مروان برجاس
أوروبا اليوم، على أبواب حرب من نوع آخر، هي «حرب الصقيع»، إذ ربما تشهد القارة العجوز شتاء هو الأكثر برودة هذا العام، فصراع الطاقة بين الغرب وروسيا بات أكثر تعقيداً، وتجاوزت تداعياته الخطيرة حدود أوكرانيا، فعندما حاولت مجموعة السبع تسديد ضربة جديدة لعائدات الطاقة الروسية و«ثني» ذراع الكرملين، سعت موسكو إلى تحصين نفسها بإغلاق خط أنابيب «نورد ستريم 1»، كخطوة تحذيرية، وهددت بوقف إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، إذا مضت بروكسل قدما في تحديد سقف لسعر النفط الروسي.
وألغت روسيا موعدا نهائيا لاستئناف تدفق الغاز عبر خط «نورد ستريم 1» الذي كان مقرراً اليوم السبت، ما أدى إلى تفاقم مشاكل أوروبا في تأمين الوقود لفصل الشتاء الذي أصبح على الأبواب.
وهدد الكرملين بوقف بيع النفط إلى أي دولة تطبق الحد الأقصى لسعر النفط الروسي، ووصف الإجراء بـ«العبثي تماماً».
ووافقت مجموعة الدول السبع رسميا أمس الجمعة على فرض حد أقصى لسعر النفط الروسي بهدف تقليص عائدات حرب موسكو في أوكرانيا مع الحفاظ على تدفق النفط إلى الأسواق العالمية.
وشددت موسكو موقفها بشأن إجراءات الغرب، مع المحافظة على باب الدبلوماسية مفتوحاً، وقد اتضح ذلك من خلال ربط عملاق الطاقة الروسي «جازبروم» سبب معاودة إغلاق خط أنابيب «نورد ستريم 1» إلى خطأ فني نتج عنه تسرب زيت في الأسلاك.
ويزيد إغلاق خط أنابيب «نورد ستريم 1»، الصعوبات التي تواجه أوروبا في تأمين الوقود لفصل الشتاء، في وقت تواجه فيه أوروبا زيادة في تكاليف المعيشة بسبب ارتفاع فواتير الطاقة.
لا غاز لأوروبا
وألقت موسكو باللوم على العقوبات التي فرضها الغرب بعد الحرب الأوكرانية في عرقلة العمليات الروتينية وصيانة «نورد ستريم 1»، الذي يمر تحت بحر البلطيق لتزويد ألمانيا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي بالغاز.
وأوقفت مجموعة «جازبروم» الروسية أمس الجمعة عمل خط أنابيب «نورد ستريم 1»، الحيوي لإمداد أوروبا بالغاز، بعدما كان من المقرر أن يعاود العمل اليوم السبت إثر عملية الصيانة.
واكتشفت «جازبروم» هذه المشكلات التقنية خلال فحص فني جرى مع ممثلين عن مجموعة سيمنز الألمانية التي صنعت التوربين.
ونشرت على تطبيق تلغرام صورة تظهر أسلاكا محاطة بسائل داكن اللون.
ولم تعد «جازبروم» كما تقول، قادرة، على توفير إطار زمني لاستئناف ضخ النفط بأمان إلى أوروبا، لذلك علقت نقل الغاز عبر خط الأنابيب بالكامل، حتى «إتمام الإصلاح»
إلا أن هذا التبرير لم يقنع بروكسل التي وصفت معاودة إغلاق «نورد ستريم 1»، بـ«ذريعة» تستخدمها روسيا سلاحا اقتصاديا للرد على مسألة تحديد سقف سعري لنفطها وكذلك العقوبات التي يفرضها الغرب عليها.
حرب كلامية
وتصاعدت الحرب الكلامية بين الغرب وروسيا، حيث كتب الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف على تطبيق «تيليجرام»: «ببساطة، لن يكون هناك غاز روسي في أوروبا»، ردا على تصريحات لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بشأن وضع سقف للسعر الذي تدفعه أوروبا مقابل الغاز الروسي.
