كتب – رشا عمار
صحفية مصرية
أعاد قرار المحكمة الأوروبية مؤخراً بإدانة فرنسا؛ بسبب رفضها عودة مواطنيها المنضمين لتنظيم داعش وذويهم من مخيمات التنظيم في سوريا والعراق، أعاد الجدل حول مستقبل الفرنسيين الذين يمثلون النسبة الأكبر من الأوروبيين في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش، وفيما تواصل دول القارة ضغوطها على باريس لتعديل موقفها، أعلنت الخارجية الفرنسية الأسبوع الماضي أنّها “ستعيد دراسة طلبات عائلات المنتمين للتنظيم كلما سمحت الظروف بذلك”، وذلك في تحول واضح لموقفها السابق برفض الأمر بشكل شبه نهائي.
وخلصت المحكمة الأوروبية تعليقاً على شكويين من جانب عائلتين من أهالي المنضمين للتنظيم، ترفض باريس عودتهم، إلى أنّ فرنسا قد انتهكت المادتين؛ الثانية والثالثة من البروتوكول الرابع للمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي تنص على أنّه “لا يمكن حرمان أيّ شخص من حق الدخول إلى أراضي الدولة التي يتحدر منها”.
وتعليقاً على الإدانة الأوروبية، قالت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان نشرت “فرانس 24” نسخة منه: إنّ “الحكومة الفرنسية قد أخذت علماً بقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان”، مشددة على أنّ فرنسا لم تنتظر الحكم الصادر عن المحكمة للتحرك، وهي مستعدة لإعادة المزيد من العائلات كلما سمحت الظروف بذلك”.
ومن جانبه، قال الناطق باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران بعد صدور القرار: “لم ننتظر قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان للمضي قُدماً”، مضيفاً: “لقد قمنا بالفعل بتغيير قواعد النظر في الملفات وإعادة رعايا فرنسيين ما يزالون في شمال شرق سوريا.
وأضاف بحسب موقع “ميدل إيست أون لاين”: “كل ملف، كل وضع إنساني يخضع لدرس معمق”، وما يزال هناك حالياً نحو (100) امرأة و(250) طفلاً فرنسياً في مخيمات في سوريا.
إشكالية العودة
وفي السياق، توقع رئيس المجلس الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات جاسم محمد أن تواجه فرنسا، التي تحتل نصيب الأسد في قائمة أعداد الأوروبيين المنتمين للتنظيم بنحو (1450) شخصاً، توقع أن تواجه مشكلات سياسية وأمنية بشأن عودة المقاتلين في صفوف داعش من مواطنيها وذويهم، مشيراً في تصريح لشبكة “سكاي نيوز” إلى أنّ “باريس بدأت في استعادة مواطنيها وفق خطة للمحاسبة وإعادة التأهيل، وقد شكلت فرنسا والسويد فريق تحقيق مشتركاً للمساعدة في محاكمة مقاتلي تنظيم داعش الذين ارتكبوا جرائم في سوريا والعراق بهدف التنسيق طويل الأمد للتحقيقات والمشاركة السريعة للمعلومات والأدلة”.
وفي الوقت ذاته، يرى محمد أنّ “ترك المواطنين الأوروبيين في المخيمات ينطوي على مخاطر أكبر من إعادتهم إلى الوطن، لا سيّما الأطفال والقصّر منهم؛ لأنّهم قد ينضمون إلى تنظيم داعش، وقد يصبحون “الجيل القادم من المقاتلين الأجانب. ويُعد الحلّ الأمثل لمعضلة عودة المقاتلين الأجانب هو السماح باستعادتهم، وأن تُتاح للعائدين فرصة للتأهيل والاندماج من جديد، بعد تحديد الدوافع وراء التحاقهم بالتنظيم ومدى مشاركتهم في العمليات القتالية في مناطق الصراعات”.
لماذا ترفض فرنسا استعادة مواطنيها؟
تشهد فرنسا انقساماً داخلياً فيما يتعلق بعودة المنتمين لتنظيم داعش، ففي حين تطالب منظمات حقوقية غير حكومية بشكل مكثف بضرورة عودتهم مع وضع برامج تأهيلية وقانونية لإعادة الدمج في المجتمع، يعتبر مناهضو العودة أنّه “ما من دليل قاطع بإمكانية نزع بذرة العنف والحقد نهائياً من عقول الذين انضموا إلى “داعش”، كما أنّ مديرية الأمن العام اعتبرت، في وقت سابق، بحسب صحيفة “الإندبندنت” بالعربية”، أنّه من الأسهل مراقبة هؤلاء ضمن الأراضي الفرنسية من أن يبقوا في الخارج، لكنّ النظرة تبدلت تدريجياً فيما بعد، بحجة أنّ مراقبة الأشخاص بعد خروجهم من السجن تبقى محدودة، ولا يمكن تمديدها إلى ما لا نهاية، ناهيك عن أنّ انتشار مقاطع الفيديو في أعوام “داعش” التي أظهرت أطفالاً أوكلت إليهم مهام إعدام بعض السجناء يربك البعض.
