كريتر نت – متابعات
منذ تأسيسه في عام 1945، احتكرت خمس دول السيطرة على مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، وأعاقت عمله 265 مرة باستخدام حق النقض “الفيتو”، أبرزها تتعلق بالقضية الفلسطينية والملف السوري.
وتمتلك كل من الولايات المتحدة وروسيا التي ورثت مقعد الاتحاد السوفييتي وفرنسا وبريطانيا والصين، الحرية في استخدام حق النقض داخل المجلس لمنع إقرار أي مشروع لا يناسب رغبتها وسياساتها، الأمر الذي أعاق عمل المجلس وأدّى إلى توجيهه وفق اتجاهات هذه الدول ومصالحها قبل أي اعتبار.
والثلاثاء، تفتتح الدورة السابعة والسبعون للجمعية العامة للأمم المتحدة، على وقع مطالب لا تتوقف من غالبية الدول الأعضاء (193 دولة)، وعلى رأسها تركيا وألمانيا والهند والبرازيل ومصر وجنوب أفريقيا، بضرورة إصلاح المجلس، باعتباره “حجر الزاوية في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين”.
ويتألف مجلس الأمن حاليا من 15 دولة، منها خمس دول دائمة العضوية هي الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة، وعشرة أعضاء تنتخبهم الجمعية العامة وفق التوزيع الجغرافي. ويجب أن تحصل الدولة المنتخبة على أصوات ثلثي الدول الحاضرة لجلسة الجمعية العامة، من أجل الحصول على العضوية المؤقتة، ويتم تجديد نصف مقاعد الأعضاء المنتخبين غير الدائمين كلّ عام.
وبحسب جدول منشور على موقع الأمم المتحدة يستعرض لائحة بالقرارات التي قوبلت بالنقض في مجلس الأمن منذ تشكيله في عام 1945، استخدم الاتحاد السوفييتي في فبراير من العام نفسه حقّ النقض لأول مرة.
جدول توزيع استخدام الفيتو:
روسيا 121 مرة
الولايات المتحدة 82 مرة
بريطانيا 29 مرة
الصين 17 مرة
فرنسا 16 مرة
ويشير الجدول إلى استخدام الفيتو من قبل الدول الخمس 265 مرة، بواقع 121 مرة من قبل الاتحاد السوفييتي ووريثته روسيا (90 للاتحاد و31 لروسيا). وكان واضحًا استخدام السوفييت لحق النقض بشكلٍ مكثف في السنوات العشر الأخيرة من عمر الاتحاد، فيما تركزت استخدامات روسيا في مجلس الأمن خلال السنوات الأخيرة على الملف السوري.
وخلال السنوات الأولى لتأسيس المنظمة الدولية، استخدم السوفييت حق النقض بشكل مكثف قرابة 80 مرةً في 13 عامًا، فيما نقضت واشنطن قرابة 35 مرة قرارات تدين إسرائيل وتدعم الحقوق الفلسطينية، وهو ما يعادل قرابة نصف المرات التي استخدمت فيها هذا الحق.
ويوضح الجدول أيضًا استخدام الولايات المتحدة حق النقض 82 مرة منها 43 مرة ضد القضية الفلسطينية، وبرز الاستخدام الأكثر لهذا الحق من قبل الولايات المتحدة في دعم إسرائيل أمام حقوق الفلسطينيين. كما استخدمت بريطانيا حق النقض 29 مرة، فيما استخدمته الصين 17 مرة، وفرنسا 16 مرة، وذلك من أول إلى آخر استخدام للفيتو في يوليو الماضي من قبل روسيا.
بريطانيا وافقت الولايات المتحدة في الكثير من المرّات التي استخدمت فيها حق النقض، واستخدمت لوحدها الحق 5 مرات، و4 مرات مع فرنسا، كما استخدمت الدول الثلاث مجتمعةً الحقّ 13 مرة.
