سراج الدين الصعيدي
كاتب مصري
استعراض الحوثي العسكري في الحديدة، الذي كشفت فيه الميليشيات المدعومة من طهران عن امتلاكها صواريخ إيرانية جديدة، بالإضافة إلى الألغام البحرية والطائرات المسيّرة، جاء تأكيداً على إصرار الذراع الإيرانية تحدّيها للمجتمع الدولي، ومواصلتها خرق بنود الهدنة الأممية، واتفاق ستوكهولم الذي أوقفت الأمم المتحدة بموجبه استكمال تحرير المدينة.
وأثبت هذا الاستعراض للعالم خطط إيران ورغبتها في اتخاذ البحر الأحمر ساحة حرب انطلاقاً من الحديدة، وهذا ما أكدت عليه الميليشيات على لسان رئيس مجلسها الانقلابي مهدي المشاط، عبر قناة المسيرة، الذي قال: إنّ ميليشياتهم “قادرة على ضرب أيّ نقطة في البحر الأحمر”.
وقال المشاط: “أجرينا اختبارات لأسلحة بحرية، وحققت نجاحاً باهراً”، مضيفاً أنّ الميليشيات الموالية لإيران تمكنت من تطوير أسلحة أرضية وبحرية في الفترة الأخيرة “باستطاعتها براً وبحراً ضرب هدفها في أيّ نقطة في اليمن”.
وعلى مدى الأعوام الماضية، سعت إيران عبر ذراعها الحوثية لتعزيز سيطرتها على الحديدة، للحصول على منفذ بحري مهم على البحر الأحمر، ممّا يؤمن استقبال الحوثيين السلاح الإيراني بسهولة، فضلاً عن فرض نوع من السيطرة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وتستخدم الذراع الإيرانية في اليمن المنافذ البحرية المحكومة باتفاق ستوكهولم منفذاً لتهريب واستقدام الأسلحة الإيرانية دون أيّ رقابة، وذلك بعد رفع القيود عن موانئ الحديدة، بموجب بنود الهدنة الأممية التي يواصل الحوثيون خرقها كل يوم.
وعلى غير العادة، خرجت بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة “أونمها” بتصريحين خلال يومين أعربت خلالهما عن قلقها البالغ من التواجد العسكري الكبير لذراع إيران الإرهابية في المدينة.
واعتبرت بعثة “أونمها” العرض العسكري الذي أجرته ذراع إيران في مدينة الحديدة “انتهاكاً صريحاً لاتفاق ستوكهولم”.
وقالت البعثة الأممية، في سلسلة تغريدات على حسابها في “تويتر”: إنّها تراقب الوضع عن كثب، مكررة مطالبتها للحوثيين باحترام كامل التزاماتها بموجب الاتفاق، لا سيّما فيما يتعلق بالحفاظ على المدينة خالية من المظاهر المسلّحة.
وحثت البعثة الأممية “القيادة الحوثية على احترام بنود اتفاق الحُديدة، والامتناع عن الأعمال التي قد تسهم في التصعيد، وذلك لصالح جميع اليمنيين”.
وقد أثار التصريحان الكثير من التساؤلات حول ما إذا كان الاستعراض الحوثي العسكري العلني في مدينة الحديدة قد أحرج البعثة الأممية المتهمة بالتواطؤ مع ذراع إيران في الانقلاب على اتفاق ستوكهولم، وهو ما برز أكثر بعد سيطرة الميليشيات على المناطق التي أخلتها القوات المشتركة أواخر العام 2021 تنفيذاً للاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة في 2018.
واعتبر مراقبون أنّ بيانات بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة “أونمها” مجرد محاولة لتسجيل موقف إبعاداً للحرج، واستباقاً لأيّ ردة فعل من الحكومة اليمنية على الانتهاك الصارخ لاتفاق ستوكهولم.
هذا، وشمل الاستعراض أسلحة محرمة دولياً، وأخرى مخصصة للردع البحري. وبحسب المحللين، فإنّ الميليشيات عبر استعراضها الهائل، تهدف إلى التهديد في ظل تجدد مخاوفها من استئناف المواجهات، وخصوصاً في الساحل الغربي الذي أوشكت قوات المقاومة المشتركة اليمنية في 2018 على تحريره قبل تدخل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لفرض ما سُمّي بـ”اتفاق الحديدة” الموقع في ستوكهولم، وفقاً لما ذكرته صحيفة “العرب” اللندنية اليوم.
ومن بين الأسلحة المستعرضة أيضاً صواريخ (بر – بحر) تحمل اسم “فالق – 1″، وتزعم الميليشيات أنّها قادرة على إصابة أيّ أهداف بحرية حتى من خارج الساحل الغربي، في تهديد ضمني بأنّ أيّ استهداف للميليشيات في الحديدة واستكمال تحرير الساحل الغربي لليمن لن يحولا دون تهديد الجماعة للممر الملاحي الدولي في باب المندب.