ويتهم الأوروبيون الكرملين باستخدام الغاز وسيلة ضغط عليها بسبب اعتمادها الكبير على مصدر الطاقة هذا، غير أن موسكو تنفي ذلك مشيرة إلى مشكلات فنية ناتجة عن العقوبات أو تأخير في تسديد المستحقات.
وتمنع العقوبات روسيا من استعادة التوربين الذي أرسل إلى كندا لإصلاحه، فيما تؤكد ألمانيا حيث يفترض أن يكون التوربين مثبتا، أن موسكو هي التي تعيق استعادة هذه القطعة الأساسية.
ولم تسلم موسكو من قذائف الحرب الكلامية التي أطلقتها واشنطن باتجاه الكرملين، حيث اتهم البيت الأبيض موسكو باستخدام الطاقة أداة للضغط على أوروبا، مع اقتراب القارة العجوز من فرض حظر على واردات النفط من روسيا.
ولم يستغرب متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي في رسالة عبر البريد الإلكتروني لـ«رويترز» بشأن إغلاق خط الأنابيب الذي ينقل الغاز إلى أوروبا، حيث قال متأسفاً: «ليس مستغربا أن تستمر روسيا في استخدام الطاقة كسلاح ضد المستهلكين الأوروبيين».
وحذر نائب رئيس الوزراء الروسي المكلف مسائل الطاقة ألكسندر نوفاك بأن هذا التدخل في السوق النفطية سيتسبب بزعزعة استقرار الصناعة النفطية، السوق النفطية.. وسيكون المستهلكون الأوروبيون والأمريكيون، بحسب ما نقلت عنه وكالات الأنباء الروسية، أول من يدفع ثمنه.
أما فرنسا، العضو في مجموعة السبع، فقد ذهبت إلى التخفيف من حدة موقف شركائها، حيث أعلنت وزارة الاقتصاد الفرنسية أن الأعمال الفنية لا تزال جارية، ومن الواضح بالنسبة لنا أنه لا يمكن اتخاذ أي قرار نهائي قبل التشاور والتوصل إلى رأي بالإجماع بين الدول الـ27 أعضاء الاتحاد الأوروبي.
وحدد الاتحاد الأوروبي هدفا يتمثل بالتوصل إلى هذا الاتفاق عملا بالجدول الزمني المتفق عليه في إطار الحزمة السادسة من العقوبات الأوروبية على روسيا، ما يعني في الخامس من ديسمبر بالنسبة لمبيعات النفط الخام و5 فبراير 2023 بالنسبة للمنتجات النفطية، وفق المفوض الأوروبي لشؤون الاقتصاد باولو جنتيلوني.
التضخم والنفط
قفز معدل تضخم أسعار الجملة في منطقة اليورو إلى مستوى قياسي جديد، حيث أظهرت بيانات اقتصادية نشرت أمس الجمعة ارتفاع معدل تضخم أسعار المنتجين (الجملة) في منطقة اليورو إلى مستوى قياسي جديد خلال يوليو الماضي مع الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة، مما يزيد الضغوط على البنك المركزي الأوروبي للتحرك بصورة أقوى لكبح جماح التضخم خلال اجتماع مجلس المحافظين في الأسبوع المقبل، بحسب وكالة الإحصاء الأوروبية “يوروستات”، مشيرة إلى أن مؤشر أسعار الجملة في المنطقة التي تضم 19 دولة من دول الاتحاد الأوروبي ارتفع بنسبة 9ر37% سنويا، خلال يوليو الماضي، بعد ارتفاعه بنسبة 36% خلال يونيو الماضي، وفقا للبيانات المعدلة، في حين كانت البيانات الأولية تشير إلى ارتفاعه بنسبة 8ر35%..
