كريتر نت – متابعات
أربكت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، بشأن قبوله فكرة حل الدولتين، الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي كان يوظف حل الدولتين كورقة لإثبات وجوده في علاقته بملف السلام مع إسرائيل، كما كان يستخدم هذه الورقة لتخفيف الضغوط الداخلية المسلطة عليه سواء من داخل فتح أو من بقية الفصائل، وسط اتهامات له بإضعاف الموقف الفلسطيني.
وفي موقف يكشف التفاجؤ من تصريحات لابيد والارتباك في التعاطي مع اللحظة رد الرئيس الفلسطيني في البداية بأن وصف الخطوة بأنها “أمر إيجابي”، قبل أن يتراجع ويهاجم إسرائيل ويحمّلها مسؤولية إفشال عملية السلام في مراحلها المختلفة بدءا من أوسلو وصولا إلى الوقت الراهن.
وقال مراقبون فلسطينيون إن عباس فشل في التقاط المبادرة الإسرائيلية وكان يمكن أن يوظفها لإظهار رغبته في تحريك السلام من جديد، ولو من باب المناورة والضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو يعرف أن تصريحاته لن تمر بسلام في الساحة الإسرائيلية خاصة مع اقتراب موعد انتخابات الكنيست في نوفمبر القادم.
الأمير فيصل بن فرحان: تصريح لابيد بخصوص حل الدولتين إيجابي إذا ترجم إلى أفعال
ويرى المراقبون أن عباس يرفض تحريك عملية السلام الآن، فقد رهن وجوده بمسألة حل الدولتين واختفاء هذا المبرر سيفقده مبرر بقائه في المشهد، خاصة أنه صار معزولا على المستوى الإقليمي والدولي، وتنظر إليه أغلب الأطراف على أنه عنصر معرقل لمسار السلام كونه يبحث عن مصالحه الشخصية أكثر من بحثه عن حلول تخفف عن الفلسطينيين المعاناة التي يعيشونها.
ولا تتحمس إسرائيل للتواصل مع عباس على المستوى السياسي، وهي تفضل شخصيات فلسطينية أخرى من داخل حركة فتح تمتلك أفكارا إيجابية وقادرة على الالتزام بتعهداتها، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق بوجود عباس على رأس السلطة، الذي جعل رهانه الأساسي إجراء انتخابات رئاسية تكرس بقاءه على رأس السلطة بالرغم من تقدمه في السن.
وقد وتّرت مشكلة البقاء في السلطة علاقاته الفلسطينية، خاصة داخل فتح التي صارت تشعر بالتأثير السيء لبقائه على رأسها وسط استقالات وانسحابات وبروز شقوق داخل الحركة بسبب هيمنة الحرس القديم المتخفي وراءه.
وفقد الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته التحمّس العربي لبقائه في السلطة، وهو ما أثر على وضع السلطة وعلى حجم الدعم الذي كان يُقدَّم إليها خاصة من دول الخليج، وفشلت محاولات عباس لتوفير بدائل عن ذلك من خلال الرهان على تركيا وقطر.
ودخلت السعودية على الخط، وقال وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان الجمعة إن تصريح لابيد بخصوص حل الدولتين “إيجابي” إذا ترجم إلى أفعال، مضيفا أن السلام يتطلب حوارا مباشرا بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وسيزيد الموقف السعودي من إرباك عباس، خاصة مع توقع صدور مواقف خليجية أخرى داعمة لتحريك عملية السلام وفق مبادرة لابيد.
كما وصف الرئيس الأميركي جو بايدن مبادرة لابيد بأنها “شجاعة”، مؤكدا دعمه “حل الدولتين”، دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب دولة إسرائيل.
كلمة عباس حوت الموقف ونقيضه، فقد وصف كلام لابيد بالإيجابي، لكنه ركز في كلمته على الهجوم على إسرائيل
وحوت كلمة عباس الموقف ونقيضه؛ فقد وصف كلام لابيد بالإيجابي، لكنه ركز في كلمته على أن إسرائيل تعرقل عمدا التقدّم باتجاه التوصل إلى حل الدولتين ولم يعد من الممكن اعتبارها شريكا يمكن الوثوق به في عملية السلام.
وقال عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن “إسرائيل التي تتنكر لقرارات الشرعية الدولية قررت ألا تكون شريكا لنا في عملية السلام”.
وأضاف أن الدولة العبرية “أمعنت في تكريس هذا الاحتلال، فلم تترك لنا خيارا آخر سوى أن نعيد النظر في العلاقة القائمة معها برمتها”.
ومضى يقول “إننا لا نقبل أن نبقى الطرف الوحيد الذي يلتزم باتفاقات وقعناها مع إسرائيل عام 1993، اتفاقات لم تعد قائمة على أرض الواقع، بسبب خرق إسرائيل المستمر لها”.
وأكد عباس البالغ من العمر 87 عاما أنه “أصبح من حقنا بل لزاما علينا أن نبحث عن وسائل أخرى للحصول على حقوقنا وتحقيق السلام القائم على العدل”.
ويقول محللون فلسطينيون إن عباس يطلق كلاما عاما بشأن امتلاكه “وسائل أخرى”، وهو يعرف أن السلطة الفلسطينية لا تستطيع أن تستمر بعيدا عن علاقتها بإسرائيل وتمسكها بالتفاوض المباشر والتنسيق الأمني، وأن لجوءها إلى ورقة “المقاومة” أمر غير ممكن على أرض الواقع، فلا أحد يثق بعباس على هذا المستوى حتى داخل فتح، فضلا عن توتر علاقاته مع الفصائل الأخرى، وهو ما عكسه تبادل إطلاق النار بين عناصر شرطة السلطة ومسلحين تابعين لحركة حماس.
عباس يرفض تحريك عملية السلام الآن، فقد رهن وجوده بمسألة حل الدولتين واختفاء هذا المبرر سيفقده مبرر بقائه في المشهد
وقبل عام من الآن اتهم عباس إسرائيل بتدمير حلّ الدولتين، مطالبا في الوقت نفسه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام.
وهدد عباس ضِمن خطابه في الأمم المتحدة بسحب اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل إذا لم تنسحب من الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية في غضون عام.
وكان لابيد قال إنه على الرغم من وجود “عوائق”، إلا أن إبرام “اتفاق مع الفلسطينيين يقوم على حل دولتين لشعبين هو الخيار الصائب لأمن إسرائيل واقتصادها ولمستقبل أولادنا”.
وتابع أن “غالبية كبيرة” من الإسرائيليين تدعم حل الدولتين، و”أنا واحد منها”. لكنه لم يدعُ إلى إجراء محادثات مع عباس ولم يتحدث عن خطة سلام.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي “لدينا شرط واحد: أن تكون الدولة الفلسطينية الموعودة مسالمة”.
وجاءت تصريحات لابيد قبل أقل من ستة أسابيع على انتخابات الأول من نوفمبر التي قد تعيد رئيس الوزراء اليميني السابق بنيامين نتنياهو إلى السلطة، والأخير معارض منذ فترة طويلة لحل الدولتين.