واستعرضت الميليشيات صواريخ أخرى مثل “مندب 2” و”روبيج”، الذي يعتقد أنّه كان ضمن ترسانة الجيش اليمني السابق، إلى جانب ألغام بحرية متنوعة.
وحضرت العرض، وفقاً لموقع “اليمن العربي”، قيادات في الميليشيات الإرهابية، مثل؛ محمد علي الحوثي ويحيى الحوثي وأبو يوسف الفيشي ويوسف المداني ورئيس الحكومة الحوثية عبدالعزيز بن حبتور.
بدورها، اعتبرت الحكومة اليمنية أنّ استعراض ميليشيات الحوثي، المدعومة من إيران، لأسلحة محرمة دولياً في عرض عسكري أقامته بمحافظة الحديدة، بأنّه تصعيد خطير وانقلاب كامل على اتفاق السويد.
وقال وزير الإعلام معمر الإرياني في تصريح نقلته وكالة سبأ: إنّ “استعراض ميليشيات الحوثي الإرهابية التابعة لإيران للألغام والصواريخ البحرية إيرانية الصنع من طرازات مختلفة في عرض أقامته بمدينة الحديدة، يعكس الخطر الذي يمثله استمرار سيطرة ميليشيات إرهابية على سلامة السفن التجارية وناقلات النفط في خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب”.
وأوضح الإرياني أنّ “تلويح ميليشيات الحوثي بالألغام والصواريخ البحرية بشكل علني يمثل تحدياً سافراً للقوانين الدولية التي تحرّم حيازتها، وتأكيداً على استمرار تدفق الأسلحة والخبراء الإيرانيين عبر موانئ الحديدة، واستخدام طهران للحوثيين أداة لتهديد حركة التجارة العالمية وأمن الطاقة والأمن والسلم الإقليمي والدولي”.
وفي سياق يتعلق بتسليح إيران للميليشيات الانقلابية، قال موقع “يمن نيوز”: إنّ الحرس الثوري الإيراني نظّم دورات بإطلاق المسيّرات، وتهريب الأسلحة، واستهداف السفن البحرية، وحروب العصابات، لقرابة (350) حوثياً، تم نقلهم من صنعاء إلى طهران خلال مدة الهدنة التي بدأت من نيسان (أبريل) الماضي.
وكشفت مصادر خاصة أنّ الحرس الثوري الإيراني، وهو ذراع الثورة الخمينية العسكري، ينظم نقل وإعادة العناصر الحوثية بين إيران وشمال اليمن.
ونقلاً عن المصادر، فإنّه في الأسبوع الماضي وصلت إلى شمال اليمن آخر دفعة من الـ(350) شخصاً ممّن تلقوا دورات تدريبية في المجالين العسكري والأمني على أيدي قيادات من الحرس الثوري الإيراني، وخبراء ممّن شاركوا في عمليات حروب العصابات في كلّ من العراق وسوريا.
وحسب المصادر التي نقلت عن العناصر الحوثية، فإنّ الدورات في المجال الأمني ركزت على عمليات القمع وتشديد الرقابة والمتابعة لأيّ عناصر سياسية أو أمنية أو عسكرية معارضة للميليشيات في مناطق سيطرتها، وكيفية استخدام تقنيات الاتصالات في الرقابة والمتابعة والتجسس، فضلاً عن آليات التعاطي الأمني في المجال الإعلامي مع الأزمات التي تواجه الميليشيات بين الآونة والأخرى.
وتشير المصادر إلى أنّ عملية إخراج تلك العناصر تتم بطرق مختلفة، بعضهم يُسَفَّر بشكل فردي اعتيادي عبر كلّ الطرق المتاحة كمواطن إلى الأردن أو مصر أو إلى الداخل السعودي نفسه، وبعضهم يتم جمعهم بطرق مختلفة إلى طهران.
وعن القيادات، قالت المصادر إنّها تُنقل كجرحى حرب، ولعبت رحلات الطيران العُماني التي تولت نقل الوفود العُمانية التي تدير عمليات الوساطة مع الميليشيات دوراً مهماً في تسهيل الحركة.
وتمّت إعادة بعضهم على الرحلات نفسها، وعادت عناصر أخرى على رحلات الطيران التي تتم عبر مطار صنعاء ضمن اتفاق الهدنة، أو عبر بقية المنافذ كمواطنين عاديين.
وما تزال ميليشيات الحوثي ترفض حتى الآن فتح طرق تعز ورفع حصارها المفروض على المدينة منذ أكثر من (7) أعوام، وكذلك دفع مرتبات موظفي الدولة من عائدات ضرائب وجمارك المشتقات النفطية.
وترتكب الميليشيات الحوثية بشكل شبه يومي انتهاكات للهدنة، كان آخرها وأكبرها قبل أيام عندما شنت هجوماً مباغتاً على تمركزات الجيش في محافظة تعز.
المصدر حفريات