ويتوقع وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر أن يكون لوضع سقف لأسعار النفط الروسي تأثير مباشر على أسعار الطاقة.
وفي حال ربط ذلك مع توسيع الإنتاج في البلدان المصدرة للنفط يمكن “كبح التضخم بشكل كبير للغاية”.
أزمة «خانقة»
وتواجه ألمانيا أزمة طاقة «خانقة»، في أعقاب إعلان شركة «جازبروم» الروسية عدم استئناف توريد الغاز عبر خط أنابيب «نورد ستريم 1» الذي يمر عبر بحر البلطيق في الوقت الحالي.
وشددت الوكالة الألمانية الاتحادية للشبكات على ضرورة الإجراءات الاحترازية الألمانية لمواجهة الأزمة.
وتواجه الأندية الرياضية الألمانية أنها وضعا أصعب بكثير عما كان عليه الحال مع بداية جائحة فيروس كورونا، وذلك بسبب الزيادة الكبيرة في أسعار الطاقة.
وقال بوريس شمديت رئيس جميعة «فرايبورجر كريس» لصحيفة «فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج» أمس الجمعة إن إشارة المساعدة من قبل الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات للتخفيف من أثار ارتفاع الأسعار غائبة حتى الآن.
وأغلقت أرسيلورميتال، أكبر مجموعة لإنتاج الصلب في أوروبا، مصنعي إنتاج في شمالي ألمانيا بسبب الارتفاع الحاد في اسعار الطاقة.
وأعلنت المجموعة أمس الجمعة أنه “اعتبارا من نهاية سبتمبر الجاري ستغلق المجموعة أحد أفران الصهر في موقع الصلب المسطح في بريمن حتى إشعار آخر”.
وتعرضت زراعة نباتات الزينة في الصوب الزراعية بهولندا إلى أضرار شديدة، جراء ارتفاع تكاليف الطاقة، حيث قال الكثير من المزارعين إنهم سيخرجون من القطاع، حسبما ذكرت جمعية رويال فلورا هولاند للتسويق أمس الجمعة.
أما عملاق الكهرباء الفرنسي «إي دي إف» فقد تعهد باستئناف العمل في جميع مفاعلاته النووية بحلول الشتاء لمساعدة الدولة خلال أزمة الطاقة واسعة النطاق والتي تفاقمت جراء الحرب في أوكرانيا، بحسب وزيرة الطاقة الفرنسية أنييس بانييه روناتشر.
مسألة معقدة
ومن المتوقع أن يحظر الاتحاد الأوروبي استيراد النفط الخام من روسيا في أوائل ديسمبر المقبل والمنتجات المكررة بعد شهرين، في إجراءات عقابية على موسكو، كما من المرجح أن تكون آلية فرض سقف لأسعار النفط الروسي مسألة معقدة.
وكتبت الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وايطاليا والمملكة المتحدة وكندا واليابان في بيانها أن «سقف الأسعار سيحدد عند مستوى يستند إلى سلسلة من البيانات الفنية وسيقرره التحالف بمجمله قبل وضعه موضع التنفيذ».
عمليا، ستبيع روسيا نفطها لهذه الدول بسعر أدنى من الذي تعتمده حاليا، غير أنه يبقى أعلى من سعر الإنتاج، حتى تجد فائدة اقتصادية في مواصلة بيعه ولا تقطع بالتالي إمداداتها.
ويتثمل التحدي في ضم أكبر عدد ممكن من البلدان إلى هذا الإجراء لأن فرض سقف على أسعار النفط، بحسب خبراء، لن يكون مجديا إلا إذا شاركت فيه الدول المستوردة الكبرى في إشارة إلى دور الصين والهند.
وستشكل قمة مجموعة العشرين المقرر عقدها في 15 و16 نوفمبر المقبل في بالي موعدا مفصليا في تحقيق هذا التوافق.
المصدر البيان الإماراتية