كريم شفيق
كاتب مصري
تتسارع التطورات إثر إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التعبئة الجزئية، وكذا التهديد باستخدام السلاح النووي في الحرب مع أوكرانيا، إذ قررت موسكو منح الجنسية للمقاتلين الأجانب المنضمين للجيش الروسي، وفق ما أعلن الكرملين، لافتاً إلى أنّ القانون الذي دشنه الرئيس الروسي يهدف إلى تسهيل إجراءات تجنيس الأجانب الذين يخدمون في صفوف الجيش، لفترة لا تقل عن عام.
تشريع روسي جديد
وفي المقابل، قامت الشرطة الروسية باعتقال أكثر من 700 شخص، مؤخراً، على خلفية التظاهرات المعارضة لهذا الإجراء الجديد، حسب ما أعلنت منظمة “أو في دي-انفو” الحقوقية، والتي قالت إنّه تم “توقيف 707 أشخاص على الأقل في 32 مدينة”.
وتتضمن التشريعات الجديدة التي أقرها البرلمان الروسي ووافق عليها بوتين “عقوبة السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات للعسكريين في حال الاستسلام الطوعي. وتعتبر فترات التعبئة، والأحكام العرفية، أو زمن الحرب، من الظروف المشددة للعقوبة لمرتكبي الجرائم بحق الخدمة العسكرية، مثل عدم الامتثال لأمر عسكري، ومقاومة القائد في الخدمة العسكرية، ومغادرة مكان الخدمة بدون إذن، والفرار والتقاعس عن الخدمة، وانتهاك قواعد الخدمة، وفقدان الممتلكات العسكرية”.
ومثلما لوح الرئيس الروسي باستخدام أسلحة الدمار الشامل، ذكر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأمر ذاته، مشدداً على احتمالية الاستعانة بالسلاح النووي لتأمين وحماية الأراضي التي ستكون تحت سيطرة روسيا بعد الاستفتاءات في شرق وجنوب أوكرانيا.
وفي أعقاب كلمته بالجمعية العام للأمم المتحدة، قال لافروف، في مؤتمر صحفي، مطلع الأسبوع، إنّه “بعد تلك الاستفتاءات، ستحترم روسيا التعبير عن إرادة أولئك الأشخاص الذين عانوا لسنوات عديدة من انتهاكات نظام النازيين الجدد”.
كما نقلت وكالة الأنباء العالمية “رويترز” عن وزير الخارجية الروسي قوله إنّ “الأراضي الروسية، بما في ذلك تلك الواردة بشكل إضافي في الدستور الروسي في المستقبل، تخضع لحماية الدولة بشكل كامل. وجميع القوانين الروسية بما فيها تلك المتعلقة باستخدام الأسلحة النووية تسري على كافة الأراضي التابعة لروسيا”.
وعليه، اعتبر وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، تصريحات لافروف “غير مقبولة على الإطلاق”. وقال في تغريدة على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “تصريحات بوتين ولافروف غير المسؤولة بشأن الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية غير مقبولة على الإطلاق”.
وطالب كوليبا الدول النووية كافة بضرورة أن “توضح علناً وبحزم أنّ مثل هذه اللهجة تعرض العالم للخطر ولن يتم التغاضي عنها”.
هذه ليست خدعة
وفي ما يبدو أنّ بوتين فتح كل الاحتمالات؛ لأنّه لا يستطيع أن يتوقف عن ما شرع فيه بأوكرانيا، بحسب الباحث الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو، ديميتري بريجع، ولكن، من جهة أخرى، الرئيس الروسي يحاول “تخويف” الغرب عبر القول بأنّه سوف يستعمل السلاح النووي.
ووفق بريجع في حديثه لـ”حفريات”، فإنّه، في شباط (فبراير) الماضي، قبل وقت قصير من غزو أوكرانيا، وضع الرئيس بوتين القوات النووية الإستراتيجية الروسية في “مهمة قتالية خاصة” بينما أجرى تدريبات على القوات النووية الإستراتيجية.
وفي الآونة الأخيرة، قال بوتين بشأن الأسلحة النووية إنّ “تهديد وحدة أراضي بلادنا، ولحماية روسيا وشعبنا، سوف نستخدم بالتأكيد كل الوسائل المتاحة لنا. هذه ليست خدعة”.
ويلفت بريجع إلى أنّه في مطلع الألفية الجديدة وافق بوتين على العقيدة العسكرية للاتحاد الروسي، والتي بموجبها تحتفظ روسيا بالحق في استخدام ترسانة نووية رداً على استخدام أسلحة الدمار الشامل ضدها أو ضد حلفائها، وكذلك للرد على أيّ عدوان واسع النطاق باستخدام الأسلحة التقليدية.
بالإضافة إلى ذلك، تنص العقيدة العسكرية لروسيا على أنّه لا يمكن لروسيا استخدام الأسلحة النووية ضد الدول الأعضاء في معاهدة حظر الانتشار النووي، والتي لا تمتلك مثل هذه الأسلحة، إلا في الحالات التي تهاجم فيها هذه الدولة روسيا “بالتزامن مع هجوم دولة تمتلك أسلحة نووية”.
