ياسر خليل
استغاثت فتاة مصرية، قبل أيام قليلة، من قسوة أعمامها الذين يرغبون في طردها وشقيقتها الصغرى من منزل والدها، للحصول على نصيبهم في الميراث. الاستغاثة التي نشرتها الفتاة غروب على “فايسبوك”، تبعها تدخل فوري من مجلس الوزراء المصري لحل مشكلتها، كما فتحت تلك الاستغاثة الباب واسعاً للحديث عن “أزمة الميراث” التي تشتكي منها نسبة غير قليلة من المصريات، خصوصاً المهتمات بحقوق المرأة.
ويتم تقسيم الميراث للمصريين المسلمين، وفقاً لفتاوى وآراء دينية أقرها رجال الدين، بناءً على فهم فقهاء الإسلام لنصوص القرآن والسنّة النبوية. وتستند القوانين إلى تلك الفتاوى، لأن الدستور المصري يعتبر مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. ومع أن غالبية المصريين يعتبرون تلك الفتاوى ملزمة، وعادلة، إلا أن بعض المهتمين بشؤون المرأة يعتقدون أنها بحاجة لإعادة نظر، لأنها تعتمد على اجتهادات قديمة للفقهاء، في عصر كان وضع المرأة مغايراً لما هو عليه اليوم.
وبينما يرى بعض رجال الدين أن الحكمة من الآية القرآنية “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ”، هي أن الرجل هو الذي ينفق على المرأة، فإن بعض الكتاب والحقوقيين يشيرون إلى أن الكثير من النساء بتن يشاركن في نفقات بيوتهن، بل إن بعض النساء يُعلْن أسراً بأكملها، لذا يقترحون إعادة الاجتهاد في فهم النصوص الدينية، أو وضع تشريعات قانونية جديدة تحل الأزمة من جذورها، لأن التفسيرات التي يصر عليها بعض رجال الدين باتت قديمة ومقطوعة الصلة بتغيرات العصر الحديث.
كما أن ثمة آراء ترى أن التأكيد المستمر من بعض الدعاة الإسلاميين على تفوق الرجل على المرأة، وأنه هو القوام عليها والراعي لها، دفع البعض إلى سلوك متطرف، وهو الاستحواذ على ميراث أخواته ونساء عائلته، في بعض المناطق الريفية، خصوصاً في صعيد مصر، بحجة أن المرأة مكانها البيت، وليست ملزمة بالإنفاق على نفسها أو أسرتها، ومن ثم ليست بحاجة إلى ميراثها، أما الرجل فهو من ينفق عليها، ويقوم على شؤونها، خصوصاً إذا كان ميراثها أرضاً زراعية أو عقارات تحتاج لمتابعتها.
“القرآن حسمها”
يرى النائب البرلماني هشام سعيد الجاهل أنه ليس ثمة حاجة للتقدم بمشروع قانون يعيد تنظيم المواريث في مصر، لأن “نصوص القرآن الكريم حسمتها بالكامل”.
ويتساءل النائب خلال حديثه لـ”النهار العربي”: “كيف نتحدث في موضوع النصوص القرآنية حسمته؟ كيف نتكلم في أمر سورة “النساء” لم تترك فيه شيئاً إلا وحددته بدقة، لقد شملت السورة القرآنية موضوع المواريث كاملاً”.
ويضيف: “ينص القرآن الكريم على أن للذكر مثل حظ الأنثيين، وحدد الأنصبة كاملة لكل حالة ميراث، ولم يترك حالة واحدة لم يحددها”.
ويواصل: “لا يجوز اقتراح مشروع قانون في وقت يوجد نص من كتاب سماوي، فالنصوص القرآنية، لا اجتهاد مع وجودها، ولكن السنّة يمكن الاجتهاد في فهمها وتفسيرها، وقضية الميراث حسمت بالكامل في القرآن الكريم”.
حل مباشر
من جانبها، ترى المحامية والحقوقية هالة دومة أنه “لا أحد يريد أن يواجه نفسه بالحقيقة، الناس تلف وتدور حول موضوع الميراث بسبب أزمة الفتاتين اللتين كان سيتم إلقاؤهما في الشارع بسبب أن أعمامهما سيرثون معهما”.
