كريم شفيق
كاتب مصري
مثّل الاستعراض العسكري الذي نفّذته الميليشيات الحوثية في المدينة الساحلية الواقعة غرب اليمن، خرقاً جديداً لاتفاق الحديدة، الأمر الذي لا يختلف كثيراً عن سلوكها، التقليدي والمتكرر، بشأن التصعيد العسكري المتواصل، وانتهاك الهدنة الأممية.
الحوثي يهدّد المجتمع الدولي
ودانت بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة ممارسات الحوثي الأخيرة، بينما عدّت الاستعراض العسكري الذي قامت به الميليشيات المدعومة من إيران بمثابة تجاوز لأهم مبادئ الاتفاق، والذي يشدّد على أن تكون المدينة الساحلية خالية من أيّة مظاهر عنف عسكري، وطالبت البعثة الميليشيات الحوثية بأن “تحترم بالكامل التزاماتها بموجب الاتفاق، ومن الضروري بذل كلّ جهد لضمان حماية السكان المحليين من خلال التنفيذ الكامل للاتفاق”.
اللافت أنّ ميليشيات الحوثي لا تتوانى عن شنّ عملياتها العسكرية، بل إنّ هجماتها المسلحة تتسبّب في وقوع ضحايا من المدنيين والأطفال.
وقد وثّق الجيش اليمني 263 خرقاً للهدنة الأممية خلال 72 ساعة، مطلع الشهر الحالي، وقال المركز الإعلامي للجيش اليمني، في بيان رسمي، إنّ قواته تصدّت لعملية هجومية ومحاولات تسلّل ضمن 263 خرقاً للهدنة الأممية ارتكبتها ميليشيات الحوثي، خلال يومَي 31 آب (أغسطس) و2 أيلول (سبتمبر)، في جبهات الحديدة وتعز والضالع وحجّة والجوف ومأرب.
وتوزعت هذه الانتهاكات، وفق بيان الجيش، بين 63 خرقاً في محور حيس جنوب الحديدة، و53 خرقاً في جبهات محور تعز، و49 خرقاً جنوب مأرب وغربها وشمال غربها، و46 خرقاً في محور البرح غرب تعز.
الهدنة الأممية على المحك
وعليه، نقلت الحكومة اليمنية للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، تخوفاتها وتقديراتها بخصوص الخروقات المتواصلة للحوثي، التي “تضع الهدنة القائمة والمبادرات والمساعي المبذولة لتوسيعها وتمديدها على المحك”.
كما شدّد وزير الخارجية اليمني، أحمد بن مبارك، أثناء لقائه مع المبعوث الأممي، على ضرورة البحث عن وسائل أخرى لمواجهة “أساليبها (أي الحوثي) الهمجية والاستفزازية في التعاطي مع مساعي إيقاف الحرب وتحقيق السلام”.
ووفق وكالة الأنباء اليمنية الرسمية؛ فإنّ بن مبارك قد ناقش مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن الهدنة الأممية وجهود السلام في ضوء الهجمات الأخيرة للحوثيين بمنطقة الضباب في تعز وخروقاتهم المستمرة لوقف إطلاق النار.
وتابع بن مبارك: “في الوقت الذي ينتظر فيه أبناء اليمن عموماً وتعز خصوصاً التزام الحوثيين بفتح الطرق الرئيسة إلى تعز، أعلنت الميليشيات تحدّيها للمجتمع الدولي محاولة قطع الشريان الوحيد للمدينة، ما يعكس مدى استخفافها بالجهود الدولية والأممية وسوء حساباتها لموقف الحكومة والشعب اليمني”.
توفير غطاء “أممي” للحوثي
إذاً، التحشيد العسكري الأخير كان بمثابة “رسالة واضحة” للمجتمع الدولي مفادها أنّ الحوثي “على مقربة من مضيق باب المندب، وأنّه، اليوم، أمسى أكثر قدرة على تهديد المصالح الدولية”، حسبما يوضح الباحث اليمني المختص بالشؤون السياسية، نبيل البكيري، موضحاً، لـ “حفريات”؛ أنّ الحوثي، كذلك، يؤكّد من خلال هذه الممارسات الخشنة أنّه “لن يتردّد في إرباك المصالح الدولية في المنطقة ما لم يتم الاعتراف به كسلطة أمر واقع”.
