كتب .. هند سليمان
صحفية مصرية
في خضم حرب طاقة غير معلنة بين دول الاتحاد الأوروبي وروسيا على خلفية نحو (6) حزم من العقوبات الأوروبية على موسكو، بات أيّ حادث يمسّ إمدادات الغاز الروسية إلى القارة العجوز محل شكوك وتحقيقات واهتمام دولي غير مسبوق، فقد أثار تسرب الغاز من خط أنابيب “نورد ستريم 1″ تكهنات عديدة وشكوكاً أكثر حول احتمال تعرّضه لـ”عمل تخريبي”.
التكهّنات بتعرض خط الأنابيب “نورد ستريم1″، الذي يمثل شريان الحياة لأوروبا المتعطشة للغاز الروسي منذ بداية العام الجاري، غذّتها تصريحات بعض المسؤولين الأوروبيين بسماع دويّ انفجارات تحت سطح البحر قبل اكتشاف التسريب، فقد نقلت “فاينانشال تايمز” البريطانية عن مسؤولين في الدنمارك وألمانيا وبولندا تحذيرهم من أنّ التسرب في خطي أنابيب غاز روسيين في بحر البلطيق “ربما يكون نتيجة أعمال تخريب”، ممّا زاد المخاوف بشأن ضعف البنية التحتية للطاقة في أوروبا.
وقد أوقفت روسيا إمدادات الغاز عبر “نورد ستريم 1” في الأسابيع الأخيرة، بينما لم يتم تشغيل “نورد ستريم 2” أبداً؛ بسبب العقوبات الغربية ضد روسيا على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا، غير أنّ الغاز تسرب كذلك من خلاله.
فرضية “العمل التخريبي”
لم تستبعد رئيسة وزراء الدنمارك فرضية “العمل التخريبي” كسبب للتسريبات في خطي أنابيب “نورد ستريم 1 و “2، اللذين كانا في قلب صراع الطاقة بين روسيا وأوروبا، وفقاً لـ”فاينانشال تايمز”، غير أنّها قالت: إنّه “من السابق لأوانه الاستنتاج بعد، لكنّه وضع استثنائي”.
واستطردت قائلة: إنّ “هناك (3) تسريبات، وبالتالي من الصعب تخيل أنّها قد تكون عرضية”، مؤكدة أنّ “هذه أعمال متعمدة، وليست مصادفة”، ولا سيّما أنّه لم يكن هناك تهديد عسكري متزايد لبلدها.
“هجوم موجّه”
فرضية العمل التخريبي أيدها كذلك مسؤولون ألمان، الذين عبّروا عن قلقهم من أن يكون انخفاض الضغط المفاجئ للغاز في كلا الخطين “نورد ستريم1″ و”نورد ستريم2” نتيجة “هجوم موجّه”، مرجّحين تورط روسيا في الأمر.
ووفقاً لوكالة “نوفا” الإيطالية، فقد تم تسجيل أولى بوادر وجود فقاعات غاز أول من أمس قبالة جزيرة بورنهولم الدنماركية، قبل أن تحظر سلطات ستوكهولم وكوبنهاغن عبور السفن في المنطقة على بعد (5) أميال بحرية من المنطقة التي ظهرت فيها فقاعات الغاز.
ونقلت “نوفا” عن المتحدث باسم شركة إدارة شركة “نورد ستريم إيه جي”، التحالف الذي يدير ويشغل خطي الأنابيب، قوله في تصريحات للصحيفة السويدية “أفتون بلادت”: إنّ خطوط الأنابيب ما تزال مليئة “بالغاز الراكد”، على الرغم من حقيقة أنّ الإمدادات قد تم تعليقها منذ فترة طويلة.
وتابع: “الضرر الذي حدث في يوم واحد في وقت واحد في (3) خطوط من خطوط الأنابيب البحرية لنظام نورد ستريم غير مسبوق”، مؤكداً أنّه “من المستحيل تقدير الإطار الزمني لاستعادة البنية التحتية لنقل الغاز حتى الآن”.
فرضية “الهجوم الموجّه” طرحتها كذلك صحيفة “تاغ شبيغل” الألمانية، التي نقلت عن مسؤولين ألمان ترجيحهم أن يكون التسريب ناجماً عن محاولة تخريب “بوساطة غواصات أو مجموعات من الغواصين”.
انفجارات محتملة
قبل بدء تسرب الغاز من خطي الأنابيب، الممتدين في قاع بحر البلطيق، سجل علماء الزلازل في السويد والدنمارك ما يعتقدون أنّه “انفجارات”، وفقاً لموقع “يورونيوز”.
وأظهرت صور ومقاطع فيديو نشرها الجيش الدنماركي وجود فقاعات غاز ضخمة على سطح بحر البلطيق، قال الجيش إنّ قطر أكبرها بلغ أكثر من كيلومتر واحد، وأصغرها يغطي حوالي (200) متر، وقالت الشبكة الوطنية السويدية لرصد الزلازل إنّه تم تسجيل “انفجارين محتملين” في منطقة تسرب الغاز، الأول في الساعة 2.03 بتوقيت غرينتش أول من أمس، والثاني 19.03 بتوقيت غرينتش.
تحقيق وفحص
لم يتضح بعد حجم الغاز الذي تسرب، لكنّ “تاغ شبيغل” توقعت أن يكون بـ”كميات كبيرة”، داعية الجهات المختصة إلى فحص الضرر على الفور، والبحث عن أيّ دليل يمكن أن يوضح فهم الأسباب الحقيقية وراء تسرب الغاز، وفقاً لـ”نوفا”.