وتخشى دول الاتحاد الأوروبي بوضوح من أن تتاح لهؤلاء العائدين الفرص لارتكاب أعمال إرهابية داخل حدودها، بحسب تحليل تناول أسباب الرفض الأوروبي لعودة عوائل “داعش” ونشره موقع “عين أوروبية على التطرف”، وأشار التقرير إلى القلق الأوروبي من أن يتمكن هؤلاء الأشخاص، سواء أكانوا متطرفين في المخيمات أم قاتلوا في صفوف “داعش”، من الوصول المباشر إلى المواطنين لنشر هذا التطرف، وربما حث الآخرين على الإرهاب، وأيّ عمل إرهابي يرتكبه العائدون، سوف يضع الحكومات في موقف محفوف بالمخاطر سياسياً، ممّا يؤدّي إلى تقليص هائل من شعبيتها.
وفي حين يرى التقرير أنّ الخوف من الإرهاب يمثل الهاجس الأوروبي الأكبر، إلا أنّ “هناك تكاليف أخرى، تتعلق بالتكلفة الاقتصادية التي لا يمكن لبعض الدول تحملها في الوقت الراهن، فالدول الأوروبية التي تعيد المقاتلين الأجانب وعائلاتهم الذين لا يمكن احتجازهم بتهم جنائية سوف تضطر إلى تخصيص ميزانيات أكبر لوكالات الاستخبارات لمراقبتهم، ولبرامج إعادة الإدماج”.
عوائل التنظيم ضحايا أم مجرمون؟
نجحت الضغوط من جانب المنظمات الحقوقية في أوروبا خلال الأعوام الماضية في تحقيق بعض النجاحات البسيطة، بعودة عدد من عوائل التنظيم إلى دولهم داخل القارة، حتى أنّ فرنسا قد أعادت في تموز (يوليو) الماضي (16) امرأة و(36) قاصراً، وكذلك استعادت بلجيكا وكندا ودول أخرى العشرات من مواطنيها المنتمين للتنظيم أو عوائلهم، وتولي الدول اهتماماً خاصاً بالأطفال، لكنّ التقديرات الأوروبية ما تزال متناقضة بشأن النظرة إلى عوائل التنظيم كونهم مجرمين أم مجرد ضحايا؟
ويعتبر التحليل المنشور بموقع “عين أوروبية على التطرف” أطفال المقاتلين الأجانب وبعض زوجاتهم “ضحايا”؛ لأنّهم “أجبروا على الانضمام قسراً إلى صفوف داعش، لكنّه يشير إلى احتمالية أن تتسبب التجارب المروعة والجرائم البشعة التي شهدوها أو ارتكبوها خلال الحرب في تحوّلهم إلى التطرف، ونظراً لأنّ العديد من الأطفال عملوا جنوداً لداعش والجماعات الإرهابية الأخرى في المنطقة العراقية السورية، فقد يصبحون مصدر تهديد خطير لأمن الدول الأوروبية”.
وعلى الرغم من أنّ بعض دول الاتحاد الأوروبي توفر برامج شاملة لإعادة إدماج المقاتلين الأجانب وأسرهم، فلا يوجد ما يضمن نجاح هذه البرامج في إعادة تأهيل المتطرفين العائدين، أو درء الخطر الذي يشكلونه على المجتمع، وفي حين أنّ مشاركة الأطفال في برامج مكافحة التطرف يمكن أن تقودهم إلى التخلي عن الأفكار المتطرفة، فإنّ وصم المجتمع للأطفال بأنّهم من أسر المقاتلين الأجانب يمكن أن يمثل أيضاً خطراً حقيقياً؛ لأنّه ربما يقود إلى انتكاستهم، وقد ثبت أنّ الوصم والشعور بالاغتراب من بين العوامل الدافعة لتطرف المقاتلين الأجانب، بحسب التحليل ذاته.
المصدر حفريات