أما الصين فاستخدمت حقّ النقض بالتوافق مع روسيا 14 مرة، أكثرها لمنع مشاريع قرارات متعلقة بسوريا، فيما استخدمت البقية لوحدها في مواضيع مختلفة. ويتعرض مجلس الأمن الدولي لانتقادات مستمرة لتمتع أعضائه الدائمين بحق “الفيتو” منذ تأسيسه، ما جعله يخفق في تحقيق أهدافه بإحلال الأمن والسلم الدوليين.
وفشل المجلس في العام 2018، في إقرار مشروع قرار يدين النظام السوري لاستخدامه أسلحة كيميائية، بعد استخدام روسيا “الفيتو” ضد مشروع قرار يدعو إلى التحقيق في استخدام النظام السوري أسلحة كيميائية. ويذكر أن اعتماد أيّ مشروع قرار في مجلس الأمن، يتطلّب الحصول على أصوات 9 أعضاء على الأقل من أصل 15 عضوًا، بشرط عدم تصويت إحدى الدول دائمة العضوية ضدّه.
وخلال الأزمة السورية، استخدمت الصين وروسيا حق الفيتو لأول مرة في عام 2011 ضد مشروع قرار يدعو إلى إنهاء العنف في سوريا وبحث المطالب والمخاوف المشروعة للشعب السوري. واستمرّت روسيا في استخدام “الفيتو” لصالح النظام السوري خلال الأزمة، ووصل عدد مرات استخدامها لحق النقض إلى 18 مرةً كان آخرها في يوليو الماضي.
وقبل أشهر، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشروع قرار “مبادرة حق النقض”، معنون بـ”التفويض الدائم بعقد مناقشة للجمعية العامة عندما يتم استخدام حق النقض في مجلس الأمن”. ويستهدف القرار تنشيط دور الجمعية في صون السلم والأمن الدوليين. ويدعو إلى عقد اجتماع تلقائي لأعضاء الجمعية العامة في كلّ مرة يتم فيها استخدام “حق النقض – الفيتو” من جانب أي من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.
وينصّ القرار على أن “رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو إلى عقد جلسة رسمية للجمعية خلال 10 أيام عمل من استخدام حق النقض من قبل عضو دائم أو أكثر في مجلس الأمن”. وهذه الجلسة تهدف إلى “إجراء مناقشة بشأن الحالة التي تم فيها استخدام حق النقض، بشرط ألا تجتمع الجمعية العامة في جلسة خاصة طارئة بشأن الموضوع نفسه”.
وتأسّس مجلس الأمن عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) ومنذ ذلك الحين تغيّرت الكثير من الحقائق الجيوسياسية جذريًا، لكن المجلس لم يتغيّر إلا بشكلٍ طفيف. وصاغ المنتصرون في الحرب العالمية الثانية ميثاق الأمم المتحدة وفقًا لمصالحهم الضيّقة، إذ خصصوا لأنفسهم المقاعد الدائمة وما يرتبط بها من حق النقض. واحتاج الأمر عشرين سنة، حتى ظهرت أول وآخر عملية إصلاح ملحوظ بمجلس الأمن في عام 1965، عندما زاد أعضاء الدول غير الدائمة بالمجلس من ست دول إلى 10.
وبعد 27 سنة أخرى، وفي عام 1992، أي بعد شهور قليلة من سقوط الاتحاد السوفييتي (في 26 ديسمبر 1991) من الخارطة السياسية، عادت مناقشات إصلاح مجلس الأمن مرة أخرى إلى السطح، حيث عقدت أول قمة تاريخية للدول الأعضاء، وكان من بين أهدافها “إعادة هيكلة منظومة الأمم المتحدة والاعتراف بحقائق العالم المتغير”.
ومنتصف سبتمبر 2008، بدأت الدول الأعضاء بالجمعية العامة ما سمّته “المفاوضات الحكومية الدولية بشأن إصلاح مجلس الأمن”، وهي عبارة عن مفاوضات غير رسمية تجرى بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، بهدف تقريب وجهات النظر بشأن سبل المضيّ قدمًا في عملية الإصلاح.