فارس خشان
حاول الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله تقديم صورة زاهية عن حزبه، في ردّ على الهجوم السياسي الذي تكرّر ضدّه، في ضوء لمعان نجم فرقة “ميّاس”، بشعار مأخوذ من أدبيات جبران خليل جبران: “لكم لبنانكم ولنا لبناننا”.
نسب نصرالله الى خصومه اللبنانيين الحاليّين ارتكابهم مجزرة صبرا وشاتيلا بالاشتراك مع القوات الاسرائيلية التي كانت قد غزت لبنان، في صيف العام 1982، وامتدح حزبه الذي “لم يذبح دجاجة”، بعد تحرير الجنوب عامَ ألفين.
لكنّ نصرالله لم يوفّق في منحاه هذا، ليس لأنّه يسحب حدثاً من سياقه التاريخي ليستعمله في “الدعاية السياسيّة” التي يحترفها، فحسب، بل لأنّ ما يجمع عليه العارفون، ومن دون أيّ حاجة الى توثيق تاريخي، يُظهِر، أيضاً أنّ “حزب الله” وحليفه “النظام السوري”، ومن أجل الهيمنة على القرار اللبناني، شبكا أياديهما وبنادقهما ومبادئهما بأيادي وبنادق ومبادئ تلك الفئة اللبنانية التي نُسبت إليها الأدوار الأساسية في تنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا.
وعلى الرغم من أنّ جرائم الحرب والجرائم ضدّ الانسانية لا يمرّ عليها الزمن، إلّا أنّ هذا لا يسمح لا لنصرالله ولا لغيره بنسبها الى فئة حاليّة فقط، لأنّها كانت ولا تزال ترفض تسليم البلاد والقرار، على الرغم من الكلفة العالية، لـ”حزب الله” الذي يغلق صفحات ويفتح أخرى، وفق مصالحه السياسية فقط، من دون إعارة أيّ مبدأ وأيّ ثابتة أيّ اهتمام.
وليس أدلّ على ذلك سوى ما كان “حزب الله” يوجّهه من اتهامات سياسية ووطنية وشخصية بحق العماد ميشال عون، يوم كانت مصالح الطرفين متضاربة، وما أصبح، عندما تقاطعت مصالحهما، يسبغه عليه من صفات سياسية ووطنية وشخصية.
وفي مطلق الأحوال، ولو جرى الافتراض أنّ نصرالله أصاب في قراءته لحدث فظيع تخلّل الحروب التي عصفت بلبنان بين عامي 1975 و1990، فهذا لا يُبرّئ “حزب الله”من المآخذ التي يسوقها اللبنانيون، قبل أيّ طرف سياسي خصم، ضدّه.
ما ينسبه نصرالله الى الآخرين في الحرب، لا يغطّي على أنّ حزبه، ومنذ بدء تكوينه حتى اليوم، خاض غمار أفظع الأعمال التي لا علاقة لها بفعل المقاومة التحريرية للأرض التي كانت تحتلّها إسرائيل، وذلك خدمة للسيطرة على القرار الشيعي في لبنان، على غرار تصفية ناشطين ومفكّرين ومناضلين، والحرب الشرسة ضدّ “حركة أمل”، وللسيطرة على القرار اللبناني، على غرار عدم اكتراثه بالدور الذي أدين به في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولخدمة الجمهورية الاسلامية في إيران، على غرار خطف الرهائن الأجانب في لبنان لمقايضتهم بتوفير الأسلحة الأميركية والإسرائيلية لإيران، خلال الحرب مع العراق (فضيحة “كونترا غايت”).
ولم تقتصر الأمور عند هذا الحد، بل ذهب “حزب الله” الى أبعد من ذلك بكثير، اذ إنّه بعد تحرير الجنوب، لم يتمسّك بسلاحه الذي شوّه الدولة ومنع قيامها فحسب، بل أخذ مقاتليه الى حيث فرضت الضرورة الايرانية وشارك أو غطّى على جرائم بفظاعة ما كان قد حصل في صبرا وشاتيلا، اذ إنّه، على سبيل المثال لا الحصر، شريك النظام السوري في “الإبادات الكيمائية”، أيضاً.
وما يتفاخر به نصرالله، اليوم لجهة “عدم ذبح دجاجة” بعد تحرير الجنوب يحتاج الى تدقيق، اذ إنّ تهديده السابق للانسحاب الاسرائيلي بذبح “العملاء” في أسرّتهم جعلهم يهربون الى إسرائيل التي أصبح فيها، للمرّة الاولى في التاريخ، جالية من أصل لبناني، كما أنّ مصلحة “حزب الله” في عدم تحويل التحرير الى خاتمة لأعمال المقاومة وتالياً الى نهاية لسلاحه، اضطرّه، وبهاجس السيطرة اللاحقة على لبنان المتعدّد الانتماءات والأهواء والطوائف، إلى الانكفاء عن القيام بعمليات كان من شأنها أن تُثير غضب شرائح واسعة من اللبنانيين، بالإضافة طبعاً الى أنّ “حزب الله” كان محكوماً بتوفير مصلحة إدامة السيطرة السوريّة على لبنان، وتالياً كان مجبراً على أن يضبط أفعاله لتمكين النظام السوري من بيع الغرب قدرته على التحكّم بـ”حزب الله”.
وبعرف نصرالله أكثر من غيره أنّه لا يوجد طرف لبناني واحد، حتى ولو كان حليفاً له، يعتقد بأنّ “حزب الله” هو حزب “الحرص على الدجاج”، اذ إنّه الحزب الذي يعمل بلا هوادة من أجل تحويل لبنان الى “قن”.
وفي مطلق الأحوال، فإنّ اللبنانيين ليسوا، حالياً في طور التفتيش عن “بطل الانسانية” في زمن الحرب، اذ أنّه يهجس فيهم العثور على “بطل الانقاذ” من الكوارث التي يرزحون تحتها، في زمن “السلم الايراني”.
وهذا ما يحول “حزب الله” دونه، اذ إنّه، وفي إطار ما راكمه من استهانة بالعهود والتعهّدات، يتقلّص دولياً بقدر ما يتعملق داخلياً، ما تجلّى في قرار مجلس الأمن الدولي الأخير الذي لم يمدّد ولاية قوات الطوارئ الدولية العاملة في لبنان، فحسب بل أدخل تعديلات على صلاحياتها، أيضاً.
وما حصل لهذه الجهة ليس سببه التهاون أو التآمر اللبناني، كما يرغب نصرالله بتوصيفه، بل هو نتاج توافق دولي، شرقاً وغرباً، على أنّه حان الوقت لبلورة نهج جديد في التعاطي مع “حزب الله”، حتى يتم رفع قبضته عن مستقبل لبنان والسلام الإقليمي، عندما تدق الساعة.
في الأشهر القليلة المقبلة، قد لا يشهد سلوك “قوة الأمم المتحدة المؤقته في لبنان” تغييراً مهمّاً، لأنّها ستهتم راهناً بتهيئة الأرضية الأنسب لتنفيذ الصلاحيات الجديدة المعطاة لها، على أن تكون جاهزة، عندما يصدر أمر العمليات.
وفي الوقت الفاصل بين صدور قرار مجلس الأمن “الصاعق” وبين تنفيذه الدقيق، سوف يحاول “حزب الله” أن يعزّز حضوره، وعلى ما جرت عليه العادة، فهو لا يجد أمامه من “يفش خلقه فيهم” سوى الرهائن اللبنانيين!
نقلاً عن “النهار” العربي