحرية والتغيير، التوافق الوطني، إعلاناً سياسياً للحكم المدني الديمقراطي، ينصّ على تشكيل جسم سيادي لإدارة فترة انتقالية تتفق عليه الأطراف، وخلال مراسم التوقيع، قال رئيس لجنة الاتصال في “التوافق الوطني”، رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي؛ إنّ أهم ما جاء في الإعلان السياسي هو “مشاركة المؤسسة العسكرية السلطة خلال الفترة الانتقالية المقترحة نظراً لهشاشة الأوضاع الأمنية في البلاد”.
ووقّع الإعلان كلّ من قوى الحرية والتغيير، التوافق الوطني، والحركة الشعبية، شمال ب، وحزب المؤتمر الشعبي، والحزب الاتحادي، إلى جانب ممثلين عن لجان المقاومة، والطرق الصوفية، والإدارات الأهلية، ومجلس الكنائس السودانية.
ونصّت الوثيقة، المعنونة بـ “الإعلان السياسي للتحول الديمقراطي”، على مشاركة الجيش في السلطة الانتقالية، مع اعتماد الإعلان الدستوري لعام 2019 كأساس دستوري للحكم.
وكذلك على تشكيل جسم سيادي لإدارة فترة انتقالية تتفق عليه الأطراف، والإبقاء على علاقة متزنة بين المدنيين والعسكريين، وتكوين مجلس تشريعي من 400 عضو، يراعي التنوع الثقافي والعرقي والجغرافي، كما طالبت بحذف المادة (20) من الوثيقة الدستورية، والتي تحظر ترشح شاغلي المناصب الدستورية خلال الفترة الانتقالية، في الانتخابات المقبلة.
موقف الحرية والتغيير – المركزي
ويقول القيادي بحزب المؤتمر السوداني، أحد مكوّنات قوى إعلان الحرية والتغيير – المجلس المركزي: “من حيث المبدأ نرحّب بأيّة مساهمة، لكن المهم شكل ومضمون المساهمة، ما طرحته قوى التوافق الوطني هو شيء لم نكن نتوقعه إطلاقاً؛ بأن يكونوا ملكيّين أكثر من الملك، في وقت تتداعى فيه السلطة الانقلابية، وتدّعي النأي بنفسها عن الملعب السياسي، ثم تأتي مجموعة التوافق الوطني للتحدث عن وجوب مشاركة المؤسسة العسكرية في عمليات التوافق السياسي والحكم خلال الفترة الانتقالية”.
ومن جانبه، يقول الأكاديمي والمحلل السياسي السوداني، محمد تورشين: “أبرز ملامح إعلان قوى التوافق الوطني؛ فترة انتقالية لعامين، وإشراك المؤسسة العسكرية، وترك شروط اختيار الوزراء والأجسام المتعلقة بتطوير عمل المؤسسة العسكرية للتشاور مع الفرقاء، من خارج التوافق، وذلك يعني قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي وقوى سياسية أخرى، فضلاً عن تجمّع نداء أهل السودان”.
ويرى الأكاديمي السوداني؛ أنّ هناك حملة تشويه تستهدف قوى التوافق الوطني، وتراها تعمل لتحقيق أجندة المكوّن العسكري، وأضاف: “الاصطفاف الذي يجعل القوى السياسية تتوحد حول أربع أو خمس كتل سياسية كبرى، أمر حميد، ويجعل من مهمة المبعوث الأممي أيسر، عبر اللقاءات مع هذه الكتل، للتوصل إلى مشروع تسوية سياسية يتم طرحها”.
لكن هذه المهمة عسيرة، بتعبير الأكاديمي السوداني، الذي أشار إلى أنّ المشكلة تكمن في “التباين الكبير في وجهات النظر، تحديداً حول وضعية الأجهزة العسكرية، والترتيبات الأمنية، وقضايا العدالة”. وشدّد على أنّ “عدم تقديم تنازلات، وتسلط كلّ طرف، سيؤثر سلباً على عملية الاستقرار والحراك السياسي الجاري، وسيزيد المشهد تعقيداً”.