وتقول المحامية في منشور على صفحتها في “فيسبوك”: “الجميع يبحث عن سند شرعي (في فتوى وحيدة بتفسير خاطئ لآية)، فحواها أن المورث يكتب نصيب أبنائه وهو على قيد الحياة، هذا على رغم أن هناك وجهة نظر ترى أن هذا غير جائز شرعاً، لأن فيه حرماناً لبعض الورثة من ميراثهم الشرعي”.
وتضيف دومة: “قانوناً يستطيع أي وريث أن يطعن بالصورية (على توزيع المورث لتركته)، لذا فإن هذا الطرح ليس حلالاً قطعاً، وليس مضموناً من الناحية القانونية”.
وتتساءل الحقوقية: “لماذا لا نضع هذا الجدل جانباً، ونتوقف عن طريقة “ودنك منين يا جحا” (وهي عبارة دارجة تستخدم للدلالة على سلوك طريق طويل بدلاً من الطريق المختصر)، ونقول: لنساوِ في الميراث (بين أبنائنا)؟ أو بدلاً من هذه الجملة التي قد تثير حفيظة البعض، هل يمكن أن نقول: كل إنسان حر في تركته، ويقسمها حسبما يرى، دون ثلث وربع وخمس، وأن نظام المواريث الحالي غير عادل وغير صالح لهذا الزمان؟”.
وتبدى اعتراضها على الوضع الرهن بقولها: “هل يمكن أن نفكر هكذا؟ أم أن كل حالة يتم رميها في الشارع يجب أن يكون لديها حساب على “فايسبوك”، وتصل مشكلتها لرئاسة الوزراء كي يتم تطبيق أبسط قواعد العدل والإنصاف؟”.
العلة والمعلول
أما الكاتبة والباحثة المهتمة بشؤون المرأة داليا وصفي فترى أن ثمة حلاً في نصوص الشريعة الإسلامية نفسها، وتقول لـ”النهار العربي”: “هناك أحاديث نبوية سأل خلالها النبي عن المساواة بين الأبناء في “العطية” وأمر بالمساواة إذا كان الأب يحب أن يرى أبناءه يستوون في بره”.
وتضيف وصفي: “عدم التساوي بين الأبناء في حياة الآباء سيؤدي إلى الشحن والبغضاء بين الإخوة نتيجة زيادة نصيب أحدهم عن الآخر، فهل من المتوقع أن تختلف نتيجة عدم المساواة بين الإخوة أو ورثة المتوفى بعد الموت؟! خصوصاً في حالة أن يكون كلا النوعين من الأبناء أو الورثة (إناثاً وذكوراً) يعمل ويكد في الحياة ويعول أسرة، كما هو الوضع الحالي بالمجتمعات الإسلامية”.
وتشير التقديرات إلى أن قرابة 30% من الأسر المصرية تعيلها نساء، كما أن نسبة كبيرة من الزيجات الحديثة، تساهم فيها المرأة بتجهيز منزلها، وتشارك زوجها في نفقات أسرتها، خصوصاً إذا كانت تعمل، أو لديها مصادر دخل خاصة بها.
وتضيف الكاتبة المهتمة بشؤون المرأة: “إذا كانت العلة من أخذ الذكر نصيب الأنثيين في أحكام المواريث هي أن المرأة ملزمة من أبيها أو زوجها أو أخيها، إذاً فالعلة تنتفي، ومن ثم تتساوى الأنصبة في حالة أن تكون المرأة تعمل وتعول نفسها أو أسرتها وغير ملزمة من أي من ذويها”.
وتقول وصفي: “الحجة الأخرى التي يسوقها من يعارضون المساواة في الحق في الميراث بين الذكور والإناث، هي أن هذا نص قطعي الثبوت والدلالة في القرآن، ويجب عدم مخالفته، وهنا يُرد على هذا الاعتراض بأن هناك نصوصاً قرآنية قد تم إيقافها على يد عمر بن الخطاب، ﻷنها لم تعد صالحة للعصر أو الوضع الحالي للدولة”.
عن “النهار العربي”