ويشدد الباحث الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو، على أنّه في عام 2010 وافق بوتين على عقيدة عسكرية جديدة، وقد تم بموجبها حذف القسم الخاص بحظر استخدام الأسلحة النووية ضد الدول التي لا تمتلك مثل هذه الأسلحة من العقيدة. ويتابع: “يمكن أن نفهم من خطوات بوتين بأنّه يعمد إلى فتح كل الاحتمالات بحيث تبقى ممكنة وواردة طالما هناك مواجهة بين الغرب وروسيا، وهذا الأمر يمكن أن يتطور إلى حرب كبيرة باستعمال السلاح النووي التكتيكي. ولكن تكلفة استعمال هذه الأسلحة سوف تكون كبيرة على الإنسانية وعلى روسيا نفسها”.
وبسؤال المصدر ذاته عن رسائل بوتين للغرب والولايات المتحدة من تهديده المتكرر بإمكانية استخدام السلاح النووي، يجيب: “الرسائل مفادها تخويف هذه القوى، ومحاولة إقناع الغرب والولايات المتحدة بتغيير إستراتيجيتهما بشأن أوكرانيا، ووقف دعم أوكرانيا بالسلاح (مع إمكانية إعطاء المعلومات الاستخباراتية، فقط). ولكن أعتقد بأنّ الغرب لن يتوقف عن خططه بسبب فرض الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على الدول الاوروبية, بيد أنّ الأزمات الاقتصادية وملف الطاقة يمكن أن يوثر كل منهما على الداخل الأوروبي وعلى القرار الأوروبي”.
ماذا لو فعلها بوتين؟
وفي ما يخص ردود فعل الغرب وواشنطن على هذه التهديدات، يقول بريجع إنّه في حال استخدم فعلاً بوتين السلاح النووي، فسوف نكون أمام حرب كبيرة. كما يرجح انتهاء التصعيد نتيجة الضغوطات الداخلية على الرئيس الروسي، وتحديداً ضغوط الأوليغاركية الروسية التي تعلن، في الوضع الحالي، عن غضبها وتذمرها من تصرفاته. ويجب أن نفهم بأنّ هناك انتخابات قادمة في الولايات المتحدة الأمريكية وكل طرف يحاول كسب النقاط السياسية من الملف الاوكراني، ومنهم الحزب الديمقراطي.
تؤشر التطورات الأخيرة، ميدانياً، إلى أنّ الرئيس الروسي أصبح في وضع “حرج جداً”، وأنّ المجريات على الأرض تشير إلى “فشل جميع خططه التي حلم بتحقيقها” عندما قرر شن الحرب على أوكرانيا، حسبما يرى الباحث في العلوم السياسية والمتخصص في الشأن الأمريكي، زياد سنكري، المقيم في واشنطن، والذي يؤكد أنّ الرئيس الروسي “خسر الحرب وهو يعلم ذلك، وهذا ما يجعله (أي بوتين) “أكثر خطورة”، مضيفاً لـ”حفريات” أنّ “حالة اليأس والشعور بالانكسار التي يعيشها بوتين تجعل المجتمع الدولي يأخذ تهديده باستعمال السلاح النووي على محمل الجد”.
فالولايات المتحدة رغم دعمها للحكومة الـأوكرانية، إلا أنّها حرصت على عدم إرسال أسلحة متطورة من شأنها أن تقلب موازين المعركة لدرجة سحق القوات الروسية، وفق سنكري، وذلك يعكس خشية أمريكية من “حشر بوتين في مساحة ضيقة ومحاصرته بالضغوط، ومن ثم، خفض احتمالية لجوء بوتين إلى رفع سقف المواجهة، واستخدام السلاح النووي”.
ويتابع: “بنظر بوتين، فإنه لتجنب خسارة هذه الحرب العسكرية التقليدية، عليه اللجوء للسلاح النووي. ولتجنب التصعيد مع الغرب تظهر التهديدات بالسلاح النووي، بشكل ممنهج. الخطة الروسية، في تكتيكها، لا تشبه، بأي حال من الأحوال، ما جرى في هيروشيما وناغازاكي، الأمر الذي يعني، في حال تكراره، حرباً عالمية ثالثة. ولكن سيكون الاستخدام النووي بمثابة عملية تكتيكية محدودة لدحر الأوكرانيين، وتحقيق نصر يحفظ ماء وجه بوتين، بحيث يبقى في السلطة، وينقذ مستقبله السياسي”.
فالأمور بالنسبة للرئيس الروسي تتجه من “سيء إلى أسوأ”؛ إذ إنّ جميع القرارات الأخيرة للقيادة الروسية تعكس حجم المأزق الراهن، وفق الباحث في العلوم السياسية والمتخصص في الشأن الأمريكي، المقيم في واشنطن، لافتاً إلى أنّ “هيبة الجيش الروسي تحطمت، والهيبة المحاطة ببوتين تلاشت، والسخط الشعبي ضده بدأ بالتصاعد، والشارع الروسي يتسائل عن قرار الحرب وما تبعه من أضرار جمّة”.
ويختم: “إقالة نائب وزير الدفاع والقادة الميدانيين، والخدمة العسكرية الإلزامية، بالإضافة إلى فرض عقوبة السجن على العسكريين الفارين من الخدمة، ووصولاً إلى التهديد بالسلاح النووي، كل هذا يعكس حقيقة واحدة وهي هزيمة الرئيس بوتين، الأمر الذي سيكون له انعكاسات جيوسياسية وإستراتيجية طويلة الأمد، وسيجعل الصين القوة الوحيدة المواجهة للمشروع الأمريكي الغربي”.
المصدر حفريات