مخاوف أطراف سلام جوبا
ومنذ توقيع اتفاق جوبا للسلام، عام 2020، وحصول أطراف الاتفاق على حصص وزارية وسيادية، اتخذت هذه الأطراف موقعاً أقرب إلى المكوّن العسكري، ودخلت في خلافات مع قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، وأيدت إجراءات/ انقلاب 25 أكتوبر، التي أطاحت بخصومها في المجلس المركزي.
وشاركت هذه الأطراف في السلطة التنفيذية بعد هذا التاريخ، وهو الأمر الذي عدته قوى المجلس المركزي “مشاركة في الانقلاب على الثورة”، ولا تحظى مكتسبات أطراف اتفاق جوبا برضا قوى سياسية عديدة في السودان، وهو ما تدركه هذه القوى، التي حاولت توسيع دائرة تحالفها في إعلانها الذي طرحته باسم التوافق الوطني، وتضمّن بنوداً تتعلق بتلبية مطالب المجلس الأعلى لنظارات البجا، الذي يرفض مسار الشرق في اتفاق جوبا.
ولا تشارك كلّ أطراف عملية السلام مع مجموعة التوافق الوطني، ومنهم الجبهة الشعبية لتحرير السودان شمال – مالك عقار، والجبهة الشعبية لتحرير السودان شمال – التيار الديمقراطي الثوري، بقيادة ياسر عرمان.
ويرى القيادي بحزب المؤتمر السوداني، نور الدين صلاح الدين؛ أنّ الموقف الذي اتخذته أطراف اتفاق جوبا من انقلاب 25 أكتوبر “خاطئ”، ولو كانوا يقرؤون الواقع بشكل جيد لعلموا أنّه “من الأفضل لهم الوقوف على الضفة الأخرى للانقلاب، والتمسك بالوثيقة الدستورية، وأجهزة الحكم المدني”.
وأفاد بأنّ الحكومة المدنية هي الضامن الوحيد لتنفيذ استحقاقات سلام جوبا، “تريد السلطة الانقلابية أنّ تكون الأوضاع هشّة، واستمرار التوترات وغياب الاستقرار؛ لأنّ هذا يخلق لها من الذرائع ما يجعلها تقول بوجوب استمرار وجودها لمواجهة هذه القلاقل والتحديات”.
وشدد السياسي السوداني على أنّ أطراف اتفاق جوبا عليهم “الحرص على استكمال مسار التحول المدني الديمقراطي، باعتباره الضمانة الأكمل لإنفاذ جميع جوانب الاتفاق، من المصالحات الاجتماعية والترتيبات الأمنية ودمج الجيوش، والتوزيع العادل للثروة، والتنمية المتوازنة وعودة النازحين واللاجئين، وغير ذلك”.
ولفت إلى احتمال دفع السلطة بقيادة البرهان إلى “إغراق الساحة السياسية بعديد المبادرات، مثل نداء أهل السودان والتوافق الوطني وغيرهما، ومن ثم تجميعها وتصويرها على أنّها شكل من أشكال التوافق الوطني، مع استبعاد قوى الثورة الحقيقية”.
واندلعت الأزمة الحالية في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، بعد انقلاب/ الإجراءات التصحيحية التي قام بها الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول ركن، عبد الفتاح البرهان، والتي شملت؛ تعطيل نصوص الوثيقة الدستورية التي تنصّ على الشراكة بين قوى إعلان الحرية والتغيير والعسكريين في إدارة الفترة الانتقالية، وحلّ الحكومة والمجلس السيادي، وعزل ولاة الأقاليم، وإيقاف عمل لجنة إزالة التمكين، وفرض حالة الطوارئ.
وعقب ذلك بأيام، شكّل الجيش مجلس سيادة انتقالي جديد، دون مشاركة قوى الحرية والتغيير، وأعاد عبد الله حمدوك إلى منصبه، بعد اتفاق 21 نوفمبر.
ومع استمرار الاحتجاجات وتصلّب مواقف أطراف الأزمة، أعلن حمدوك استقالته رسمياً في كانون الثاني (يناير) 2022.
المصدر حفريات