رشا عمار
صحفية مصرية
ما تزال أجواء الاستقرار السياسي في اليمن ضبابية، فالبرغم من الحراك الدولي المكثف خلال الأسبوع الماضي للضغط على الأطراف المتنازعة، بهدف تمديد الهدنة الأممية كآلية لمواصلة جهود السلام في البلاد، إلا أنّ الانتهاكات المتواصلة من جانب الميليشيات الحوثية تضعها جميعاً في طور “الفشل”، دون أيّ تقدّم يُذكر، وبالتزامن تشتد الأزمة الإنسانية في البلاد مع استمرار نقص الغذاء والدواء وكافة الاحتياجات الأساسية لملايين المواطنين.
وقد دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، مساء الإثنين، خلال اجتماع مع مجلس القيادة اليمني والرئيس رشاد العليمي، إلى ضرورة تمديد الهدنة الأممية بالبلاد، التي ستنتهي في 2 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وبحث خلال اللقاء الذي عُقد في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، جهود الدعم الإنساني للمواطنين، لكنّ مراقبين رأوا استحالة تحقيق أيّ اختراق للدائرة السياسية المغلقة تماماً في البلاد منذ أكثر من عقد؛ بسبب استمرار الانتهاكات الحوثية داخل البلاد.
وبالتزامن مع مباحثات نيويورك، أعلن الجيش اليمني في بيان مساء الإثنين أنّ ميليشيات الحوثي الانقلابية المدعومة من النظام الإيراني ارتكبت (127) خرقاً للهدنة الأممية خلال (24) ساعة، في جبهات الحديدة وتعز ولحج والضالع وأبين وحجة وصعدة والجوف ومأرب.
كيف تحولت الهدنة إلى حلقة في صراع لا ينتهي؟
المحلل السياسي اليمني وضاح الجليل يقول في هذا الصدد لـ”حفريات”: إنّ الميليشيات الحوثية ترى في الهدنة فرصة سانحة لاستعادة قوتها وحشد عناصرها وتجنيد مقاتلين جدد، وفي المقابل لا تلتزم بأيّ بنود تتعلق بإقرار عملية السلام أو وقف الحرب الدائرة في البلاد، لذلك لا يمكن التعويل على مسألة الهدنة كآلية للحل وإقرار السلام في اليمن.
وأشار الجليل إلى تمادي الحوثيين خلال الوقت الراهن في السيطرة على مؤسسات جديدة داخل البلاد وتطويعها لصالح مشروعهم، أبرزها المؤسسة القضائية التي يحاول التنظيم مسخها وتحويلها إلى المنظومة العدلية، وهي مؤسسة حوثية متكاملة تم تدشينها للقيام بمهام الجهاز القضائي ولكن بتبعية كاملة للحوثي، وكذلك تمديد نفوذه العسكري وإعادة ترتيب صفوفه ودعم قواته، معتبراً أنّ “الميليشيات تستعد في الوقت الراهن لخوض معارك جديدة في في عدة جبهات داخل اليمن لبسط سيطرتها عليها، ولا تهتم لأمر الهدنة أو المعاناة الإنسانية التي يعيشها المواطنون، ولكن ما تحاول تحقيقه في الوقت الراهن هو الاستحواذ على أكبر مساحة جغرافية من الأراضي اليمنية، وكذلك السيطرة على مؤسسات الدولة.
وينوه الجليل إلى أنّ الانتهاكات الحوثية تحدث على مرأى ومسمع العالم أجمع، بما في ذلك الولايات المتحدة، والبعثة الأممية الراعية للهدنة في البلاد، دون أيّ تحرك دولي حقيقي لوقف تلك الخروقات أو فرض عقوبات رادعة على الحوثي، وهو أمر يدل على أنّ المجتمع الدولي ربما يسمح بتمرير الإستراتيجية الحوثية للسيطرة على الدولة بشكل كامل خلال الفترة المقبلة، واصفاً الجهود الخاصة بتمديد الهدنة أو إحلال السلام بوجه عام بأنّها “لم تعد مجدية”.