ونقلت “نوفا” عن المتحدث باسم شركة “نورد ستريم إيه جي”، مشغل خط الأنابيب: “لقد أبلغنا السلطات، ويمكنني أن أكرر أنّنا نحقق في الظروف”.
تم اكتشاف التسريبين في “نورد ستريم “1، الذي أغلقته موسكو في وقت سابق من هذا الشهر رداً على العقوبات الغربية بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، إلى جانب تسرب آخر في “نورد ستريم 2 ” الذي تم تجميده بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ولم يتم تشغيله أبداً.
ونقل موقع “يورونيوز” عن وكالة الطاقة الدنماركية قولها: إنّ “هذا ليس ثقباً صغيراً… إنّه ثقب كبير حقاً”.
“ردٌّ قوي”… وتحرك عسكري
على الرغم من أنّه لم يتم التأكد بعد من أسباب تسرب الغاز، جزمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أنّها “ناجمة عن التخريب”، وحذّرت من “أقوى ردٍّ ممكن”.
وقالت فون دير لاين: “أيّ تعطيل متعمد للبنية التحتية للطاقة الأوروبية النشطة غير مقبول، وسيؤدي إلى أقوى ردٍّ ممكن”، وأكد الاتحاد الأوروبي في بيان سابق أمس أنّ تسرب الغاز لم يؤثر على أمن الإمدادات بالاتحاد “حتى الآن”.
في سياق متصل، يتوجه وزير الدفاع الدنماركي مورتن بودسكوف اليوم الأربعاء إلى بروكسل للقاء رئيس حلف شمال الأطلسي “الناتو” ينس ستولتنبرغ لمناقشة تسرب الغاز، وفقاً لـ”يورونيوز”، ونقلت “أفتون بلادت” السويدية عن مايكل كلايسون رئيس العمليات المشتركة للقوات المسلحة السويدية تأكيده: “من الواضح أنّها مسألة عسكرية”.
إلى ذلك، رجحت وكالة “نوفا” أن يؤدي الضرر المحتمل للبنية التحتية والبيئية بسبب فقدان الغاز في بحر البلطيق إلى “حلقة جديدة من الصدام بين الغرب وروسيا”.
قلق روسي بالغ
وأعرب الكرملين أمس الثلاثاء عن قلقه من تسرب الغاز من خط أنابيب “نورد ستريم 1″، الذي يشكّل إحدى النقاط الساخنة في حرب الطاقة المحتدمة بين أوروبا وموسكو منذ بدء الحرب في أوكرانيا، فقد وصف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف التقارير حول تسرب الغاز بأنّها “مقلقة للغاية”، مشدداً على أنّه “لا ينبغي استبعاد أيّ احتمال في الوقت الحالي”، بما في ذلك التخريب.
وفي حين وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان التسرب بأنّه “تخريب واضح”، نقل موقع “يورونيوز” عن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قوله: “هناك تقارير أولية تشير إلى أنّ هذا قد يكون نتيجة هجوم أو نوع من التخريب، لكنّ هذه تقارير أولية، ولم نؤكد ذلك بعد”.
وكتب سوليفان لاحقاً في تغريدة على حسابه الرسمي على تويتر: “تدعم الولايات المتحدة جهود التحقيق، وسنواصل عملنا لحماية أمن الطاقة في أوروبا”، وفقاً لـ”فاينانشال تايمز”.
اضطراب الأسواق
تسرب الغاز وتداعياته السياسية والعسكرية المحتملة من شأنه أن يضيف المزيد من الارتباك والاضطرابات إلى سوق الطاقة، الذي يعاني بالفعل من ارتفاعات حادة، على خلفية وقف روسيا لإمدادات الغاز منذ نهاية الشهر الماضي، فقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في الأسواق الأوروبية بالفعل (4) دولارت أمس الثلاثاء، فور الإعلان عن التسرب وما تلاه من تصريحات تُنذر بتصعيد محتمل.
ووفقاً لموقع “ناتشورال غاس إنتليجينس”، ارتفع سعر الغاز الطبيعي ليغلق عند (57) دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية أمس الثلاثاء من (54.498) دولاراً يوم الإثنين.
ونقل الموقع المتخصص في أخبار الغاز الطبيعي عن محللين في شركة “إنيرجي دنمارك” الأوروبية قولهم أمس: إنّ أخبار تسرب الغاز من خطي “نورد ستريم 1 و2” دفعت أسعار الغاز والطاقة في “اتجاه صعودي”، حيث أصبح إعادة تشغيل “نورد ستريم1” “أكثر غموضاً الآن”.
التداعيات امتدت كذلك إلى الأسواق الاقتصادية التي ينشط فيها البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، فقد توقع، في بيان تلقت “حفريات” نسخة منه، أنّ يؤدي انخفاض إمدادات الغاز من روسيا وتزايد التضخم في جميع أنحاء العالم إلى إبطاء النمو الاقتصادي بشكل أكبر العام المقبل في نطاق مناطق عمل البنك.
وأشار البنك إلى أنّ تلك التوقعات قد تتحول إلى “مخاطر سلبية كبيرة” في حالة تصاعدت حرب روسيا على أوكرانيا، أو انخفاض حجم صادراتها من الغاز بشكل أكبر.
المصدر حفريات