ويتابع البكيري: “الاستعراض العسكري يعدّ رسالة للتحالف العربي بعد أن توقفت المعركة عند هذا الحدّ دون استكمالها وإلحاق الهزيمة النهائية بالحوثي، الأمر الذي ألقى بظلاله على الشرعية اليمنية وتسبّب في إضعافها، كما أنّ تعليق الأمم المتحدة مثير للسخرية؛ فهذه البعثة الأممية لا تؤدي مهامها، بل تقوم بمسرحية مشكوفة منذ لحظة وصولها للحديدة بإتاحة غطاء للحوثي لتنفيذ كلّ ممارساته العدوانية طوال هذه السنوات”.
ويرى الباحث اليمني المختص بالشؤون السياسية؛ أنّ اللقاء السعودي الإيراني، المتوقع إجراء جولة جديدة (سادسة) منه خلال الشهر الجاري، لن يحقق نتائج؛ إذ إنّ الموقف الإيراني يبدو أقوى في ظلّ التطورات التي تجري إقليمياً، وتصبّ، هذه التطورات، في صالح مشروع الهيمنة والتمكين الذي تسعى طهران ووكلاؤها لتحقيقه، موضحاً أنّه “رغم حالة الارتباك الإيراني في العراق مؤخراً على خلفية الصراع بين الميليشيات الولائية مع ميليشيات الصدر، إلا أنّ موقف إيران السياسي والميداني هو الأقوى من خلال نفوذ عناصرها الميليشياوية على الأرض”.
وفيما يخصّ احتمالات التسوية السياسية، يقول البكيري: “في ظلّ وضع سياسي وميداني مرتبك كهذا، وتبدو فيه التوازانات كلّها لصالح إيران وميليشياتها، فإنّ التسويات مستبعدة بسبب الخلل البنيوي في المعادلة السياسية الإقليمية التي تتسيّد فيها ميليشيات طائفية تتحكم بأربع عواصم عربية كبيرة، مثل بغداد ودمشق وصنعاء بيروت”.
إدانة أممية
وإلى ذلك، كشف المركز الأمريكي للعدالة (منظمة حقوقية غير حكومية)، أنّه في الفترة بين عامي 2015 و2021، تورطت ميليشيات الحوثي في “أكثر من 30 ألف انتهاك بحقّ المدنيين في محافظة حجة، شمال غرب اليمن”.
وجاء في التقرير المعنون بـ “محافظة حجة.. حقوق مصادرة.. وحريات منتهكة”؛ أنّ الحوثي قتل في هذه الفترة 329 مدنياً، بينهم 164 مدنياً بطريقة مباشرة، منهم 18 طفلاً و15 امرأة، بالإضافة إلى مقتل 131 مدنياً بالقصف العشوائي الذي طاول القرى والمناطق الآهلة بالسكان، ومقتل 34 بالألغام الفردية التي زرعتها الميليشيات في مناطق عدة بالمحافظة.
ووثق التقرير ذاته إصابة أكثر من 800 مدني بنيران ميليشيات الحوثي، منهم 462 إصابة بالقصف العشوائي و263 إصابة بطلق ناري، بينما تسبّب انفجار ألغام في إصابة 26 امرأة و58 طفلاً.
وفي حديثه لـ “حفريات”، يقول المحلل السياسي اليمني، حسن الفقيه؛ إنّ الاستعراض العسكري الحوثي هو بالفعل “محاولة لتوجيه رسائل متعددة لأطراف مختلفة” في ظلّ الهدنة الأممية، وذلك بعد أن أخفق الحوثي في توجيه تلك الرسائل من خلال الحرب المباشرة، لافتاً إلى أنّ الاستعراض، في حدّ ذاته، يعكس الرغبة المحمومة للميليشيات المدعومة من إيران في المواجهة والتحدي “للأمم المتحدة والمجتمع الدولي بما يكشف بجلاء الوجه الحقيقي للحوثي، وكذا رؤيته وموقفه من الهدنة والسلام والمسار السياسي”.
ووفق الفقيه؛ فإنّ الأمم المتحدة قد سارعت بالإدانة؛ لأنّها “لا تملك غير هذه الورقة” في أحسن الأحوال. ويختم: “هذا الاستعراض الذي وقع في حيّز الهدنة ونطاقها يكشف أنّ الحوثي لديه يقين تام بأنّه لن يتعرض لأية عقوبات”.
المصدر حفريات