ويستدرك المحلل اليمني قائلاً: “ربما تسعى الولايات المتحدة لدعم تمديد الهدنة الأممية في اليمن ظناً منها أنّ الأمر يخدم عملية السلام في البلاد، لكنّ الخروقات المستمرة من جانب الحوثي تجعل الأمر أقرب إلى المستحيل، وهناك ضرورة لمراجعة كافة آليات التعامل الدولي مع الملف الحوثي ووضعه تحت ضغط كبير وفرض عقوبات عليه من أجل إجباره على الالتزام سواء بالهدنة أو الخطوات الهادفة لتحقيق الاستقرار السياسي ووقف الحرب”.
ملايين تحت وطأة “كارثة الجوع”
الأمر الأخطر، وفق الجليل، يتعلق بتفاقم الأزمة الإنسانية داخل البلاد؛ حيث يئن ملايين المواطنين تحت وطأة أزمة الجوع ونقص الماء والدواء في مناطق عديدة، ويشير المحلل السياسي اليمني إلى أنّ الهدنة في جوهرها كانت تستهدف فك الحصار عن المدن التي تعاني أزمة إنسانية، مثل محافظة تعز، على سبيل المثال، التي ما تزال تحت حصار شامل من جانب الميليشيات، وجميعها لم يتم فك الحصار الحوثي عنها على مدار شهور الهدنة السابقة، بالعكس زادت المعاناة إلى حدٍّ غير مسبوق، ويموت عشرات الأطفال يومياً بسبب سوء التغذية ونقص الدواء.
الجليل أشار أيضاً إلى امتناع الميليشيات عن دفع مرتبات الموظفين في الدولة، المنقطعة منذ نحو (6) أعوام، وكان من المفترض أن يتم دفعها من عوائد ميناء الحديدة بعد أن تم فتحه من جانب التحالف العربي والحكومة الشرعية، وكان ذلك البند من أبرز بنود الهدنة الأممية، لكنّ ميليشيات الحوثي رفضت تسليم المرتبات للموظفين، وما تزال حتى اللحظة الراهنة تستغل عوائد الميناء لصالحها، وهو أمر يضاعف من حدة الأزمة الإنسانية في البلاد إلى حدّ “كارثة الجوع”.
لماذا يرفض الحوثي “الحل السياسي”؟
لم تُبدِ الميليشيات الحوثية أيّ اهتمام بعملية سلام أو تسوية تفاوضية، ولم ينخرطوا في أيّ جهد لخفض التصعيد، وفق تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي”، فقد عبّر الحوثيون في بياناتهم العلنية واجتماعاتهم الخاصة عن موقف متعنّت يربط أيّ محادثات سلام بالاستجابة لمطالبهم مثل فتح مطار صنعاء، الذي يوفر لهم ميزة نسبية في حال تراجعوا عن تنفيذ جانبهم من الاتفاق.
ورأى التقرير أنّ هذا الموقف يثير تساؤلاً أساسياً حول ما إذا كان الحوثيون مستعدين لتقديم تنازلات؟ فصعوبة التوصل إلى اتفاق بشأن تدابير إنسانية بسيطة، مثل تخفيف حصار مدينة تعز الذي دام عدة أعوام، يجعل من الصعب التفاؤل بشأن استعدادهم لتقديم تنازلات في القضايا الأساسية المتعلقة بتقاسم السلطة والحكم ووضع نظام سياسي يمكن لجميع اليمنيين المصادقة عليه.
ورجح التقرير، بحسب ما نقلته صحيفة “العين”، أن ترفض قيادة الحوثيين التوصل إلى تسوية سياسية؛ لأنّ أيّ اتفاق لتقاسم السلطة سيجعل جزءاً كبيراً من مؤسساتهم السياسية والاستخباراتية دون سيطرة كاملة، وهو ما يعني أيضاً خسارتهم قدراً كبيراً من القوة السياسية والاقتصادية التي تتوافر لهم.
أضف إلى ذلك الانقسامات القائمة بالفعل بين أعضاء ميليشيات الحوثي، وخاصة من جانب العناصر التي لا تشعر بأنّها مدينة بالفضل لإيران، وهي القضية التي أدّت إلى انعدام ثقة داخلي، وهو الأمر الذي لا يريد الحوثيون أن يظهر للعلن، ومن ثمّ، فهم ليسوا مستعدين تماماً لتسوية سياسية.
المصدر حفريات