احمد عبد اللاه
زحفت القمم والمنحدرات نحو الرمال التهامية بسلام واكتمل إلى درجة كبيرة وضع اليد والقدم على المياه الدافئة دون حاجة الى أم المعارك وإلى دحر قوات تهيأت يوماً ما للانقضاض على المدن والبلدات والموانئ المحاصرة قبل أن تتمكن الأمم المتحدة من لعب دور مهندس التسليم.
كان اتفاق ستوكهولم (إعادة الانتشار المشترك) تنازلاً على بياض عن طموح “الشرعية” في إدارة الموانئ والمدن التهامية. واتضح مع الزمن بأن المبعوث الخاص قد حقق بذلك، تحت مبررات انسانية، رغبة غربية في أن يكون لأنصار الله وجود كامل بالقرب من مياه البحر وعلى موانئه دون شروط حقيقية عدا مساعدة بعثة أممية في ملء الفراغ. بينما وجد الإخوان، حكام الشرعية الأصليين آنذاك، في الاتفاق فرصة لإبعاد أي قوة منافسة لهم مدعومة من التحالف.. خاصة وأنهم يعدون العدة “لغزوات خيبر” على الجنوب.
لم يشكل الاتفاق بداية سلام كما رُوّج له وإنما ضاعف تمكين أنصار الله من امتلاك قدرات استراتيجية ليصبحوا بذلك أكثر قوة على غرار حزب الله وفصائل الحشد الشعبي وغيرهم. وجميعهم أجزاء متكاملة في حزام نار يتمدد مع الزمن، يحركه طموح افتراضي في مهمة طويلة المدى لا تنتهي حتى “تنحصر المملكة السعودية بين الحجاز وقوس الدهناء وبين النفود والأفلاج ” باعتبارها الهدف الرئيس والثمرة الكبرى.
وبينما الأخيرة منهمكة في تطوير مشاريع مستقبلية وبناء المدن الحديثة الخالية من الانبعاثات وتطوير اقتصادها السياحي والترفيهي وربما إعادة السافانا إلى عذريتها البدائية المتألقة، يثابر محيطها بوسائل شتى كما يبدو نحو هدفه الذي ترسخ أكثر إبان العاصفة. ومهما بدا ذلك الأمر مستحيلاً وفقاً للمعطيات الحالية إلا أنه يشكل كابوساً ينمو مع الزمن ما لم يكن (للشقيقة) استراتيجية فاعلة تتغير على ضوئها الكثير من المفاهيم والأدوات.
لقد تعاملت المملكة بدهاء من الدرجة العاشرة إن كان لذلك الدهاء درجات عشر.. ولهذا تركت كل ما حولها يتفاعل ويتطور منذ أن تحالف الإخوان مع سلطة الرئيس اليمني الانتقالي وسلمهم كل شيء حتى تهاوت الجبهات وتغيرت المسارات.
في هذه (الميمعة) كثفت دول في الإقليم تهافتها وتوزيع أدوارها: دول للمدد وأخرى للتهريب وللوساطات وترميم النفوس من الخوف. لكن المملكة ظلت على عادتها مكتفية بسياسة الشبابيك المفتوحة أمام المشائخ والاعيان وقوائم اللجان الخاصة وتقارير الاستخبارات العمياء.
والنتيجة مثلما رأينا… بعد سنين من الحصار المفترض شهد العالم عرضاً عسكرياً مهيباً لجيش أنصار الله المدمج مع لجانهم الشعبية، على سهول تهامة.. بين المنحدرات السمراء التي تُخبئ في أعاليها صقور تاريخية لم تتفلّت من ولاءاتها العقائدية وغرائز الانقضاض على القيعان.. وبين البحر الذي يضيق عند بوابته الجنوبية ويدرك العالم أهمية الميل البحري الواحد فيه.. وظهر بمستوى يدل بأن السنين العجاف كانت زمن بناء القوة وليس تدميرها كما كان يُحكى ويُفهم من روايات الحرب وبيانات العاصفة.
فما حكاية الحصار والقرارات الدولية والتحالف العربي وكل تلك السنين؟
حين تلتقي زاكروس مع السروات عند مجمع المنحدرين (دون أن تمضي حقبا) فإنها لا تحتاج إلى معجزة تتعلق بحركة الصفائح القارية كما يفسرها منظرو الجيوفانتازيا وإنما إلى وشاح العقيدة الذي يمكنه أن يتحول إلى صهارة يزحف عليها التاريخ ويجمع شمال/ شرق الخليج وشرق البحر الأحمر في مهمة استراتيجية واحدة دون أن تقترب ألواح الأرض من بعضها. ولله في بلاد المسلمين شئون.
هل فهمت شيئاً عزيزي القارئ؟ انت بحاجة الى خيال قوطي لتستوعب هذا المشهد المليء بحبكات الماضي والحاضر والرموز والانفعالات المتطرفة والعقائد.. وأن تفهم بأن لعبة الأمم تدخل في مهنة الدول الكبيرة وليس لها في حكايات البحث عن كنوز سليمان التي يحرسها الجن. ولهذا عليك أن تفهم على الأقل بأن مآلات الحرب ما تزال غامضة.. وتزيد غموضاً كلما ظن المراقبون أنها أدركت نهاياتها.